بعدما بلغت من العمر أرذله، مازالت أشجار الكويت المُعمّرة تقف شامخة، لكنه شموخ ممزوج بمرارة الإهمال ومخاوف التعديات من أيدٍ تطاولت على عجائزها فاقتلعت بعضها من جذورها وأفسدت البعض الآخر.
وطرح ناشطون بيئيون قلقهم على عتبة «الراي»، مؤكدين أن «ملف الأشجار المُعمّرة في الكويت، التي يمتد عمر بعضها لأكثر من 150 عاماً، يستوجب تحركاً سريعاً وفعالاً من أجل سن تشريعات تحمي هذه الأشجار، وتدخلها ضمن قاعدة بيانات، وتدرجها كمزار سياحي».
جنان بهزاد: جمعها في قاعدة بيانات وتحويلها إلى مزارات سياحية
أكدت مديرة البرامج والأنشطة عضو مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحماية البيئة جنان بهزاد أن «الأشجار ضرورة لنظامنا البيئي وغالباً ما يشار إليها باسم رئتي الأرض، لأنها قادرة على تخزين الكربون وإنتاج أوكسجين إضافي لكوكبنا»، لافتة إلى أنها «تعمل أيضاً على تثبيت التربة، ويمكن أن تقلل درجة حرارة الهواء والرطوبة، فضلاً عن تقليل الفيضانات وتحسين جودة المياه».
وقالت في تصريح لـ «الراي»، إن «الأشجار تلعب دوراً مهماً في زيادة التنوع البيولوجي في المناطق الحضرية وتوفير الموائل الطبيعية للنباتات والحيوانات والحشرات، بالإضافة إلى دورها في اضفاء الظل والجمال على المناطق، ويمكن للشجرة الناضجة أن تمتص ما يصل إلى 150 كيلوغراماً من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً وتطلق الأوكسجين في المقابل».
وأوضحت بهزاد أن «حماية الأشجار هي أفضل طريقة لوقف ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية بفضل قدرتها على امتصاص الكربون وإنتاج الأوكسجين، وهي مشكلة ملحة تحتاج إلى معالجة، وسببها الرئيسي زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي»، لافتة إلى أن «توافر الأشجار القديمة والتراثية جزء من الشعور بأصالة المكان، وهي ذات أهمية بيولوجية وثقافية وتاريخية بسبب عمرها أو حجمها وجاذبيتها الجمالية، لكنها تتعرض للكثير من الأخطار مثل الإهمال ونقص وعي أهمية الحفاظ عليها، والتهديدات من التنمية الحضرية وما إلى ذلك».
وأضافت: «يجب أن يكون هناك تدابير تشريعية تهدف للحفاظ على الأشجار ذات الأهمية التراثية والقديمة من أجل تعزيز قضية البيئة والتراث»، مشيرة إلى أنه «من المهم أيضاً جمع الأشجار ضمن قاعدة بيانات لتسجيل حالتها وعمرها وحالة حمايتها وجعل الأشجار المعمرة مزاراً سياحياً، كما هو في معظم دول العالم».
سعاد الجارالله: تصويرها وترقيمها وحمايتها تشريعياً
قالت رئيسة مبادرة «نحميها» سعاد أحمد الجارالله لـ «الراي»، إن «الأشجار لها أهمية كبيرة في ظل التغيرات المناخية التي يمر بها العالم، ونظراً لأهمية دورها في تحسين الظروف المناخية القاسية في بلدنا الكويت أرى ضرورة سن تشريعات لحماية الأشجار المعمرة التي تشكل ثروة وطنية، وتتعرض مع الأسف يومياً إلى تجريف من قبل الشركات التي تنفذ مشاريع عمرانية، من دون أي رادع قانوني».
وشددت على «أهمية دور منظمات المجتمع المدني البيئية ووعيها بأهمية وضروة حماية الأشجار المعمرة»، داعية تلك المنظمات إلى «المبادرة بتصوير وترقيم الأشجار المعمرة وتقديم المقترحات بتشريعات تحمي هذه الثروة الطبيعية، فصمود هذه الأشجار أمام أجوائنا في الصيف في ظل درجة حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية مع ندرة المياه يجعل من الحري بنا حمايتها ورعايتها ومضاعفة أعدادها».
واعتبرت أن «نشر ثقافة (حماية الأشجار المعمرة) في المدارس أمر ذو أهمية»، مشيرة إلى ضرورة «تعليم الطلبة أنواع الأشجار المعمرة وكيفية التعامل مع الأشجار، والمحافظة عليها وطرق إكثارها، وأثر ذلك على المناخ العام في بلدنا يشكل هماً عندنا في مبادرة (نحميها)، ونسعى إلى نشر هذه الثقافة من خلال المواءمة مع المناهج الدراسية».
سعد الحيان: إدراج أهميتها في المناهج التعليمية
دعا الناشط البيئي سعد الحيان إلى مزيد من الاهتمام بالتشجير بشكل عام والأشجار المعمرة بشكل خاص، لافتاً إلى أن «الأشجار المعمرة عادة ما تكون محط رعاية واهتمام من جميع دول العالم ومحل فخرها».
وذكر الحيان، الذي ساهم في تأسيس بنك البذور الكويتي، أن «التوعية بأهمية الأشجار المعمرة، يجب أن تكون جزءاً من ثقافتنا العامة في المجتمع الكويتي، كما يجب إدارج هذه الثقافة في المناهج التعليمية».
أحمد الدويلة: التشريعات موجودة لكن يجب تفعيلها
شدد الناشط البيئي المزارع أحمد عبدالله الدويلة، على «ضرورة حماية الأشجار المعمرة في الكويت، كما حماها أجدادنا من قبل، فهذه الأشجار هي تراث بيئي وحضاري يدل على اهتمام الأجداد بغرس الأشجار رغم صعوبة المناخ وقلة الأمطار، فمن الواجب والمسؤولية الاجتماعية والبيئية المحافظة عليها لضمان استمراريتها للأجيال القادمة».
وفي شأن التشريعات المطلوبة لحماية الأشجار المعمرة، أشار الدويلة إلى أنها «موجودة ولكنها غير مُفعّلة، فهناك قانون حماية البيئة رقم (42) لسنة ( 2014) الذي قنّن حماية البيئة والأشجار بشكل جيد، ولو نظرنا إلى المادة (41) التي تنص على منع قلع النباتات والأشجار، واشترط طلب الإذن في حال تم القلع لدواعٍ تنموية مع ضرورة تعويض ما تم اقتلاعه من المسطحات الخضراء والأشجار، ونص على عقوبة لمخالفة هذا القانون لا تقل على 250 ديناراً ولا تزيد على 5 آلاف دينار».
وطالب الدويلة بتفعيل تطبيق القانون من قبل الجهات المختصة، مناشداً المسؤولين متابعة الجهات المنوط بها تنفيذ القوانين التي تجرم اقتلاع الأشجار، متسائلاً «ما الفائدة من القانون من دون وجود تطبيق عملي له؟».
«السدر»... سيدة الأشجار
عن أهم الأشجار المعمرة في الكويت، قال الدويلة «شجرة السدر المحلية التي استظل أجدادنا بظلها وثمرها وعسلها، واستخدموا خشبها في منافع عدة، تعتبر من أكثر الأشجار المعمرة انتشاراً في الكويت وتستحق وضع آلية لحصرها».
ملجأ للطيور
عدّد الدويلة منافع الأشجار المعمرة، قائلاً: «لا يخفى على أحد منافع الأشجار من تحسين نوعية الهواء بإنتاج الأوكسجين، وسحب ثاني أكسيد الكربون وتبريد الهواء، وإنتاج الغذاء، فضلاً عن كونها ملجأ للعديد من الكائنات الحية كالطيور والنحل، وتشير الأبحاث بأن العيش بمقربة الاشجار والمسطحات الخضراء في المدن يحسن من الصحة البدنية والعقلية للإنسان».
مشروع الترقيم
في شأن آلية حصر الأشجار المعمرة، دعا الدويلة الهيئة العامة للبيئة وهيئة الزراعة والثروة السمكية لبدء مشروع ترقيم الأشجار المعمرة لحمايتها وحصر أعدادها وأنواعها، بنظام تحديد المواقع (GPS)، لافتاً إلى أن هذا المشروع تم تطبيقه في عدد من دول الجوار، ومن السهل تطبيقه بالكويت.