مشاهدات

فزت ورب الكعبة

13 أبريل 2023 06:00 م

في رحاب شهر رمضان المبارك، شهر التّوبة إلى الله تعالى، شهر الوحدة بين المسلمين جميعاً، والشّهر الزّاخر بالمناسبات الدّينيّة العظيمة، ومنها شهادة أسد الله الغالب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، وتجتمع فيه الخصال الحسنة والصفات الحميدة، ورجاحة العقل، واستنارة البصيرة.

ابن عم النبي، صلى الله عليه وآله، فهو راية المهتدين، ونور المطيعين، فهو خير شباب قومه وأكثرهم جرأة وإقداماً، وقد كان من السابقين إلى الإسلام مع صغر سّنه، وصهر النبي زوج فاطمة الزهراء، بنت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

قال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيّ بعدي».

مواقفه كثيرة نذكر بعضها:

-عندما طلب النبي منه أن ينام مكانه أبدى استعداده والتحف ببردتِه ونام مكانه رغم أنه يعلم بالخطر الذي قد يتعرّض له، عندما حاصر زعماء مكة بيت النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، يُرِيدون قتله.

- غزوة بدر:

برز من المشركين عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فنادوا: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال النبي،صلى الله عليه وآله وسلم،: «قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا عليّ».

- غزوة الخندق:

عندما نادى فارس المشركين عمرو بن عبد ود العامري، وهو يعد بألف فارس عند العرب فنادى هل من مبارز؟ فقال النبي مَن له ثلاثاً؟ فلم يقم إلّا علي بن أبي طالب.

وحينها قال النبي الأكرم: (برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه).

فأذِنَ له رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فمشى إليه حتى أتاه وهو يقول:

لا تعجلنَ فقد أتاك

مُجيب صوتك غير عاجز

في نية وبصيرة

الصدق مُنجي كل فائز

إني لأرجو أن أُقيم

عليك نائحة الجنائز

-غزوة خيبر:

مرت أيام ولم يتمكن المسلمون أن يقتحموا الحصن المنيع، فقال النبي الأكرم: (لأعطين الراية غداً رجلاً، كرّاراً غير فرّار، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ولا يرجع حتى يفتح الله على يده).

فقال، صلى الله عليه وآله وسلم: (ادعوا لي عليّاً. فصاح الناس من كل جانب: إنه أرمد العينين لا يبصر موضع قدمه. فقال: أرسلوا إليه وادعوه! فأتي به يُقاد. فوضع رأسه على فخذه، ومسح على عينيه، وبرئ من ساعته، وقال له: خذ الراية، ولا تلتفت حتى يفتح الله على يديك).

وكان سيد فرسان اليهود ( مرحب) دعا إلى المبارزة وجعل يرتجز بقوله‏:‏

قد عَلِمتْ خيبر أني مَرْحَب ** شَاكِي السلاح بطل مُجَرَّب إذا الحروب أقبلتْ تَلَهَّب **

فقام إليه علي (عليه السلام) وهو يقول:

أنا الذي سمّتني أمي حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

عبل الذراعين شديد القصره

كليث غابات كريه المنظره

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

أضربكم ضربا يبين الفقره

فصرعه وخلع باب الحصن ليتم الفتح على يديه.

قال الإمام علي،عليه السلام: (والله ما نزلت آية إلا وقد علمتُ فيمَ نَزلت، وأين نَزلت، وعلى من نَزلت، إن ربي وهبَ لي قلب عقول، ولسان صادق ناطق)... هكذا كان علي بن أبي طالب بطلاً شجاعاً، وعالماً زاهداً.

وقال: يا معاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله،صلی الله عليه وآله وسلم، زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية أفي ليل نزلت أو في نهار أنا أعلمُ بها.

وقال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها فعلي أعلم الأمة بعد رسول الله.

(فزت وربّ الكعبة)

سار الإمام علي إلى المسجد وهو يقول:

اشدد حيازيمك للموت

فإن الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

إذا حلّ بناديكا

كما أضحكك الدهر

كذاك الدهر يبكيكا

في الساعات الأولى من يوم 19 شهر رمضان المبارك سنة 40 هجرية، وعند وقت صلاة الفجر وفي مسجد الكوفة وبالتحديد في محراب الصلاة، فجعت الأمة حين قام الشقي عبدالرحمن بن ملجم المرادي، بشج جبهة الإمام علي، عليه السلام، التي طالما عفّرها بالسجود لله تعالى، وانتهت الضربة الغادرة إلى دماغه الذي ما فكّر إلاّ في سعادة الناس وجمعهم على صعيد الحقّ والعدل وإزالة شبح الفقر والحرمان عنهم.

ولمّا أحسّ الإمام بلذع السيف انفرجت شفتاه عن ابتسامة الرضا بقضاء الله تعالى، وانطلق صوته يدوّي في رحاب المسجد:

«فزت ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة».

ولكن ماذا تعني هذه الكلمات؟

فاذا كان أمير المؤمنين قد فاز فمن الذي قد خسر؟

ثم تلا قوله تعالى: «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى».

ومع كل ذلك كان يوصي ابنه الإمام الحسن، عليه السلام. «ارفق يا ولدي بأسيرك وارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى عينيه قد طارتا في أمّ رأسه، وقلبه يرجف خوفاً ورعباً وفزعاً»

ويضيف: «نعم يا بني نحن أهل بيت لا نزداد على الذنب إلينا إلّا كرماً وعفواً، والرحمة والشفقة من شيمتنا لا من شيمته، بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكل، واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدماً، ولا تغل له يداً، فإن أنا متّ فاقتص منه بأن تضربه ضربة واحدة، ولا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله (ص) يقول، إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وإن عشت فأنا أولى بالعفو عنه، وأنا أعلم بما أفعل به، فإن عفوت فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً».

ثم قال: «وعليكم السلام يا رسل ربي»، وقال: «لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ» «إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَوْا وَالّذِينَ هُم مُحْسِنُون»، وما زال يذكر الله كثيراً ويتشهد الشهادتين، ثم استقبل القبلة وأغمض عينيه ومدّ رجليه ويديه، وقال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله» ثم فاضت روحه الطاهرة عليه السلام، وكان ذلك في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان.

وبذلك انتهت حياة واحد من خير خلق الله بعد الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بعد عمر قضاه في الجهاد في سبيل الله والزهد وإقامة العدل وكان مثالاً للنبل والشجاعة والطهارة والعدل والخير، ورمزاً من رموز الكمال البشري على مرّ التاريخ.

هــا هـــيَ اللـيلــةُ قــد آنَ الــوداعْ وبــهـــا أوعــدني ربــيّ المُــطـاعْ إنـّــهُ ذو رَحــمــةٍ ذات اتـــســاعْ.

سيـّدي من يُطعــمْ الطـفل الفقيـر

يــا أميراً يــأكــل ُالخـبـز الشّعيـرْ أصــبـحَ الإســلامُ مـن دون نــصـيـر.

ونحن كمسلمين نتخذ من علي بن ابي طالب. عليه السلام، القدوة الحسنة فقد كانت شخصيته شخصية متفردة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، فيكفيه فخراً انه قال فيه الرسول صلوات الله عليه:

(علي مع الحق والحق مع علي والحق يدور حيثما دار علي).

يا إمام المتّقين، لقد كنت من أعظم الرابحين بمرضاة الخالق العظيم، فقد رفعت منذ نعومة أظفارك كلمة الله، وجاهدت في سبيله كأعظم ما يكون الجهاد فحطّمت الأصنام، وطهرت الأرض من أوثان الجاهليّة، وبذلت روحك ـ بسخاء ـ للدفاع عن رسول الله،صلى الله عليه وآله فبت على فراشه ووقيته من شرك المشركين.

فرحمك الله يا أبا الحسن، ولدت في بيت الله واستشهدت في بيت الله ففزت بالدارين دار الدنيا ودار الآخرة.

عظّم الله أجورنا وأجوركم باستشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب،عليه السلام.