تاريخ الكويت منذ تأسست قبل 300 عام يحكي أحسن القصص وأوضحها وأبينها في علاقة الحاكم بالمحكوم، فقد تنقلت من حال إلى حال ومن محنة إلى منحة ومن خوف إلى أمن ومن فرقة واختلاف وشتات إلى اجتماع وائتلاف ومن حزن إلى سرور، ومن جدب وصعوبة عيش إلى رخاء وسعة، وهي في كل ذلك محفوظة بعين الله التي لا تنام.
وثمة حقائق ينبغي ألا تغيب عن بالنا وخاصة مع تسارع الأحداث وكثرتها وحدتها أحيانا، وأولى هذه الحقائق بأن الله تعالى أنعم علينا بنعمة النفط التي جعلها الله تعالى تحت أقدام رجال الكويت الأوائل، دون أن يعلموا عنها فضلاً عن أن يستفيدوا منها فعاشوا وماتوا على فقر وحاجة... وهذه النعمة منذ ظهورها منذ 1911 - 1934، حيث عاش الرعيل الأول على صيد الأسماك واللؤلؤ وبناء السفن والتجارة فقط، ولكن بعد تصدير أول شحنة للخارج ووصول أول دفعة من الأموال بالسفن تعلقت هذه النعمة بأهل الكويت أولاً، ثم أقاربهم خارج الكويت بل وتعدت ذلك إلى جميع الدول في جميع أنحاء العالم الإسلامي والغربي، وحصل لهم ما حصل من الخيرات والتنمية والتعليم والطبابة وغيرها.
كما حصل لأسرة الحكم آل صباح الكرام، من العز والتمكين والسرور والغبطة بهذه النعمة العظيمة، وهذه النعمة تستوجب منا رعايتها والقيام بشكرها قولاً وعملاً، وذلك بالبُعد عن أسباب الشر مع كتمان ما نخشى مضرته، وهذا واجب على الراعي والرعية، فكم من أمر كتمه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن رعيته وذلك حتى «لا يفُتّ في عضُد الناس».
والحقيقة الثانية، وهي لا تقل أهمية عن سابقتها أن العدل مطلوب في كل الأمور لا في معاملة السلطان رعيته ولا فيما دونه فحسب، بل حتى في معاملة الوالد لأولاده في المحبة والإيثار والهدايا والعطايا، ولهذا لما قدّم يعقوب عليه السلام يوسف في المحبة وآثره على إخوته، جرى منهم ما جرى على أنفسهم وعلى أبيهم وأخيهم واستمرت المعاناة سنين طويلة!
والحقيقة الثالثة، الحذر الحذر من شؤم الذنوب وأن الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة فانظروا إلى إخوة يوسف، عليه السلام، لما كذبوا أول كذبة على أبيهم يعقوب، فقالوا أرسله معنا غداً يرتع ويلعب ونحن له حافظون؟ هذه أول كذبة كذبوها حين بيتوا قتله ولازالوا يكذبون سنوات حتى في آخر السورة، حيث قالوا (إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل)؟ وهكذا بالافتراء المتواصل وهذا من شؤم الذنب وآثاره التابعة والسابقة واللاحقة، وهذا ما نعانيه اليوم في الكويت في عدم الاستقرار وكلما تقدمنا خطوة تأخرنا خطوتين، وهكذا بسبب هذه المخالفات بكثرة السرقات وتبادل الاتهامات وكثرة القضايا الواردة للمحكمة الدستورية، في محاولة كل فريق تقريب النار من قرصه، إلا أنه وبعد البتّ في أكثر هذه القضايا حكما نهائياً والأحكام القضائية هي عنوان الحقيقة فهرب من هرب للخارج، وأيس من يئس بحياة طبيعية مع أهله وأقاربه وأحبابه في الكويت، جاء العفو الأميري من صاحب السمو الوالد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وما أمدّه الله به من الحلم ومكارم الأخلاق والدعوة إلى التآلف والتراحم وعفوه عمن أخطأ عفواً بادرهم به، وتمم ذلك بألا يثرّب عليهم ولا يُعيّرهم به... هذا مع برّه العظيم بالمواطن والمقيم وحرصه على رعاية الجميع وتوفير ما يحتاجون إليه.
والخلاصة كثير من المشاريع الكبرى في الكويت لا يتم إبرازها من الحكومة بصورة كافية بل الأبرز عندنا في الكويت هو السلبيات والأخطاء والتعليقات والسخرية بالشأن العام.
وإذا عرضت الحكومة المشاريع الكبرى عرضتها بصورة نمطية تقليدية عفا عليها الزمان!
إن السبب الكبير لحصول الصبر على لوازم التنمية أحاطه الجمهور علماً وخبرة بهذه المشاريع التي تتطلب الصبر عليها وإلا فالذي لا يدري عنه عوام الناس ولا يعلمون غايته ولا ثمرته ولا فائدته فليس هناك سبب يدعوهم للصبر (وكيف تصبر على ما لم تحط به خُبراً)، وعليه فيجب التثبت وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء حتى نعرف المراد منه... ونصير فعلاً أوادم.