تناول مركز الشال للاستشارات الاقتصادية محور الاقتصاد والمال في برنامج الحكومة، موضحاً أنه حتى صدور البرنامج، ليس في الكويت اقتصاد، فمساهمة القطاع العام بشكل مباشر تبلغ نحو 70 في المئة في ناتجها المحلي الإجمالي، فيما توظف الحكومة أكثر من 83 في المئة من المواطنين وتدعم ما عداهم.
ولفت «الشال» في تقريره الأسبوعي إلى أن كل ذلك يعتمد على إيرادات النفط بشكل مباشر أو غير مباشر، أي مدخراته، والتي استمرت تُموّل نفقات الموازنة العامة بنحو 90 في المئة على مدى 60 عاماً، وذلك يحصر الاهتمام بالمال، أي الشق الثاني في المحور.
وبين التقرير أنه في الوقت الذي فيه اقتصاد الكويت مجرّد خيمة في طقس عاصف، عمود تلك الخيمة الوحيد هو المالية العامة، وحتى ننجح في بناء اقتصاد في المستقبل، لابد من الحرص الشديد على سلامة ذلك العمود، مشيراً إلى أن محتوى أهداف برنامج الحكومة الحالية، وسيل المشروعات الشعبوية النيابية، يحمّلان ذلك العمود أكثر بكثير مما يحتمل.
ضغوط كثيرة
وأفاد بأنه من أمثلة تلك الضغوط، ضرورة توظيف 96 ألف خريج خلال 4 سنوات، 85 في المئة منهم في القطاع العام أو نحو 82 ألف مواطن، على أمل أن يستوعب القطاع الخاص 14 ألف مواطن مع مخصصات دعم العمالة، وذلك بغض النظر عن توافر الوظيفة أو حتى السعة المكانية، منوهاً إلى أنه كان من أبسط المتطلبات في البرنامج احتساب إمكانات استدامة سوق العمل لأن القادمين إليه في تزايد، واستدامة المالية العامة معه.
وتابع التقرير «تنوي الحكومة تذويب القضية الإسكانية وفق سياسة التوسع الأفقي وبنسبة 75 في المئة بحلول 2026، أي بناء نحو 80 ألف مسكن، ولمثل هذا التوسع احتياجات مالية مباشرة مثل القروض السكنية، واحتياجات مالية غير مباشرة مثل البنى التحتية، وأبسط وظائف الحكومة هي حساب الإسقاط المالي على النفقات العامة وتأثيره المتبادل على تحقيق المستهدف إسكاناً»، لافتاً إلى أن الحكومة لديها هدف معلن لتعديل التركيبة السكانية، وإلى جانب أن تحقيقه مستحيل مع وضع التمدد الأفقي الإسكاني، فإن ما ستحصده من تناقض سياساتها هو تضخم غير محتمل في أجور العمالة يخلق ضغوطاً مالية في قطاع الإنشاءات وغيره، كما أن تأثيره على استدامة الماليات الخاصة للأسر سلبية وكبيرة.
وأوضح «الشال» أن الحكومة ترغب في التوسع بتقديم خدمات التعليم، في حين أن تكلفة التعليم الحكومي في الكويت باهظة، سواء في بناه التحتية، وجامعة الكويت مثال، أو تكلفة الطالب الجارية، ومثلها الخدمات الصحية مع وعد بالتوسع في إنشاء المدن الصحية وزيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات القائمة، واستضافة مستشفى عالمي واحد على الأقل، وفي الوقت نفسه تتوسع في إشراك المواطنين في مشروعات التأمين الصحي، في بلد فيه الخدمات الصحية مجانية، ورغم ذلك لا نجد معها أي إسقاط لمعرفة إمكانية تحقيق تلك الأهداف وضمان استدامة المالية العامة.
الأكثر خطورة
وذكر أن «الحكومة تنوي أيضاً زيادة جرعات الاستثمار لتنويع مصار الدخل في صناعات بتروكيماوية ومصاهر ألمنيوم ومشروع السكة الحديد واستكمال ميناء مبارك...إلخ، وكلها ضغوط على المالية العامة، يقابلها هدف متواضع بزيادة الإيرادات غير النفطية من 2.396 مليار دينار في الحساب الختامي للسنة المالية الفائتة إلى 3.5 مليار، ولا نعرف متى»، مضيفاً «لعل أكثر المؤشرات خطورة، هو تبني الحكومة لمشروعات شعبوية مثل شراء الإجازات ومكافآت الصفوف الأمامية، وقبلها تأجيل سداد أقساط القروض، ما شجع على التقاط بعض النواب قصب السبق ليفتح باب جهنم على المالية العامة، وأبدى نواب آخرون وعيا وغيرة على مستقبل البلد من ضياع مؤكد، ونقدر لهم تقديم استدامة وطن على استدامة كراسيهم».
مستهدفات متناقضة
وأفاد التقرير بأن «ما ينطبق على ما ذُكر من مستهدفات متناقضة، ينطبق على كل مستهدفات المحاور الأخرى، وما سيحدث هو تكرار سيناريو 2020 عندما أعلنت الحكومة احتمال عجزها عن تحقيق أي شيء، شاملاً دفع الرواتب والأجور، وانفجر نزاع معلن بين وزيري المالية والنفط حينها حول أحقية أي من الوزارتين بـ7 مليارات دينار تأخر قطاع النفط عن سدادها للخزينة العامة»، منوهاً إلى أنه في أي دولة من دول عالم اليوم، لا يطرح ضمن الخطة أو البرنامج مجموعة من الأهداف المتناقضة ما لم تكن محسوبة ضمن مصفوفات تبادلية تقدر تكلفة تحقيق تلك الأهداف وإمكانيات تلبيتها، ثم ترتب أولوية كل هدف وفق أهميته، أي تحقيق الممكن من كل هدف بدلاً من ضياع الكل، ومعه ضياع مستقبل أكثر من نصف المواطنين.
وأكد أن التحدي الحقيقي الذي يواجه البلد كيفية تغيير نهج اقتسام موارد البلد وتحويله إلى نهج ثابت لبنائها وضمان استقرار كل أجيالها، مبيناً أنه ذلك ما كان يفترض أن يكون صلب برنامج الحكومة.
وذكر التقرير«مازلنا ننتظر وعداً بتقديم رؤية تضمن الاستقرار المالي والاقتصادي، ولن نتأخر عن دعمها إن أخذت في الاعتبار تلك المآخذ، أما إن أثبتت أن تلك المآخذ التي ذكرناها غير صحيحة، حينها وجب علينا الاعتذار».
سعر الخصم
من جهة أخرى، لفت «الشال» إلى أنه بتاريخ 7 ديسمبر الجاري، رفع بنك الكويت المركزي سعر الخصم على الدينار بـ0.5 في المئة أو من 3 إلى 3.5 في المئة، حيث حدث ذلك مباشرة بعد اكتمال تشكيل مجلس إدارته، وكان قراراً صحيحاً قلص الفجوة وإن ظلت لصالح الدولار من 0.75-1 في المئة إلى 0.25-0.5 في المئة، مشيراً إلى أنه في 14 ديسمبر، أصدر«الفيديرالي» الأميركي قراره برفع سعر الفائدة الأساس على الدولار بـ0.5 في المئة إلى ما بين 4.25-4.5 في المئة، ما أعاد الفجوة لصالح فائدة الدولار إلى 0.75-1 في المئة.
وبين أن قرار «الفيديرالي» تبعه زيادة أسعار الفائدة بالنسبة نفسها، أي 0.5 في المئة، على عملات كل دول الخليج الأخرى، فيما يتخذ «المركزي» الكويتي قراراً بالزيادة ولم يُصدر بياناً يشرح موقفه أو نواياه، منوهاً إلى أنه قبل صدور قرار«الفيديرالي» بالزيادة لأسعار الفائدة الأخير، كانت الأسواق حائرة ما بين من يرجح زيادة بـ0.5 في المئة أو زيادة بـ0.75 في المئة، ولكن قبلها بنحو أسبوعين، خرج رئيس «الفيديرالي» في خطاب أكد فيه بداية تراخي الضغوط التضخمية ليصبح إجماع التوقعات على أن الزيادة المقبلة ستكون بالحد الأدنى.
وتابع التقرير «البنك المركزي سلطة مهنية ومحترفة ويستحق كل الاحترام، وله سلطة مستقلة حيث يتخذ قراراته بناء على حشد من المعلومات التفصيلية المتوافرة له، ولأن وظيفته حساسة، لابد من مراعاة أن تكون مخالفته بالرأي بحدود ضيقة مع افتراض أن احتمال أن يكون موقفه هو الصحيح هو الاحتمال الأرجح».
وبيّن «الشال»أن له رأي مخالف من موقف «المركزي» بعدم رفع سعر الخصم على الدينار بعد رفعها على الدولار وكل عملات الخليج، مضيفاً «نحن لا نتفق معه، ولكن نحترم قراره، وما لا نفهمه عدم صدور بيان يؤكد ذلك الموقف».
وأوضح أن بيئة العمل ستظل مترددة في اتخاذ قرار خوفاً من رفع قريب مقبل، فصاحب الوديعة متردد، والمقرض والمقترض مترددان، وحتى المتداول في البورصة متردد.
وأكد التقرير أن «دور البنوك المركزية -كما فعل رئيس (الفيديرالي) قبل قرار رفع الفائدة- اختصار مساحة المجهول أمام متخذ القرار في قطاع الأعمال إلى أقل الممكن، فأكبر أعداء القرار الصحيح اتساع مساحة المجهول، ونعتقد أنه من واجب (المركزي) أن يعلن عن نواياه في شأن سعر الخصم، وفيما إذا كان هناك رفع مقبل، أم أن ثبات سعر الخصم هو القرار، مشفوعاً بتبريراته».