تناولت مجلة «إيكونوميست» في عددها الأخير الثروة الضخمة التي تتمتع بها دول الخليج من مكاسب النفط، موضحة أن تقديراتها تشير إلى أن فائض الحساب الجاري لدول الخليج قد يصل ثلثي تريليون دولار في عامين (2022 و2023).
ومع ذلك، لفتت المجلة إلى أن الكثير من هذه الأموال لم يعد يتوجه إلى البنوك المركزية الخارجية، موضحة أنه لتحديد المكان الذي تذهب إليه الأموال بدقة، قامت «إيكونوميست» بتعقب حسابات السلطات وأسواق الأصول الدولية وغرف الصفقات للشركات المكلّفة باستثمار المكاسب غير المتوقعة للاقتصاديات الخليجية.
وحسب ما أسفر عنه تحقيق المجلة، تلقى الغرب القليل من هذه الأموال، فيما يتم استخدام حصة متزايدة من هذه المكاسب في الداخل والخارج، ما يجعل التمويل الدولي نظاماً أكثر ضبابية.
وأضافت «إيكونوميست» أنه خلال فترات الازدهار السابقة، كانت الاقتصاديات الخليجية تعيد تدوير إيرادات الطاقة في أسواق رأس المال الغربية، وفي اقتناص العقارات ذات السيولة الفائقة عن طريق البنوك القائمة غالباً في الخارج.
مكاسب النفط
وأوضحت أن دول الخليج ليست الوحيدة التي تتمتع بمكاسب غير متوقعة، ففي الأشهر الـ12 الماضية، نجحت النرويج، التي رفعت صادرات الوقود إلى أوروبا مع خفض الصادرات الروسية، في جني 161 مليار دولار من الضرائب على صادرات إجمالي مبيعات النفط، وهي زيادة بنسبة 150 في المئة مقارنة بـ2021.
وحتى روسيا، التي ترزح تحت العقوبات، ارتفعت إيراداتها بنسبة 19 في المئة، إلى 210 مليار دولار، لكن بحسب المجلة فإن دول الخليج التي تستفيد من انخفاض أسعار التصنيع، والقدرة الفائضة، والجغرافيا السهلة، قد تكون هي من أكبر الفائزين بالجائزة الكبرى.
وتعتقد شركة «ريستاد إنرجي» للاستشارات، أن مكاسب دول الخليج من الضرائب على صادرات الطاقة في عام 2022 وصلت 600 مليار دولار.
تكاليف افتراضية
مع ذلك، ذكرت «إيكونوميست» أن دول الخليج ليست جميعها في وضعية ربحية، مثل البحرين والعراق، على عكس الكويت وقطر والإمارات والسعودية، فحسب تقديرات أليكس إيترا من وكالة «إكسانت»، فإن مجموع فائض الحساب الجاري لهذه الدول في 2022 بلغ 350 مليار دولار.
وتجدر الإشارة إلى أن تكاليف النفط انخفضت منذ الأشهر الـ12 الأخيرة، عندما بلغ متوسط سعر خام برنت، 100 دولار للبرميل. ومع ذلك، وبافتراض أن سعر برميل النفط لا يزال قريباً من 85 دولاراً - وهو تخمين متحفظ - يعتقد إيترا أن العمالقة الأربعة (الكويت والإمارات والسعودية وقطر) قد يحققون فائضاً قدره 300 مليار دولار في 2023، ليبلغ الفائض التراكمي في عامين 650 ملياراً.
وفي السابق، كانت الغالبية العظمى من هذه الفوائض تذهب مباشرة إلى احتياطي العملات الأجنبية في البنوك المركزية، إذ يربط معظم أعضاء دول الخليج عملاته بالدولار، ولهذا يجب تخصيص جزء، والاستثمار في زمن الطفرة، لكن ليس هذه المرة، فالاحتياطي في المصارف المركزية لم ينمُ بشكل كبير، ولأن تدخل المصارف في أسواق العملة الأجنبية بات نادراً، فإن حراس ثروات الدولة التقليديين لا يحصلون على الفائض.
وحسب تحليل المجلة فإن الفوائض هذه المرة تم استخدامها بـ3 طرق جديدة من قبل مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة تشمل الحكومات والبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية. الأولى لدفع الديون الخارجية مرة أخرى، والثانية لإقراض الأصدقاء وأخيراً الثالثة لشراء الممتلكات والعقارات في الخارج.
دول الخليج تستفيد من ارتفاع النفط في دعم ميزانياتها
بالنسبة للديون، نوهت «إيكونوميست» إلى أنه بين 2014 و2016 تسببت وفرة البترول التي غذّاها نمو الصخر الزيتي في أميركا بانخفاض قيمة النفط من 120 دولاراً للبرميل إلى 30 دولاراً، وهو أكبر انخفاض تاريخياً خلال الفترة السابقة.
وفي 2020، مع انخفاض الطلب بسبب عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا، تراجعت الأسعار مرة أخرى، لتصل 18 دولاراً في أبريل.
ولمواجهة صدمة الأرباح، قامت دول الخليج ببيع بعض الملكيات في الخارج، إضافة إلى أن بنوكها المركزية وفرت جزءاً من مخزونها من العملات الأجنبية، لكن هذا لم يكن كافياً. ولفتت المجلة إلى أن دول الخليج اقترضت من أسواق رأس المال الغربية، أما الآن فتستفيد بعض الدول النفطية من ارتفاع الأسعار لدعم ميزانياتها العمومية.
وعلى سبيل المثال، سددت أبوظبي 3 مليارات دولار من ديونها المستحقة منذ نهاية 2021، ما يعادل 7 في المئة من ديونها المتبقية، كما سددت قطر 4 مليارات من ديونها أو 4 في المئة، وانخفض حجم المديونية في الكويت إلى النصف منذ 2020.