غالبية المعارضة أعلنت دعْم ترشيح أزعور بعد تأييد «مدوْزن» من باسيل

لبنان: «قنابل مضيئة» فوق الجلسة الانتخابية الموعودة والأفق الرئاسي قاتم

4 يونيو 2023 10:00 م

- نصرالله استقبل موفداً من البطريرك الراعي في إطار حوار حول الرئاسة
- «الحرب النفسية» على أزعور تشتدّ وتحذيره من فخّ لـ «حرْقه» من داعميه

مع تَحَوُّل دَعْمِ غالبية قوى المعارضة ترشيح الوزير الأسبق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية أمراً واقعاً أمس «بالصوت والصورة»، ينتقل الملفُ الرئاسي من ضفةِ مناوراتِ تحت الطاولة إلى مرحلةِ «اللعب فوقها» على قاعدة هل تبقى دفّة التحكّم بالأزرار - المفاتيح لهذا الاستحقاق في يد فريق الممانعة (بقيادة حزب الله) أم ينجح خصومه من خلال «التقاطع الاضطراري» الذي جَمَعَ بينهم وبين «التيار الوطني الحر» في تكريس «توازن ردع» سياسي – ميثاقي - نيابي بوجه زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي كان حتى الأمس القريب يتقدّم السِباق بوصْفه «الحلّ الممكن» الذي تُسَوِّق له خارجياً القاطرة الفرنسية.

وفي حين كانت الأحزاب المسيحية المُعارِضة ونواب مستقلون وتغييريون يعلنون أمس من دارة النائب ميشال معوض، وبلسان الأخير (كان مرشح المعارضة في جولات الـ لا انتخاب الـ 11 الماضية) تأييد أزعور كمرشّح رئاسي، بدا أن هذا التطور معطوفاً على ما اعتُبر «جرعة كافية» من الدعم لوزير المال السابق أعطاها رئيس «التيار الحر» جبران باسيل ليل السبت سيشكّل معطى جديداً في المكاسرة الرئاسية يسمح أقله بإنهاء انقطاع رئيس البرلمان نبيه بري عن الدعوة لجلسات انتخابٍ منذ ديسمبر الماضي بحجّة أن المجتمعين على رفض خيار فرنجية «وبعضهم يفرّقهم كل شيء آخر» لا يملكون مرشحاً آخر جدياً ولا هم قادرون على التوافق على تحويل الـ لا لزعيمِ المردة إلى نعم على بديلٍ مشترك.

وشخصت الأنظار أمس إلى 3 محاور رئاسية:

- الأول لقاء أحزاب المعارضة مع نواب مستقلّين وتغييريين مساء لإعلان تبني أزعور بتنسيق تام مع معوّض الذي سلّم «العصا» -في ما يبدو سباق بدَل رئاسي (في مقلب المعارضة) - إلى أزعور الذي دعمتْه هذه القوى بوصْفه مرشحاً وسطياً وحيادياً وخطوة تراجُعية نحو مساحةٍ أريد أن تكون جاذبة لأطراف لم يكن ممكناً «سحْبها» من خندق «الرفْضية» المطلقة لأي خيار ينطلق من مربّع الأحزاب، كما لـ «التقاط» باسيل الذي «قَفَزَ من مركب» حزب الله رئاسياً بعدما شكّل تمسُّك الأخير وبري بفرنجية وعدم مراعاة اعتراض رئيس التيار الحر الحاسم عليه النقطةَ التي أطفحت كأس خلافاتٍ تمحورتْ بالدرجة الأولى حول رفْض باسيل أن يكون في المرتبة الثالثة في أجندة أولويات حزب الله بعد وحدة البيت الشيعي والموضوع السني - الشيعي.

وكان محسوماً قبيل اجتماع المعارضة أن أزعور صار مدعوماً من كتلة «القوات اللبنانية» (18 نائباً من أصل 19 بعدما رفض رئيس «الأحرار» كميل دوري شمعون دعمه) و«الكتائب» (4 نواب) و«تجدد» (4 نواب) ومستقلون وتغييريون (كان 3 منهم من أصل 13 أكدوا تأييد أزعور وهم مارك ضو، وضاح الصادق وميشال دويهي ولم يحسم 8 موقفهم مع عدم استبعاد ان تلتحق غالبيتهم بقطار دعمه على قاعدة «أهون الشرّيْن» ورفض صريح من نجاة عون صليبا وحليمة قعقور).

ويبقى من المعارضة كتلة النائب تيمور وليد جنبلاط (7 نواب) التي تميل لتأييد أزعور، وقد تعلن موقفاً في هذا الاتجاه بعد اجتماعها الدوري غداً وربما يكون مشوباً بصياغةٍ تؤيّد المبدأ وترهن ترجمته بضرورة أن يكون الاسم قابلاً للعبور إلى قصر بعبدا، من ضمن قناعة عميقة يعتنقها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وتقوم على الموازنة بين مراعاة العامل الميثاقي المسيحي في اختيار الرئيس كونه الوازن في الـ نعم، وفي الوقت نفسه ضمان ميثاقية شيعية تنطلق من الوهج الذي يستحيل القفز فوقه لأي لا لحزب الله وبري، وتالياً ضرورة الأخذ بهواجسهما.

أما النواب السنّة في المعارضة من قدامى «تيار المستقبل» او القريبون من جو ما كان يُعرف بـ 14 مارس، فلم يكن ممكناً الجزم إذا كانوا سينضمّون في توقيتٍ ما إلى تأييد أزعور أم يبقون على تفضيل المرشح التوافقي حتى في منطلق تسميته.

- المحور الثاني، الموقف الذي أعلنه باسيل مساء السبت وأكد فيه أنه «صار معروفاً أنّنا تقاطعنا مع كتل نيابية أخرى على اسم جهاد أزعور من بين أسماء أخرى مناسبة وغير مستفزّة وهذا التقاطع هو تطوّر مهم وإيجابي كي لا نُتهم بتعطيل الانتخاب»، مع إشارته إلى «أننا أعطينا موافقتنا على عدد من الأسماء وهم اختاروا واحداً منها وفي رأينا أنّه يجب التقاطع على أكثر من اسم لمزيد من المرونة لأنّ المطلوب أيضاً التوافق مع الفريق الآخَر من دون تحدّيه، كما أن هناك محاذير لطرح غالبية المسيحيين اسماً واحداً ويتم رفْضه»، معلناً «نريد رئيساً لا أحد يفرضه علينا ولكن نحن أيضاً لا نفرضه على أحد وهذه هي المعادلة الممكنة اليوم أي أن تَقاطُع اللبنانيين وتَوافقهم على الرئيس والبرنامج هو الحل».

ورغم اعتبار البعض أن موقف باسيل جاء حمّال أوجه و«مزروعاً» بالتباسٍ متعمّد ولا سيما في إشارته إلى أن التقاطع مع المعارضة على ترشيح أزعور لا يكفي لأن المطلوب مقاربة آلية الانتخاب وبرنامج العهد إلى جانب التوافق مع الفريق الآخَر، فإن أوساطاً سياسية تعاطتْ مع ما أعلنه رئيس «التيار الحر» على أنه موقف مدوْزن أراد منه إعطاء المعارضة ما تحتاج إليه لإحداث «توازن متوازن» (في السلبية) مع خيار فرنجية وفي الوقت نفسه محاولة «تجميل» شراكته في تعديل الموازين خلافاً لإرادة «حزب الله» وتفادي تصوير دعم أزعور على أنه«إعلان مواجهة»، بل قد يكون «طلقة تحذيرية» ربْطاً بجولات أخرى في الملف الرئاسي الذي يزداد الاقتناع بأنه ذاهب نحو سقوط خياريْ أزعور وفرنجية في نهاية المطاف.

وكان لافتاً أن باسيل في موقفه وجّه كلاماً مستفيضاً للتيار الحر ومناصريه غمز فيه من المعترضين على السير بأزعور، مؤكداً أنه حين يصدر القرار على الجميع الالتزام وإلا لهم«حرية المغادرة».

- أما المحور الثالث فهو كيف سيتصرف بري بإزاء المعطى الجديد، هو الذي كانت مصادره أكدت نهاراً «أن على المعارضة الإعلان عن ترشيح أزعور وإصدار موقف واضح بهذا الخصوص بحيث عندما يفعلون هذا يتم التصرف في ضوئه» وسط معلومات لم تستبعد أن يوجّه الدعوة لجلسة الانتخاب الرقم 12 يوم الخميس.

وفي هذا الإطار، لم يكن ممكناً استكشاف مآلات مثل هذه الجلسة التي لن تشبه بالتأكيد سابقاتها، وسط معطيات بأن أزعور ينطلق في«داتا الأصوات»من رقم أعلى من الذي يقلع به فرنجية (50 مقابل 45) من دون احتساب اتصالات الساعات الأخيرة وإمكانات جذْب المترددين.

وفي حين تتقاطع المعطيات عند أن الجلسة الانتخابية سواء كانت الخميس أو في موعد آخِر لن تحمل انتخاب رئيس، فإنها ستشكّل بالتأكيد «قنبلة مضيئة» تُرمى فوق «الجبهتين» المتقابلتيْن لاستكشاف الأحجام والأوزان والأرقام، من دون إسقاط إمكان أن يبقى للورقة البيضاء حضورها بحال اختار فريق الممانعة «الاختباء وراءها» مجدداً، أولاً لتأكيد أنه ما زال على دعوته للتوافق ولو على فرنجية، وثانياً بما يتيح توفير«خيْمة» تجْمع داعمي فرنجية مع المتردّدين في دعم أزعور أو المتريّثين، بما يضمن «score أبيض» أعلى من الذي سيناله أزعور في الدورة الأولى.

وفي هذا الإطار، تستبعد السيناريوهات التي تُرسم لأي جلسة انتخاب مرتقبة أن ينال فيها فرنجية أو أزعور 65 صوتاً في الدورة الأولى (يحتاج فيها أي اسم لـ 86 صوتاً من 128 للفوز بالرئاسة مقابل 65 في الدورة الثانية وما بعد)، مع ترجيحاتٍ واقعية بأن نصاب الجلسة لن يبقى للدورة الثانية وقد يطيح بها إما المعارضون أو الممانعة بحال استشعر أي منهما بأن مرشحه قريب من خطّ الـ 65.

وفي موازاة ذلك، فإن الساعات المقبلة ستزخر بالمشاورات، وبعضها كان محوره البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي عُلم أنه التقى بعد عودته من فرنسا سليمان فرنجية، وسط تقارير كشفت أن الراعي أبلغه أن الأحزاب المسيحية الكبرى توافقت على ترشيح أزعور وأن بكركي التي لا تفضّل مرشحاً على آخر لن تقف في مواجهة الكتل المسيحية الكبرى.

وإذ تحدثت معلومات عن أن الراعي التقى أيضاً باسيل، أوردت قناة «الجديد» انّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله استقبل بولس عبدالساتر موفداً من الراعي، وأنّ المطران أبلغه ما سمعه البطريرك عن ضرورة التحاور مع القوى غير المسيحية وحزب الله تحديداً لانتخاب رئيس لكل لبنان.

وفيما يستكمل عبدالساتر اليوم جولته على القوى السياسية، وبينها بري، استوقف أوساطاً سياسية أنه بعد ما اعتُبر رسالة ترهيب«ولو لساعات»لأزعور شكّلتْها الصورة التي نُشرت في صحيفة قريبة من«حزب الله» وجمعتْ أزعور مع الوزير السابق محمد شطح (اغتيل في 2013)، فإن «الحرب النفسية» على مرشحِ تَقاطُع المعارضة - التيار بلغت محاولةَ الممانعة دق ما اعتبره خصومها اسفيناً بين أزعور وداعميه وفق ما عبّر عنه ما كُشف عن مضمون الاتصال الذي جمع الأخير بالمعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل.

وبحسب ما نُشر عن الاتصال فقد كان خليل صريحاً في توصيف ما يجري على خط المعارضة وباسيل، داعياً ازعور إلى الانتباه لِما يجري ولا سيما أن هناك عملاً يقوم به التيار الوطني الحر وليست القوات بعيدة عنه، ويهدف إلى حرق اسمه والضغط على الثنائي للتراجع عن ترشيح فرنجية من أجل الوصول الى مرشح ثالث يفاوض عليه باسيل، حزب الله، فيما نية القوات زيادة الشرخ بين الحزب ورئيس التيار.

وكان الراعي تناول الملف الرئاسي في عظة الأحد، مباركاً كل خطوة في اتجاه«التفاهم والتوافق على انتخاب رئيس يحتاجه لبنان في الظروف الراهنة» وذلك «بعيداً عن المقولة البغيضة - غالب ومغلوب - بين أشخاص أو بين مكوّنات البلاد. فهذا أمرٌ يؤدّي إلى شرخ خطير في حياة الوطن، فيما المطلوب وحدة لبنان وشعبه وخيرهما».