ماذا بعد العزوف الانتخابي في تونس؟

19 ديسمبر 2022 11:00 م

تونس - أ ف ب - شهدت الانتخابات البرلمانية التونسية اقبالاً هزيلاً من قبل الناخبين، ما قد يضعف من مشروع قيس سعيّد الرئاسي والذي بدأ في ارسائه منذ العام 2021 أمام معارضة سياسية منقسمة ولا تحظى بثقة كاملة من التونسيين، وفقاً لخبراء.

كيف يمكن تفسير هذه النتائج؟

أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات السبت، ان نسبة المشاركة الأولية في الدور الأول للانتخابات النيابية كانت في حدود 8،8 في المئة، ولم يسجل هذا الرقم منذ ان انطلق مسار الانتقال الديموقراطي في البلاد اثر ثورة 2011 والتي اطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي.

وكانت الحملة الانتخابية التي تواصلت على امتداد ثلاثة أسابيع باهتة ولم يكن هناك سجال انتخابي، بعكس ما كانت عليه الأجواء خلال الانتخابات السابقة سواء في 2011 أو 2014 أو 2019.

والمرشحون الـ 1055 «غير معروفين وقليلو الخبرة السياسية»، وفقاً للخبير السياسي حمزة المؤدب، فضلاً عن كون النساء يمثلن فقط نحو 12 في المئة من عدد المرشحين.

نصّ القانون الانتخابي الجديد الذي أقره سعيّد قبل شهرين من الانتخابات، على ضرورة ألا يكشف المرشحون عن انتمائهم السياسي ونتج عن ذلك غياب كامل عن مشاركة الأحزاب.

وطالب التكتل السياسي المعارض «جبهة الخلاص الوطني» الذي يشارك فيه حزب النهضة ذو المرجعية الاسلامية، والذي كان أكثر الأحزاب تمثيلاً في البرلمانات منذ العام 2011، الرئيس التونسي بالتنحي فوراً.

والبرلمان الجديد مجرّد من الصلاحيات الفعلية التي كان يتمتع بها النواب في السابق، استناداً إلى الدستور الجديد الذي تم اقراره اثر استفتاء شعبي في يوليو الفائت ولم يشارك فيه نحو سبعين في المئة من الناخبين.

كيف سيكون رد فعل الرئيس؟

يعتبر أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعات التونسية عبداللطيف الحناشي، أن سعيّد الذي يحتكر السلطات منذ 25 يوليو 2021 «قام بحملة واسعة بمفرده للانتخابات عبر تعدد الزيارات في المدة الأخيرة من منطلق ان لديه شعبية، غير ان النتائج خذلته ولم تظهر ذلك».

ويتابع «خيبة أمل كبيرة جدا، كان يعوّل على إرادة الشعب لكنها غابت».

وبالفعل كان ظهور سعيّد في الأسابيع السابقة متعدداً من خلال زيارة بعض الأحياء الشعبية ولقاء المواطنين وكأنه في حملة انتخابية «بالوكالة» عن المرشحين للانتخابات البرلمانية.

تواجه تونس أزمة اقتصادية حادة بارتفاع مستوى التضخم في حدود 10في المئة، كما زادت تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا من غلاء أسعار المواد الأساسية كالقمح والمحروقات.

ويقول الباحث السياسي حمادي الرديسي لـ «فرانس برس»، «لقد أظهر أن لديه تأييداً شعبياً ولكن اتضح انه ليس هناك لا شرعية دستورية أو انتخابية».

ما مصير الدعوات للرحيل؟

دعت «جبهة الخلاص الوطني» والحزب الدستوري الحرّ سعيّد للاستقالة وإلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.

لكن الرديسي يؤكد أنه «لا توجد آلية لإجباره على الرحيل».

ويرى الباحث يوسف الشريف أن من الصعب «استقالة الرئيس أو حتى الاعتراف بفشل هذه الانتخابات».

ويضف الشريف أنه وحتى اثر الاستشارة الوطنية التي اقرّها الرئيس مطلع العام وشارك فيها نحو 600 ألف تونسي «رفض (الرئيس) الاعتراف بالفشل».

وأقرت الهيئة العليا للانتخابات بأن النتائج «متواضعة» في انتظار الدور الثاني مطلع مارس المقبل.

ماذا بإمكان المعارضة أن تفعل؟

تبقى المعارضة السياسية التي يتقدمها حزب النهضة، منقسمة، لأن خلفياتها الايديولوجية متضادة، وسعت منذ أن احتكر الرئيس السلطات إلى تعبئة الشارع ودأبت على تنظيم التظاهرات داعية سعيّد «المنقلب» إلى الرحيل.

لكن «البديل الذي تقدمه لا يقنع التونسيين»، وفقاً للحناشي الذي يقدر أن «العزوف الواسع ليس بالضرورة ضد قيس سعيّد، هو أن التونسيين يشعرون باحباط كبير وقرف من المشاركة السياسية ومن الطبقة السياسية».

والطرف الوحيد الذي يملك القدرة على إحداث تغيير هو «الاتحاد العام التونسي للشغل» المركزية النقابية بالنظر إلى كونه الطرف الاجتماعي الأكثر تنظيماً وكان له دور كبير في ثورة 2011.

ما موقف القوى الخارجية؟

وعد سعيّد الأطراف الخارجية «بخريطة طريق وتم تنفيذها»، وفقاً للحناشي.

وجاء بيان وزارة الخارجية الأميركية ليدعم ذلك، واعتبر الناطق نيد برايس أن الانتخابات البرلمانية «خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديموقراطي»، مؤكدا في الوقت نفسه أن نسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة تظهر الحاجة إلى مزيد من «المشاركة السياسية» على نطاق أوسع.

يُعد دعم الشركاء الأجانب حاسماً بالنسبة لتونس المثقلة بالديون والتي طلبت من صندوق النقد الدولي قرضاً رابعاً لـ 10 سنوات يبلغ نحو ملياري دولار، وهو ما سيمكن من فتح الباب أمام مساعدات أخرى، سواء من أوروبا أو دول الخليج العربي.