مفهوم الاستقرار مفهوم جميل لأنه يحمل بين طياته الطمأنينة والثقة في المستقبل، والكل أفراداً وجماعات ينشد الاستقرار سواء السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لضمان البقاء والعيش الكريم... الاستقرار عكس الفوضى والاضطراب.
لم تتقدم الأمم إلّا بعد أن حققت الاستقرار وتخلّت عن الحروب والنزاعات والصراعات الداخلية، وهذا لم يتحقق إلّا بوجود سياسات اقتصادية واجتماعية تحقّق للشعوب الراحة والأمان والعمل بروح وطنية لتحقيق التنمية والازدهار.
الاستقرار يعني ترابط المجتمع بكل فئاته والتلاحم في ما بينهم من جهة ومع السلطة من جهة أخرى وبين مؤسسات هذه السلطة من جهة ثالثة ترابطاً عضوياً يكفل وقوف الجميع أمام أي تقلبات كوحدة متجانسة متماسكة، وهذا يبرهن على أن هذه الدولة تتمتع بالوحدة الوطنية، وهو أساس رئيسي للاستقرار، وأن الولاء هو للدولة والذي تذوب فيه الولاءات الأخرى.
الاستقرار يحتاج إلى سياسات اقتصادية واجتماعية واضحة تكفل الأمن والأمان للمجتمع، الاستقرار هو مواجهة مكامن الخلل ومعالجتها قبل استفحالها وعدم ترحيلها والمراهنة على عامل الوقت.
يقول ريتشارد هيقوت «إن الاستقرار السياسي هو قدرة مؤسسات النظام على تسيير الأزمات التي تواجهه بنجاح وحل الصراعات القائمة داخل الدولة بصورة يستطيع معها أن يحافظ عليها في منطقة تمكنه من إنهاء الأزمات والحد من العنف السياسي وتزايد شرعية النظام».
الاستقرار يحتاج إلى مناخ سياسي متوازن، ولا يوجد ما يبعث على الاطمئنان والثقة في المستقبل أكثر من العدالة والانصاف، وأن القانون يساوي بين الجميع، وأن أجهزة الدولة التنفيذية مقيّدة بدستور وقوانين، وأن الدستور فوق الجميع ولا يمكن تجاهل أحكامه، وأن القضاء ملاذ الجميع والذي يتوجب أن يكون نزيهاً ومستقلاً.
لا يمكن أن يكون هناك استقرار اقتصادي واجتماعي في ظل وجود ضبابية في العلاقات بين السلطات خصوصاً التشريعية والتنفيذية، وان يكون هناك لغط وتشكيك في مؤسسات القضاء، ولا يمكن أن يكون هناك بناء وتنمية في ظل وجود نظام برلماني قائم على أسس المحاصصة ومن ثم تكون مخرجاته قائمة على الولاءات الفئوية والطائفية والقبلية.
ولا يمكن أن يكون هناك بناء وتنمية في ظل عدم الاستقرار البرلماني والذي ينعكس سلبياً على واجبات التشريع والمراقبة... لا يمكن أن يكون هناك استقرار في ظل التغييرات المتكررة والمتعاقبة للحكومات، فمطلب محدودية التغيير في مناصب القيادات السياسية في السلطة التنفيذية مؤشر للاستقرار السياسي، ولكن يجب أن يكون ذلك مشروطاً بالإنتاجية والرضاء الشعبي.
في النهاية... الكل ينتظر حكم المحكمة الدستورية في شأن انتخابات البرلمان الأخيرة، وهناك من يتمنى الإبطال، وهناك من يتمنى استمرار المجلس الحالي وهو أمر يبعث على الأسف، لأنه يعكس انقسام المجتمع إلى فريقين، وهو انقسام لا يمت للديموقراطية بصلة بدرجة الولاء لفريق على حساب الفريق الآخر، وهذا هو مكمن الخطورة والذي يتوجب على الجميع استشعار هذا المؤشر الخطير وتردداته السلبية على ديموقراطيتنا... وأياً كان حكم المحكمة التي نجلّها ونجلُّ قضاءنا، أقترح في أي انتخابات مقبلة وقبل إجرائها أن تحدد المحكمة فترة محدّدة للطعن في دعوة الانتخابات، ومن ثم تحكم قبل إجراء الانتخابات والتي ستكون صحيحة بعد ذلك، ولا يحق بعد ذلك الطعن في دستوريتها ويكون الطعن فقط للنتائج والتي لا تؤثر بالمطلق على العملية الانتخابية... فالناس وصلت إلى درجة الملل، والوطن يئن من إهدار الوقت.