كشفت مصادر مسؤولة لـ«الراي» أن التقديرات الأولية لوزارة المالية، تُشير إلى توقع احتمال تسجيل الموازنة العامة للسنة المالية 2022 /2023، من الإيرادات النفطية فائضاً يُقارب ملياري دينار، مقابل عجز مالي مسجل عن السنة المالية السابقة 2021 /2022 بلغ 2.99 مليار دينار.
ولفتت المصادر إلى أن الإيرادات النفطية المحققة عن السنة المالية الماضية بلغت نحو 26.4 مليار دينار، مقابل مصروفات مدفوعة من صندوق الاحتياطي العام تقارب 24.4 مليار.
وذكرت أن هناك إيرادات أخرى غير نفطية مسجلة بميزانية هذه الفترة تتجاوز ملياري دينار وأنه في الغالب تم استهلاكها تحت بند في مصاريف أخرى، ما يجعل إجمالي الإيرادات العامة يقارب 28.5 مليار دينار مقابل مصروفات بـ26.5 مليار، ليظل مع ذلك معدل الفائض نفسه المسجل من احتساب الإيرادات النفطية والمصاريف المدفوعة من «الاحتياطي العام».
عائدات النفط
وحسب الأرقام الرسمية لميزانية السنة المالية الماضية كان متوقعاً تحقيق عجز بنحو 123.8 مليون دينار، على أساس تسجيل إيرادات عامة تقارب 23.4 مليار، مقابل مصروفات بـ23.5 مليار.
ومحاسبياً، أشارت المصادر إلى أن عائدات النفط بالسنة المالية المنتهية ارتفعت بنهاية الشهر الماضي بنسبة تقارب 63.4 في المئة مقابل السنة المالية السابقة، التي بلغت فيها الإيرادات النفطية 16.22 مليار دينار، علماً أن 2021-2022 حققت نمواً في الإيرادات النفطية بـ84.5 في المئة مقابل السنة المالية التي سبقتها.
وحسب تقرير «الشال» حققت السنة المالية 2021 /2022 معدل سعر لبرميل النفط الكويتي بلغ 79.9 دولار، أي أن معدل سعره في 2022 /2023 أعلى بـ21.5 في المئة عن معدل سعر البرميل في 2021 /2022.
وبقراءة تحليلية لبيانات الموازنة العامة للسنة المالية 2022 /2023 يمكن ملاحظة وجود أهمية مضاعفة تظهرها الأرقام، حيث نجحت إيرادات العام الماضي في تحقيق فائض للمرة الأولى منذ 8 سنوات بعد امتصاص كامل مصروفات هذه الفترة التي تعد الأعلى تاريخياً مقارنة بالسنوات التي سبقتها.
سداد العجز
فضلاً عن ذلك، وفّرت السنة المالية الماضية جميع المصروفات العامة المتستحقة عن هذه الفترة، إضافة إلى تحميلها سداد العجز المحقق عن السنة المالية السابقة والمرحّل لها بما يقارب 3 مليارات دينار، مع معالجة مديونيات حكومية غالبيتها موجهة إلى سداد استحقاقات متأخرة للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بنحو مليار دينار، إضافة إلى نحو 900 مليون تم دفعها من وزارة الكهرباء والماء إلى مؤسسة البترول الكويتية خلال هذه السنة، إضافة إلى سداد الالتزامات المؤجلة للمؤسسة العامة للرعاية السكنية، إلى جانب دفع مستحقات لوزارتي التربية والتعليم والصحة وغيرها من الجهات الحكومية، وهنا تكون القيمة المضافة المحققة مزدوجة، فمن ناحية غطت الإيرادات العامة المحققة عن السنة المالية الماضية مصاريف هذه الفترة إلى جانب إطفاء مبالغ العجز المرحّل عن السنة السابقة.
الخفض الطوعي
وتكتسي الفوائض المحققة عن السنة المالية الماضية أهمية مضاعفة في ظل تحققها رغم التزام الكويت بقرارات خفض الإنتاج الطوعي للنفط الذي قررته دول تحالف «أوبك+» كتحرك استباقي لدعم استقرار الأسواق النفطية وسط التطورات العالمية السريعة.
ولفتت المصادر إلى أن وزارة المالية اتبعت خلال السنة المالية الماضية بالتنسيق مع مسؤولي السيولة العامة نهجاً جديداً يعتمد على تقسيط سداد المطالبات المتأخرة والتي تشكل في الميزانية عجوزات ملحة.
وأفادت بأنه تم بالفعل النجاح في عدم ترحيل العجوزات المتتالية من سنة لأخرى مثلما هو مسجل منذ ميزانية 2015/2014، موضحة أن الاتفاق الذي جرى تنفيذه هو تخصيص نحو 300 مليون دينار من الإيرادات العامة شهرياً تستخدم في التزامات مؤجلة من السنة المالية السابقة وذلك وفقاً لجدول زمني ممنهج.
مداورة السيولة
وفي المقابل، اتبعت وزارة المالية بالتسنيق مع مسؤولي الهيئة العامة للاستثمار والجهات الحكومية ذات العلاقة سيناريو مداورة السيولة الموجهة لتنفيذ معالجات المطالبات بين الجهات الحكومية من ناحية، وبين الجهات التي لديها التزامات سداد للمال العام مع مسؤولي صندوق الاحتياطي العام، ما أدى دفترياً لمعالجة جميع المطالبات المؤجلة والكبيرة وفي الوقت نفسه تحقق إعادة تدفق المستحقات لـ«الاحتياطي العام» من الجهات المطالبة بالسداد والتي كانت تتأخر عادة في دفع المطالبات المسجلة عليها.
وذكرت المصادر أنه على اعتبار أن الدفعة المقرر توجيهها من «المالية» شهرياً لسداد دين مستحق مؤجل تم دفعها على أقساط شهرية بشكل منتظم مدفوعة بوجود فوائض مناسبة لتنفيذ هذه الخطوة، تم إطفاء العجز بشكل كامل، لتعود ميزانية الكويت مع ذلك إلى زمن الفوائض مجدداً، مدعومة بأسعار النفط المرتفعة بعد نحو 8 سنوات من العجوزات المتتالية، تعرّضت فيها السيولة العامة خصوصاً خلال سنة جائحة كورونا إلى ضغوط غير مسبوقة، وصلت إلى حدود قاربت استنفاد «الكاش» من صندوق الاحتياطي العام.
هل الفوائض المُحققة مستدامة؟
لا أحد ينكر أهمية انتقال الميزانية العامة لزمن الفوائض مجدداً بعد 8 سنوات عانت فيها الميزانية تحت ضغط العجوزات، إلا أن الأرقام نفسها تظهر استمرار خلل الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات النفطية ما يصعّب إمكانية استدامة زمن الفوائض ما لم يتغير النهج المالي.
ولضمان الاستفادة القصوى من هذه المرحلة وتفادي مخاطر أن تظل الكويت رهينة للتقلبات أسعار النفط، يتعيّن تسريع العمل على تقديم معالجات أوسع للاختلالات الهيكلة التي تواجه الميزانية العامة، تضمن معاكسة الاتجاه التاريخي المعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل إلى آخر يضمن تعزيز الإيرادات النفطية بمداخيل أخرى تضمن استدامة انتعاش المالية العامة بالفوائض.
إضافة إلى ذلك يتوجب العمل على معالجة تحدي هيمنة المصروفات الجارية على المصروفات الرأسمالية، من خلال زيادة الإنفاق التنموي، وتقليل ضغط بند الرواتب من خلال زيادة مساهمة القطاع الخاص في توظيف المواطنين، أخذاً بالاعتبار أن ذلك يتطلّب أولاً رفع منسوب مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.