... وسارة هي ابنتي الصغرى التي شاركت في دورة تعليميّة تدريبيّة في إحدى الجامعات البريطانية العريقة لمدة أسبوعين تتعلّق بالمُستجدّات في إدارة المشاريع واكتساب مهارات قياديّة وفقاً لأحدث الدّراسات العلميّة.
الحديث ليس عن سارة بل عن زميلات مُشاركات لها من السّعودية تمّ ابتعاثهنّ من قبل جهات عملهنّ الرسمية في المملكة للحصول على شهادات هذه الدورة، وهنّ كشفن أنّهنّ ابتعثن سابقاً إلى دورات مُماثلة في بريطانيا وغيرها وسيتم ابتعاثهنّ لاحقاً إلى دورات أخرى.
السّعوديّات اللواتي شاركن في الدورة أجمعن على أن ابتعاثهنّ تمّ في إطار رؤية 2030 التي أطلقها وليّ عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، وكشفن أنّه منذ اللحظة الأولى للإعلان عن هذه الرؤية استنفرت كلّ إدارات الدولة للتّعامل معها بجدّية مُطلقة وليس كونها إطاراً إعلامياً أو مدخلاً ظرفياً لجذب استثمارات مُعيّنة، وتطرّقن إلى معلومات مُذهلة عن كيفيّة التعامل مع هذه الرؤية من قبل المُشرفين عليها وعن حجم هذه المشاريع وكيف أن كلّ مشروع يبدأ العمل به يوضع له سقف زمنيّ مُعيّن يجب الالتزام به ثُمّ تَتَكَشّف مشاريع أخرى على هامش التنفيذ تتعلّق بنطاقات زراعية وصناعية وبيئيّة وسياحيّة يتمّ إدخالها فوراً في الرؤية وتعيين فرق إدارة لها من الكفاءات المحلّية.
إحدى الفتيات السّعوديّات المُشاركات في الدورة تعمل في الهيئة الملكية لمحافظة العلا ضمن مشروع التطوير التراثي السياحي لهذه المدينة التاريخيّة.
ثانية من وزارة السياحة.
وثالثة من هيئة تطوير الدرعية، ورابعة في مجال التخطيط الإستراتيجي.
تحدّثت السعوديات بشغف غير مسبوق وحماسة قلّ نظيرها عن رؤية 2030 وكأنّها رُؤيتهنّ الخاصّة أو مشروعهنّ الشّخصي على مستوى المبادرة والتحدّي.
ذكرن نيوم وما أدراك ما نيوم... حلم المستقبل، وتطرّقن إلى المشروع الضّخم لتحلية المياه المالحة باستخدام الطاقة الشّمسيّة. أسهبن في شرح مبادرة السعودية الخضراء والرياض الخضراء والشرق الأوسط الأخضر وكذلك مدينة الملك سلمان الصناعية المُتكاملة للطاقة والبدء في إقامة «المربع» أكبر داون تاون في العالم.
ومن التّطوير المناطقي والسّياحي إلى الصّناعة عبر مصنع المواد المركّبة لإنتاج هياكل الطائرات ومشروع مفاعل الأبحاث النووي، ومشروع محطّة سكاكا للطاقة الشمسيّة الكهروضوئيّة في منطقة الجوف، وبرنامج «صنع في السعودية» لتطوير مُختلف جوانب الصناعة الوطنيّة وتسهيل تصديرها.
ما ورد غيض من فيض ما تحدّثت به السعوديات، فإلى جانب المشاريع الضّخمة التي ذكرت، هُناك آلاف المشاريع المُتوسّطة والصّغيرة، وبقدر الفرحة الغامرة بهذا التوجّه رغم التحدّيات التي تواجهه، وبقدر التمنّيات بأن تربح القيادة السعوديّة المعركة مع المستقبل، بقدر ما نتمنّى لو أن الكويت سارت في الطريق نفسه لجهة الفصل بين التّنمية المطلوبة التي أصبحت مسألة حياة ووجود وبين الحالة السّياسيّة العامّة عبر المسؤوليّة المُشتركة للحكومة والمجلس وحتّى قوى المُجتمع المدني بكافة ألوانها.
المشاريع في السّعودية أُعلنت في الواقع قبل أن تُعلن على الورق، والسعوديون يكشفون عن كلّ مرحلة أنجزت ويُحضّرون الرأي العام والمُهتمّين لإنجاز المراحل المُقبلة.
يُخطّطون للمشروع ويذلّلون كلّ العقبات من أمام بدء تنفيذه ويضعون سقفاً زمنياً للمراحل ويختارون الأصلح لإدارته ويُرسلون البعثات إلى الخارج للتدريب واكتساب الخبرات والعودة لقيادة إدارات هذه المشاريع، وحيثما وُجدت الحاجة للاستفادة من الخبرات الأجنبية يُحضرونها ويُوظّفونها لخدمة برامجهم وينفتحون في ذلك على مُختلف الدول في إطار التوازي بين السّياسة والاقتصاد... بل يُطبّقون مُعادلة «السّياسة انعكاس للاقتصاد» وهو أمر تجاهلته دولٌ كثيرة في المنطقة.
حدّثتني سارة عن افتخارها بتمكين المرأة السعودية فِعلاً لا قولاً من خلال مُعايشتها لزميلاتها السعوديّات في الدورة التدريبيّة، وكيف أصبحت مُشاركتهنّ في إدارة التنمية أولوية لدى القيادة السعودية.
أخبرتني أنّهنّ تساءلن بحسرة عن تراجع وضع الكويت وكيف كنّ يسمعن من ذويهنّ أنّ الكويت دُرّة الخليج ومنارة إشعاع في التربية والتعليم والصحة والانفتاح والفنّ والإعلام والثّقافة، وكيف تراجع وضعها اليوم رغم أنّ كلّ ظروف التّطوّر موجودة لديها.
عندما عادت سارة سألتني عن سبب تراجع الكويت رغم الإمكانات الضخمة لديها وظروف التّطوّر الموجودة، فنصحتها أن تُركّز على ما تعلّمته في المُقرّر الجامعي البريطاني حول الإدارة وقيادة المشاريع وأن تُؤجّل السؤال إلى رمضان كي أردّ عليها بعبارة: اللهمّ إنّي صائم.