فيما لا يزال العلماء يحاولون معرفة المصدر الرئيسي لوجود الأكسجين في الغلاف الجوي، أشار بحث جديد نشر في دورية «نيتشر جيوساينس» (Nature Geoscience) إلى احتمال كون المصدر الأساسي لبعض أكسجين الغلاف الجوي في وقت مبكر من عمر الأرض هو حركة الألواح التكتونية، وما تسببه هذه الحركة من تكسير وتداخل لطبقات القشرة الأرضية.
ويعتمد البحث الذي أجراه باحثون في علوم الأرض من جامعة ميشيغان الأميركية وجامعة لورينتيان الكندية وجامعة بكين الصينية، على قياس مستوى أكسدة الصهارة المتولدة خلال الحقبة السحيقة الحديثة (Neoarchean era)، حيث كان الأكسجين غائباً في غلاف الأرض الجوي، وهو ما قد يوجد دليلاً على حدوث حركة تكتونية في ذلك الوقت من عمر الأرض.
صهارة مؤكسَدة
يذكر الباحثون في مقدمة بحثهم أن الصهارة المؤكسدة تتشكل عندما تدخل رواسب مؤكسدة ومياه قاع (المياه الباردة والكثيفة التي توجد بالقرب من قاع المحيط) في وشاح الأرض نتيجة حركة الألواح التكتونية وحدوث الاندساس، حيث تغرق القشرة المحيطية، وهي الطبقة الخارجية من الأرض تحت المحيطات، في وشاح الأرض، وهي المنطقة الواقعة بين قشرة الأرض ولُبِّها، عند نقاط التقاء تسمى مناطق الاندساس، الأمر الذي ينتج الصهارة التي تحتوي على نسبة عالية من الأكسجين والماء.
يقول الباحثون في مقال نشروه في موقع «ذا كونفرسيشن» (The Conversation) إن الفريق جمع عينات من صخور غرانيتية عمرها 2750 إلى 2670 مليون سنة من جميع أنحاء المقاطعة العليا (Superior Province)، أكبر قارة أرشينية محفوظة تمتد على أكثر من ألفي كيلومتر من وينيبيغ مانيتوبا إلى أقصى شرق مقاطعة كيبيك في كندا.
قياس الكبريت في بلورات الزركون
يقول الباحثون إن قياس حالة الأكسدة لهذه الصخور البركانية التي تشكلت من خلال تبريد وتبلور الصهارة أو الحمم البركانية يعد أمراً صعباً، وذلك لأن هذه الصخور قد تكون واجهت أحداث ما بعد التبلور، ما قد أحدث بها تغيرات من خلال التشويه أو الدفن أو التسخين.
ولأن أحجار الزركون لديها القدرة على تحمل درجات الحرارة الشديدة وضغوط أحداث ما بعد التبلور، فقد قرر الباحثون التدقيق في معدن الأباتيت الموجود في بلورات الزركون في عينات الصخور التي جمعوها، وذلك لأنها قد تحتوي على أدلة حول البيئات التي تشكلت فيها في الأصل، كما يمكن منها الاستدلال على أعمار دقيقة للصخور نفسها.
نسبة الكبريت
وباستخدام تقنيات متخصصة لقياس نسبة الكبريت في الصهارة الأصلية، وجد الباحثون حدوث زيادة ملحوظة في نسبة وجود الكبريت في فترة 2705 ملايين سنة تقريباً، وعلاوة على ذلك، وجدت غلبة لنسبة «+إس6» (S6+) - وهو أحد أيونات الكبريت - في معدن الأباتيت، ما يشير إلى أن الكبريت كان من مصدر مؤكسد، وهو ما يطابق البيانات من أحجار الزركون المضيفة.
صهارة غنية بالكبريت
يذكر الباحثون في مقدمة بحثهم أن النتائج تشير إلى أنه على الرغم من انخفاض تركيزات الكبريتات البحرية والتغير المؤكسد المحدود في قاع المحيط قبل حدث الأكسدة منذ نحو 2.4 مليار سنة، فإن الصهارة المؤكسدة الغنية بالكبريت تشكلت في مناطق اندساس مستقلة عن حالة الأكسدة في المحيط، ويمكن أن تؤثر على تطور المحيطات والغلاف الجوي والمعادن في العصر الحديث.
ويخلص الباحثون من هذه النتائج إلى أن الأكسجين الموجود في الصهارة قد أتى من مصدر آخر، وتم إطلاقه في النهاية في الغلاف الجوي أثناء الانفجارات البركانية، ورغم أن الآلية غير واضحة بشكل دقيق، فإن وجود هذه الصهارة المؤكسدة يشير إلى أن عملية الاندساس حيث يتم نقل مياه المحيطات لمئات الكيلومترات داخل كوكبنا تولد أكسجيناً حراً، يؤدي هذا بعد ذلك إلى أكسدة الوشاح العلوي، طبقاً لـ «الجزيرة.نت».