بري المهجوس بإيصال فرنجية أخطأ في قراءة المتغيرات
.. جنبلاط «التسْووي» لم يُساوِمْ وتيمور قال كلمتَه ومشى
بيروت – «الراي»
12 يونيو 2023
12:02 م
حتى اللحظات الأخيرة التي سبقتْ إعلانَ كتلة «اللقاء الديموقراطي» التي يترأسها النائب تيمور جنبلاط تسمية الوزير السابق جهاد أزعور كمرشح لرئاسة الجمهورية، كانت قوى على إتصال بـ «الثنائي الشيعي» (حزب الله والرئيس نبيه بري) تراهن على أن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط سيتراجع عن هذه التسمية، أو سيلتزم بالورقة البيضاء أو بالحدّ الأدنى لا يعلن موقفاً حتى موعد الجلسة التي حُددت لانتخاب رئيسٍ بعد غد الأربعاء. كان من الصعب على بعض اللصيقين بمحور «الثنائي» الإقتناع بأن الرئيس بري لم يستطع أن يمون على حليفه التاريخي، أو أن النائب تيمور جنبلاط سيقول كلمته ويَمْشي. كان رهان هؤلاء أن جنبلاط الأب ورغم تقديمه إستقالته من رئاسة «التقدمي» تبقى له الكلمة الفصل وأن نجله تيمور ما زال تحت جناح والده الحريص على عدم فسخ الشراكة مع بري أو إستفزاز «حزب الله». لكن بقدر ما أخطأ بري في إحتسابه أصوات اللقاء الديموقراطي بيضاء، كان الخطأ الإستراتيجي في عدم تقبّل المتغيّرات في الساحة الدرزية منذ عام 2005 وصولاً حتى 7 مايو 2008 وتظاهرات 17 أكتوبر 2019. ولا يُفترض في هذا السياق القفز فوق نتائج الإنتخابات النيابية التي كرّست الإجماعَ الدرزي حول عائلة جنبلاط والحزب الإشتراكي وأطاحت بالثنائية أو الثلاثية الدرزية. وقد خَرَجَ جنبلاط من الإنتخابات والدروز خلفه، لكن الزعيم الذي أَلْبَسَ عباءة العائلة لإبنه تيمور عام 2017 في ذكرى إغتيال والده كمال جنبلاط، أراد من الإنتخابات النيابية تعبيدَ الطريق أمام مرحلة جديدة في «التقدمي». في أواخر مايو الفائت أعلن جنبلاط تنحّيه عن رئاسة الحزب الإشتراكي، ودعا إلى مؤتمر عام للحزب يُعقد في 25 يونيو فاتحاً الباب أمام جيلٍ جديد من القيادات الحزبية، وعلى رأسها نجله النائب الذي ييلغ 41 عاماً والذي بدأ يمارس السياسة في ظل والده الذي بلغ 74 عاماً والذي يوحي بأنه يتقاعد من العمل السياسي من دون أن يترك الزعامةَ والساحةَ كلياً. ورغم أن جنبلاط - الأب دَخَلَ معتركَ السياسة وهو غير متمرّس فيها، فإن تيمور الذي خاض الإنتخابات النيابية مرّتيْن، بدأ يفرض إيقاعَه تدريجاً ولكن من دون خضات وتغييرات جذرية. ولذا ظلّ الحرسُ القديم والمخضرم إلى جانبه، على الأرض وفي الإنتخابات وإدارة شؤون القاعدة التي تُواليه. وإلى هذه القاعدة إحتكم جنبلاط – الإبن يوم قرّر عدم السير بمرشح التسوية. قد يُثقل كاهل تيمور جنبلاط بتحميله وحده مسؤولية الخيار الأخير بعدم القبول بتسوية فرنجية. فوالده كان أول مَن بادر إلى طرح ثلاثة أسماء توفيقية، هي الوزيران السابقان صلاح حنين وجهاد أزعور وقائد الجيش العماد جوزف عون، ولاحقاً وسّع دائرةَ الإقتراحات لتشمل مي الريحاني وتريسي شمعون وشبلي الملاط. وزار جنبلاط الأب باريس رافضاً تسوية فرنجية، وكان أعلن بوضوح عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشونال (LBCI) ان «كتلة اللقاء الديموقراطي قالت لا لمرشّح تحدٍّ، ونحن سرْنا بخيار النائب ميشال معوض وطرحْنا مبدأ التسوية لكن على ما يبدو أن هذا المبدأ غير مرحَّب به لدى بعض القادة الكبار». مع وصول ترشيح معوض إلى أفق مسدود، باشرتْ المعارضة البحثَ عن بدائل، فلجأت إلى لائحة جنبلاط، وكان إسم أزعور الأكثر تداولاً. ومع تقدُّم الحوارات بين أركان المعارضة و«التيار الوطني الحر»، شكّك بعض قادة المعارضة في أن جنبلاط قد يعدّل رأيه وأن موقف «حزب الله» من أزعور وإعتباره مرشح تحدّ ربما يترك تأثيراً على زعيم المختارة فيلجأ إلى خيار الأوراق البيض. لكن النقاشات المفتوحة والتي كان تيمور جنبلاط جزءاً أساسياً منها إنحازت إلى إستبعاد التصويت بورقة بيضاء. ورغم ان الساعات التي سبقت إجتماع اللقاء الديموقراطي شهدت تكثيفاً للإتصالات ومناقشاتٍ حملت تساؤلات حول كيفية تقبُّل «الثنائي» لموقف الإشتراكي، سادت توقعات بأن بري تمكّن من جذْب جنبلاط إلى مربّعٍ حيادي. إلا ان اللقاء الديموقراطي، وصل إلى الحد الذي حتّم عليه الخروج بقرارٍ يلاقي فيه المعارضة و«التيار» بعد إنجاز الإتفاق الذي أعلنه «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» ومن ثم معوّض بنفسه مع نواب تغييريين. ورغم ان أحداً لم يتوقّع ان ينقلب جنبلاط - الأب على رفْضه المطلق لخيار فرنجية، إلا ان هاجسَ الورقة البيضاء ظل متحكماً بحلفائه في المعارضة خشية اللحظات الأخيرة التي تدفع جنبلاط إلى مغامرة مجهولة. وحينها كان الرهان على أن تيمور جنبلاط سيكون مؤثّراً في خيار اللقاء الديموقراطي. وثمة مَن يرى أن حنكة بري لم تمنع من أن يفوته أن جنبلاط وبقدر حساسيته المطلقة منذ 7 مايو 2008 (العملية العسكرية لحزب الله في بيروت ومحاولة اقتحام الجبل) إلا أن هاجس الإستقرار في الجبل منذ المصالحة مع بكركي والقوى المسيحية في 2001، يوازي في أهميته حرصه على علاقة متوازنة مع «الثنائي». ولا يمكن وفق ذلك لجنبلاط الخروج من إجماع مسيحي على مرشح واحد، ولا سيما ان القوى الثلاث التي نالت بَرَكة بكركي لها وجود وازن في الشوف وعاليه على عكس تيار «المردة». وإذا كان من الطبيعي ان يفضّل جنبلاط التوافق مع «الثنائي»، لكن ذهاب بري و«حزب الله» إلى فرنجية مرشّحاً بلا أي أفق ساهَمَ في تعديل مزاج الإشتراكي وقراره. من المؤكد ان خطوة اللقاء الديموقراطي أساسية قبل مؤتمر الحزب العام في 25 يونيو، لأنها سترسم حداً فاصلاً بين مرحلتين: الأولى لجنبلاط الذي يسلّم نجله زعامة الحزب ويشاركه القرار السياسي، وبين مرحلة نضوج الإبن سياسياً بعد مرحلة وصاية الأب سياسياً. والتحدّي الآن، ان تتلقف القوى السياسية الأخرى أن هناك قيادياً جديداً في الحزب الإشتراكي ومُشارِكاً في قراره، وله نظرة مختلفة جداً عن نظرة التسويات التي قامت عليها سياسة وليد جنبلاط حتى الآن والتي انطبعتْ بوجودِ هاجسٍ لدى الجميع من إنقلابٍ في الموقف أو التموْضع باللحظات الأخيرة. ويبقى أن لموعد جلسة الإنتخاب بعد غد الأربعاء وما سيسبقها ويليها، أهمية قصوى لدى الإشتراكي لجهة قدرته على عزل نفسه عن إرتدادات محتملة ستصيب المعارضة مع جلاء غبار معركة 14 يونيو، أو سيكون معها في السراء والضراء.