دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى «صدمة تمويل عام» لمواجهة الفقر واحترار المناخ، أمام نحو 40 رئيس دولة وحكومة مجتمعين في باريس، في محاولة إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي، وذلك وسط مناشدات من دول الشمال والجنوب لتقديم تريليونات الدولارات حتى تتمكن البشرية من مواجهة أزمة احترار المناخ والخروج من الفقر.
وقال ماكرون خلال افتتاح قمة «من أجل ميثاق مالي عالمي جديد»، بحضور ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن الدول «لا ينبغي أن توضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ»، مضيفاً «علينا أن نحدث صدمة تمويل عام ونحتاج إلى المزيد من التمويل الخاص».
وأشار إلى أنه من دون «تغيير النظام برمته، يمكننا أن نجعله يعمل بشكل أفضل بكثير إذا وظّفت هذه الأموال وهذه السيولة في خدمة تقدم الكوكب وهذا التحدي المزدوج الذي ذكرته، الفقر والمناخ، والتنوع البيولوجي».
وأكد الرئيس الفرنسي أمام رؤساء الدول والحكومات وبينهم عدد من الأفارقة، «هذه القمة هي قمتكم، أنتم الذين تقفون على خط المواجهة» في مكافحة تغير المناخ وتزايد الفقر وعدم المساواة.
وتعهد أن يكون «هذا الاتفاق المالي الجديد أكثر احتراماً لسيادة» كل الدول.
وإن كان من المستبعد أن تفضي محادثات قصر برونيار في وسط باريس، إلى قرارات ملموسة، إلا أنها تستفيد من ثقل الضيوف المشاركين، للاتفاق على «خريطة طريق» لمدة 18 إلى 24 شهراً المقبلة، مع توحيد الجهود العالمية طوال عام 2023 في شأن التمويل، وذلك في قمة قادةِ مجموعةِ العشرين في الهند.
كما من شأن القمة تمهيد الطريق لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ «كوب 28» في ما يتعلق بملف التمويل.
ويشارك في القمة، أيضاً، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا والمستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ ووزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.
وقد تحادث محمد بن سلمان على هامش القمة مع غوتيريش والعديد من القادة المشاركين في القمة.
وجدّد الأمين العام، أمام القمة، دعواته إلى التغيير، قائلاً إن «الهيكلية المالية الدولية فشلت».
وقال إن النظام المالي العالمي الحالي، الذي يُدير أصولاً مالية بنحوِ 300 تريليون دولار، «غيرُ مناسب»، وأن الأزمات المتعددة الحاليةَ تُفاقِمُ الصدمات التي تُعانيها الدول النامية.
وأضاف أن القواعد التي تخصص بموجبها الأموال من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي «أصبحت غير أخلاقية للغاية» و«الجمود ليس خياراً».
من جانبها، قالت يلين، إن واشنطن «ستضغط» من أجل أن يشارك دائنو الدول الفقيرة والنامية في مفاوضات لإعادة هيكلة ديونها.
ويشارك أيضاً في القمة نحو 20 زعيماً أفريقياً، رفع العديد منهم الصوت أخيراً ضد الدول الغنية التي تضخ المليارات لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، إضافة إلى رؤساءِ بنوك التنمية متعددة الطرف، و120 منظمة غير حكومية، و70 شريكاً من القطاع الخاص، و40 منظمة دولية.
وستتناول القمةُ، 5 ملفات رئيسية، هي: إصلاح بنوك التنمية متعددة الطرف؛ حل أزمة الديون في الدول النامية؛ تمويل التكنولوجيات الخضراء والتنمية المستدامة؛ إنشاءُ ضرائبَ دوليةٍ جديدةٍ وأدواتِ تمويلٍ مُبتَكَر؛ ودعم القطاع الخاص للمشاركة في التنمية في الدول منخفضة الدخل.
«الوعود الكاذبة تُكلّف أرواحاً»
كذلك، دعت إلى «التخلص بطريقة عادلة من الوقود الأحفوري» منتقدة بشكل مباشر أرباح شركات النفط الغربية. وقالت «الوعود الكاذبة تكلف أرواحاً».
تجديد الهيكل المالي الدولي
نشأت فكرة قمة «من أجل ميثاق مالي عالمي جديد» في نوفمبر خلال مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب27) في مصر، عقب الخطة التي قدمتها رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي. فقد أعادت إحياء الأمل في إحراز تقدم في شأن هذه المسألة التي باتت عقبة بوجه مفاوضات المناخ بين الدول الفقيرة والدول الغنية المسبب الرئيسي لانبعاثات غازات الدفيئة.
ودعت موتلي التي حضّت على إعادة توجيه التمويل الدولي نحو قضايا المناخ، أمس، إلى «تحول مطلق» في النظام المالي وليس فقط «إصلاح مؤسساتنا».
وأضافت «نأتي إلى باريس اليوم بقلب حزين لكن بأمل».
من جهتها، قالت إستير دوفلو، الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد لـ «فرانس برس»، «تفرض كلفة باهظة على أفقر البلدان من خلال الطريقة التي نقرر أن نعيش بها اليوم».
والهدف من القمة، تجديد الهيكل المالي الدولي المنبثق عن اتفاقات «بريتون وودز» في العام 1944 مع إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإرساء أرضية لنظام ماليّ جديد، يكون أكثر عدلاً وأكثر تضامناً، لمواجهة التحدياتِ العالمية المشتركة.
وتؤكد الدول النامية أن الحصول على تمويل من المؤسستين صعب، في حين أن حاجاتها هائلة لمواجهة موجات الحر والجفاف والفيضانات، وأيضا للخروج من الفقر مع التخلص من الوقود الأحفوري والحفاظ على الطبيعة.
ومن أجل تحقيق ذلك، سيتعين على الدول النامية باستثناء الصين إنفاق 2400 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2030، وفق تقديرات مجموعة من الخبراء تحت رعاية الأمم المتحدة، وكذلك زيادة إنفاقها على الوقود غير الأحفوري من 260 ملياراً إلى نحو 1.9 تريليون دولار سنوياً على مدى العقد، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
ضرائب على النقل البحري
ومن بين الطروحات العديدة التي تُناقش، تكتسب فكرة فرض ضريبة دولية على انبعاثات الكربون من النقل البحري زخماً.
ويتحدّث قادة العالم عن ضرائب أخرى، ولكن أيضاً عن إصلاحات مؤسسية وإعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة وتعزيز دور القطاع الخاص...
وتدعم موتلي بقوة فكرة تعليق سداد الديون في حال حدوث كارثة طبيعية.
فالأعاصير «لا تفرّق» بين الدول الغنية والفقيرة، لكنها قد «تتسبب في خسارة سنوات من التنمية» وفق ما ذكر فاتومانافا باولولي لوتيرو، رئيس تحالف الدول الجزرية الصغيرة، «رأس الحربة» في هذه المعركة من أجل تمويل جديد.
وستوضع الدول الغنية في مواجهة وعدها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة في مواجهة احترار المناخ. وهو وعد يفترض أن يتم الوفاء به هذا العام، بعد ثلاث سنوات من التأخير، وهو ما أدى إلى تراجع عميق في الثقة بين الشمال والجنوب.
وأشار هارجيت سينغ، من «كلايمت أكشن نتوورك»، إلى أن هذا المبلغ يبدو سخيفاً، لكن «التمويل العام هو البذرة التي ستثمر تريليونات».
وستُدعى مصارف التنمية متعددة الطرف أيضاً إلى تقديم المزيد من القروض، بعد أشهر قليلة من إعلان البنك الدولي تقديم 50 مليار دولار على مدى عشر سنوات.
وأعلن الرئيس الجديد للبنك الدولي أجاي باغا أن البنك سيوسّع «مجموعة الأدوات» الخاصة بالمساعدات الدولية وسيقترح أدوات جديدة.