تعرضت أحياء في جنوب العاصمة السودانية، أمس، لقصف جوي أدى الى سقوط عشرات الضحايا، بين قتيل وجريح، مع تواصل المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت تدفع أعمال العنف في دارفور المئات لعبور الحدود نحو تشاد.
منذ 15 أبريل الماضي، تشهد الخرطوم ومناطق سودانية عدة معارك بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوّات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ «حميدتي»، فشلت معها كل مساعي الحلّ والغالبية العظمى من اتفاقات وقف إطلاق النار.
وزاد النزاع من حدة الأزمات التي يعانيها السودان، إحدى أكثر دول العالم فقراً حتى قبل المعارك، وأثّر على مجمل مناحي الحياة لسكانه الذين يقدّر عددهم بأكثر من 45 مليون نسمة.
وأمس، أفادت «لجان المقاومة»، وهي مجموعات شعبية تنشط في تقديم الدعم منذ بدء النزاع، عن تعرض أحياء في جنوب الخرطوم، منها مايو واليرموك لقصف بالطيران التابع للجيش.
وأعلنت اللجان في بيان «وفاة 17 ضحية من المدنيين من بينهم خمسة أطفال» وونساء ومسنين، و«تدمير 25 منزلاً».
واتهمت قوات الدعم في بيان، الجيش بمهاجمة «عدد من الأحياء السكنية» في جنوب العاصمة بالطيران، ما أدى الى «مقتل وإصابة العشرات».
ونشرت عبر «تويتر» شريط فيديو، ذكرت أنه لآثار القصف، ظهر فيه عشرات الأشخاص متجمعين قرب ركام منازل من الطوب مدمّر بشكل شبه كامل.
وقام عدد منهم بحمل جثة مغطاة ووضعوها قرب جثث أخرى مرصوفة أرضا ومغطاة ببطانيات.
ووقفت بجانبها نسوة ينتحبن.
وأعلنت قوات الدعم أمس، أنها أسقطت طائرة حربية تابعة للجيش. لكن مصدراً عسكرياً قال لـ «فرانس برس» إن المقاتلة سقطت بسبب «عطل فني».
«الذخيرة» هي الوساطة
وأكد شهود في الخرطوم تزايد حدة القصف الجوي في اليومين الماضيين.
وكانت ضاحية أم درمان شمال العاصمة، تعرضت الجمعة لقصف جوي استهدف خصوصاً حي بيت المال.
وتحدثت «لجان المقاومة» عن سقوط ثلاثة قتلى وتضرر منازل، بينما اتهمت قوات الدعم، الجيش باستخدام الطيران لقصف «عدد من الأحياء المأهولة بالسكان»، منها بيت المال حيث قتل «أكثر من 20 مدنياً».
ومنذ بدء المعارك، لم يحقق أي من الطرفين تقدماً ميدانياً ملحوظاً على حساب الآخر في الخرطوم.
وتختلف التكتيكات العسكرية للطرفين، اذ يعتمد الجيش على الطيران والمدفعية والمدرعات، بينما ترتكز عمليات الدعم السريع على تحرك الأفراد المسلحين والعربات المزودة برشاشات ثقيلة.
وأكد نائب القائد العام للجيش ياسر العطا نية القوات المسلحة استهداف قوات الدعم حتى في مناطق مأهولة.
وأثناء تفقده مجموعة من الجنود، دعا العطا المدنيين الى الابتعاد «عن جدار المنزل حيث هم (عناصر الدعم السريع) موجودون... لأننا سنهاجمهم في كل حتّة (مكان)»، وذلك وفق شريط مصوّر نشرته صفحة القوات المسلحة على «فيسبوك».
وأضاف «الوساطة بيننا وبين هؤلاء المتمردين هي الذخيرة»، وذلك في إشارة ضمنية الى وساطات عدة بين الطرفين لم تفلح أي منها في التهدئة.
ودارت أمس، «اشتباكات بكل أنواع الأسلحة» في جنوب العاصمة، بينما سجّل «قصف صاروخي وبالمدفعية الثقيلة» مصدره أم درمان في شمالها، وفق شهود.
ومنذ أكثر من شهرين، تتواصل أعمال العنف بشكل شبه يومي في الخرطوم التي كان عدد سكانها يتجاوز خمسة ملايين نسمة، إلا أن مئات الآلاف غادروها منذ بدء النزاع، في ظل نقص المواد الغذائية وتراجع الخدمات الأساسية خصوصا الكهرباء والعناية الصحية.
وتسبب النزاع بمقتل أكثر من 2000 شخص، وفق آخر أرقام مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح (أكليد).
إلا أن الأعداد الفعليّة قد تكون أعلى بكثير، حسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
كذلك، تسببت المعارك بنزوح أكثر من 2.2 مليون شخص، لجأ أكثر من 528 ألفاً منهم الى دول الجوار، وفق أحدث بيانات المنظمة الدولية للهجرة.
جرحى إلى تشاد
وعبر أكثر من 149 ألف شخص نحو تشاد الحدودية مع إقليم دارفور، حيث تتخوف الأمم المتحدة من وقوع انتهاكات قد ترقى الى «جرائم ضد الإنسانية»، خصوصاً في مدينة الجنينة مركز ولاية غرب دارفور، إحدى الولايات الخمس للإقليم.
وأشارت منظمة «أطباء بلا حدود» الى أن نحو ستة آلاف شخص فرّوا من الجنينة خلال الأيام القليلة الماضية فقط، مع «تصاعد أعمال العنف» في دارفور.
وأوضحت في بيان امس، أن «ما لا يقل عن 622 جريحاً» أدخلوا مستشفى مدينة أدري التشادية الحدودية مع السودان «على مدى الأيام الثلاثة الماضية».
وأشارت الى أن 430 من هؤلاء يحتاجون الى «عناية جراحية»، وأن غالبية الإصابات كانت «جراء إطلاق النار».
وقال منسّق المنظمة في أدري سيبو درايا، «الوضع صراحة يفوق طاقتنا لكن الجميع يقوم بأقصى ما يمكن للتأقلم».
وتثير الأوضاع في دارفور قلقاً متزايداً، اذ حذّرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، من أن ما يشهده الإقليم قد يرقى الى «جرائم ضد الإنسانية».
وعانى الإقليم منذ بداية الألفية الثالثة وعلى مدى عقدين، من نزاع أودى بـ300 ألف شخص وهجّر أكثر من 2.5 مليون، وفق الأمم المتحدة.