في احتفائنا بالنصر والتحرير، قررت القيادة دعوة الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة الأميركية جورج بوش لزيارة الكويت، وكان أن أرسلت للرئيس أمهر قائدي أسطولها الأميري الكابتن حسام عبداللطيف الشملان، وقد حدث عندما أقلعت الطائرة من مطار في ولاية تكساس عائداً بالرئيس وحرمه للكويت أن تحطم جزء من جناح الطائرة فقرر الهبوط في قاعدة للجيش الأميركي وعلى إثر ذلك الحادث طرحت فكرة أخرى حتى يصل الرئيس بالموعد المقرر، بأن يتم استئجار طائرة الكونكورد السريعة لتختصر الوقت، إلا أن الرئيس رفض هذا الاقتراح وصمم على أن من أنقذ حياته وزوجته أن يطير به مجدداً إلى الكويت، فكان له ذلك، وقد كان لذلك الأثر الكبير في قلب الكابتن حسام وقد حدثنا عنه معللاً ما حدث بسمات القيادة التي يجب أن يتحلى به القائد في مثل تلك الظروف بأن ينظر للأمر من جانبه الإيجابي لا أن يجعل من صروف الدهر آلة لتدمير من حوله وإشاعة روح الانهزام بينهم.
كان الكابتن حسام في مواقف عدة من سيرة حياته ذا مزاج واحد، لا يتغلب عليه الضجر ولا السأم، تتملكه روح التقبل لكل ما يطرح من حوله ويتمسك برأيه ويعلله لمن يود أن يسمعه، ينسجم مع من حوله بقوة وقد كان على ذلك حتى آخر أيامه.
كانت أسرة الشملان المعروفة في الكويت والبحرين قد حصلت على وصية من عمه بتسليم سلاح الأسرة للشيخ عيسى آل خليفة أمير البحرين آنذاك وقد تقرر أن يحضرها الكابتن حسام للقصر في رمزية لانتهاء عصر من التوتر الداخلي وبداية عصر من التفاهم والتقبل والسلام، فكان الكابتن رحمه الله من سلم السلاح في صندوقه وقد بثت القنوات المحلية مراسم العملية وكان أن عاد الكابتن محملاً بالود بعد أن وضع بصمة السلام في البحرين.
كان للراحل علاقة مميزة بالشاعر الكبير نزار قباني، وكان قد استقبله على إثر زيارته للكويت حيث يقام معرض الكتاب في نوفمبر من العام 1981، وبعد أن عاد لبيروت أرسل له رسالة لطيفة يشكره على حسن الضيافة ويصف روعة القريدس الذي أعدته حرم الكابتن، ويقول فيها «عدنا إلى قواعدنا في بيروت، حيث أكوام الزبالة و أخبار الرعب» ويضيف فيها «آه.. ما أجمل السلام في الكويت.. ما أروع أن يتمشى الإنسان على شاطئ البحر وهو يحس بطمأنينة الأطفال».
في رحلة أخرى، في زمن لم يحو أي أدوات حديثة للبحث، فقد علم الكابتن من بحثه وسعة اطلاعه وشغفه بالطبيعة، أنه وفي رحلته من الكويت إلى طوكيو قائداً للطائرة التي حملت صاحب السمو الراحل الشيخ جابر الأحمد في رحلته إلى اليابان، علم أن خط سير الرحلة سيمر على ظاهرة الشفق القطبي التي تحدث عادة في الشمال بألوانها الخضراء وتموجاتها الكهرومغناطيسية الأنيقة، وقد كان أن عرض على سمو الأمير الراحل أن يصحو باكراً لكي يراها.
بعد إلحاح منا على الكابتن أن يشرع في كتابة مذكراته، كتب مقدمة لمذكراته التي لم تر النور وحال القدر دون أن يستكمل ذلك، وقد خلف لنا مقدمة رائعة حوت أبرز ما كان يشغله وهمه النبيل الأول فيقول:
«أخذت عن أساتذتي الطيارين الانكليز الذين دربونا على قيادة طائرات الركاب عندما التحقنا بالخطوط الجوية الكويتية عادة الاستماع إلى نشرة الأخبار في بي بي سي التي تبث على الترددات العالية ونحن نحلق على هذه الارتفاعات الشاهقة في رحلاتنا بين مطار وآخر، كنت استمع لنشرات أخبار بي بي سي التي تذاع على رأس الساعة ويكون فيها أنباء عن تطورات خلافات سياسية بعضها عن خلافات حدودية، كلما استمعت لهكذا أنباء وفي لحظات كثيرة أخرى كنت أنظر إلى سطح الأرض من ارتفاع ثلاثين ألف قدم ولم ألحظ يوماً حدوداً مرسومة بين الدول على كوكبنا الجميل، هذا التناقض ما بين ما صنعته الطبيعة من تناغم يسر الناظرين وما وصل إليه الانسان من أنانية وعنصرية وتخندق كان يدفعني للشعور بإنسانيتي العابرة للحدود الجغرافية المصطنعة قومياً أو إثنياً أو دينياً، هذا ما كان يحدث في الرحلات النهارية، أما في الليالي الطويلة عندما كنت أحلق لساعات في سماء المحيط الأطلسي بين نيويورك ولندن وفي سماء المحيط الهندي وأنا في رحلة من الكويت إلى بانكوك فإن شطحاتي الفلسفية كانت تسبح بعيداً بهذا الكون الشاسع الذي نعيش فيه من خلال تأملي لملايين النجوم والكواكب الرئيسة في مجموعة شمسنا.. النجم الأقرب لكوكبنا الجميل».
حمل الكابتن في قلبه سلاماً وفي محياه ترحيباً وفي عقله علماً واطلاعاً وفي تصرفاته نبلاً وفي رفقته سعة من المتعة والانسجام وحب الطبيعة والحياة، وقد فارق دنيانا وقد كان السلام أبرز ما طوق به حياته وأنبل ما يمكن أن يتمنى المرء ما يتمناه للعالم لا لنفسه وقد كان كذلك.
رحم الله الكابتن حسام عبداللطيف الشملان، وألهم أهله وذويه وأصحابه ومحبيه الصبر والسلوان.