«كنت أعدّ الطعام للعاملين في الحفر، كانوا يحبون فطائر البطاطا التي أصنعها، ويتناولون طعامهم في فناء البيت حتى سقطت قذيفة وهم هناك، فصاروا يتناولون طعامهم داخل النفق، كنت ألمحهم منهكين، فهم يحفرون في مكان لا هواء نقياً فيه، وكل مجموعة يفترض منها أن تنجز حفر متر من النفق الذي بلغ طوله 720 متراً».
شيدا كولر صاحبة منزل النفق
في عام 1993، التقى الحفارون من طرفي مدرج مطار مدينة سراييفو المحاصرة في إكمال نفق سباسا أو نفق الأمل الشهير الذي خفف من وطأة حصار الصرب لمسلمي البوسنة.
كان مدخل النفق ونقطة انطلاقته في المدينة المحاصرة هو بيت العجوز شيدا كولر، التي أبت أن يتم حفر النفق في منزلها إلا بشرط واحد وهي أن تشارك بنفسها بالمساعدة بحفر النفق.
هنا في الكويت، فوق اختناق الشوارع بسبب سوء التخطيط وسوء التنظيم، أو الإهمال والقصور الشديدين في التخطيط، أتت الكارثة المرورية يوم الإثنين الفائت. فبعد إغلاق بعض الطرق بسبب الأمطار تفاقمت أزمة الازدحام وجرفت سيول الأمطار أوراق التوت التي تستر حالة التخلف التي تنعكس في الطرق، والتي آذت بشكل كبير الناس وأثرت على مصالحهم وأثارت حنقهم في الشهر الفضيل.
مثلاً، الانتقال بعد نهاية الدوام المدرسي بعد الظهر من منطقة سلوى إلى أحد المدارس بالجابرية، كان يأخذ بالعادة خمسة عشر دقيقة، في يوم اختناق الإثنين المروري، كان الوقت لقطع هذا الطريق ساعتين ونصف الساعة بدل ربع الساعة! فكيف حال ولد ينتظر ولي أمره ليصل إليه متأخراً أكثر من ساعتين؟ قصص وقصص وحوادث حصلت يوم الإثنين، فعلاً كما يقال البلد تغرق بسطل ماء بسبب سوء التخطيط.
إذا كان الكلام يتم تكراره عن الزحام وجذوره وأسبابه لا يتم سماعه وحالة الشوارع المكتظة بالسيارة والضوضاء وتكدس الطرق بالسيارات، إذا كان كل هذا القبح والفوضى والضجيج لا يحرك المشاعر والشعور بالمسؤولية فهل يحركه حبر القلم؟
المهم هنا، ما هي علاقة ازدحام شوارع الكويت بالسيدة البوسنية العجوز شيدا؟ العلاقة أنه عندما حاصر المعتدون الصرب المسلمين في سراييفو وما كان من خلاص إلا ببناء نفق ليسهل مرور الناس المحاصرين بين طرفي المدينة، استبسل الرجال تحت ظروف مرعبة وعسيرة لحفر النفق بطرق بدائية، وأبت العجوز شيدا كولر أن تسمح لهم باستخدام منزلها كواجهة ساترة للنفق وتخاطر بسلامتها وسلامة أسرتها، إلا بشرط أن تشاركهم ولو بإعداد العصير والفطائر، بينما يكسل المسؤولون هنا لإماطة أذى الطريق اليومي عن الناس رغم القدرات الكبيرة ويسر الحال.