تبدو عند تقاطع رهانات جيوسياسية عدة

الهند... قوة صاعدة تسعى إلى حجز مكان بين الكبار

7 ديسمبر 2022 11:00 م

نيودلهي - أ ف ب - 75 عاماً مرت على استقلالها، والهند في طريقها لأن تصبح الدولة الأكثر اكتظاظاً في العالم، فضلاً عن كونها عضواً في نادي القوى النووية وتحتل المرتبة الخامسة بين اقتصادات العالم متقدمة على بريطانيا، قوتها الاستعمارية السابقة.

في هذا السياق، تطالب الهند بمعقد دائم في مجلس الأمن الى جانب الولايات المتحدة والصين وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا. لكن المحللين يرون أن أمام نيودلهي تحديات عدة قبل أن تتمكن من احتلال مكانة نافذة على الساحة الديبلوماسية العالمية.

يبلغ عدد سكان الديموقراطية الهندية 1.4 مليار نسمة، وتبدو عند تقاطع رهانات جيوسياسية عدة مع إمكان أن تشكل منافساً للصين التي تنحو الى نظام أكثر سلطوية في ظل حكم شي جينبينغ.

وهي البلد الوحيد العضو في الوقت نفسه في منظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها موسكو وبكين، وفي مجموعة كواد (الحوار الأمني الرباعي) التي نشأت من مبادرة أطلقتها الولايات المتحدة مع اليابان وأستراليا بهدف احتواء النفوذ الصيني في منطقة آسيا-المحيط الهادئ.

وشاركت الهند أيضاً في تأسيس مجموعة الاقتصادات الناشئة (بريكس) التي تضم البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا بغية التصدي لتأثير بنى الحوكمة الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة وأوروبا.

طوال عقود، ظلت الهند على الهامش على الصعيد الديبلوماسي، مكتفية بدور داخل منظمة دول عدم الانحياز التي نأت بنفسها من القوتين الكبريين إبان الحرب الباردة، مع إقامة صلات وثيقة بموسكو كونها تحتل المرتبة الأولى لجهة إمدادها بالأسلحة.

وقال سمير ساران، رئيس مركز «أوبرزفر ريسيترش فاونديشن» للأبحاث في نيودلهي، لوكالة فرانس برس إنه وسط مشهد استراتيجي متحرك في القرن الحادي والعشرين، «يزداد طموح الهند إلى أن تكون نافذة وحاضرة ومستمعاً إليها».

- الفحم وروسيا

لكنه رأى أن المهم معرفة ما إذا كانت الهند «مستعدة للاضطلاع بمسؤولية لاعب بهذه الأهمية»، وخصوصاً أنها حققت نتائج متباينة على الساحة الدولية.

ففي قمة المناخ كوب 26 العام الفائت، تعرضت نيودلهي للانتقاد لأنها أخفقت في تعهدها «الاستغناء عن الفحم»، علما أنها ثاني مستهلك له في العالم والبلد الثالث على صعيد انبعاثات الكربون.

وبعد ثلاثة أشهر من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للهند حيث أشاد بها كـ «قوة كبيرة وأمة صديقة وصديق قديم»، بادرت قواته إلى غزو أوكرانيا.

طوال أشهر، رفضت نيودلهي فرض عقوبات على موسكو وازدادت عمليات شرائها للخام الروسي بواقع ستة أضعاف حتى بلغت تجارتهما الثنائية مستوى قياسياً، بحسب الأرقام الرسمية.

وذكّرت الباحثة تانفي مدان بأن «دولاً مثل الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا وبلدانا أخرى في آسيا-المحيط الهادئ تعتبر الهند منافساً جيوسياسياً للصين وبديلاً اقتصادياً منها ونقيضها الديموقراطي».

غير أن «السؤال الكبير» يبقى في رأيها ما إذا كانت الهند قادرة على «انتهاز هذه الفرصة في الوقت المناسب»، ولاسيما أن المستثمرين يفكون ارتباطهم بالصين فيما تسعى الشركات الدولية التي تواجه صعوبات اقتصادية وتنظيمية إلى نقل مقارها.

ويتوقع صندوق النقد الدولي نشاطاً اقتصادياً بنسبة 6.8 في المئة هذا العام في الهند، أي ما يتجاوز ضعف النشاط الصيني، فضلاً عن وتيرة نمو العام المقبل ستكون الأسرع في العالم.

- مجاملات

لكن فيتنام وتايوان وتايلند، تبدو أكثر اجتذاباً من الهند. فرغم سوقها الداخلية المترامية وانتشار اللغة الإنكليزية فيها إلى حد بعيد، لاتزال نيودلهي تعاني البيروقراطية ونظاماً ضريبياً معقداً، يضاف غليهما نظام قانوني مضطرب وفساد متجذر.

ومعلوم أن الهند والصين جمدتا علاقاتهما بعد مواجهة حدودية عسكرية دامية العام 2020، على خلفية خلافات حدودية وتجارية وتكنولوجية.

ومذاك، لم يسجل أي لقاء بين الرئيس شي ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، باستثناء «تبادل مجاملات» في القمة الأخيرة لمجموعة العشرين في إندونيسيا.

في هذا الوقت، تعمل نيودلهي على تعزيز جيشها ودفاعاتها الحدودية وصناعتها الدفاعية، خصوصاً عبر غواصات ذات دفع نووي وأول حاملة طائرات هندية الصنع.

كذلك، فإن برنامجها الفضائي المحدود الكلفة جعل منها البلد الرابع الذي يرسل مركبة مدارية إلى كوكب المريخ مع سعيها إلى تنفيذ مهمة مأهولة في المدار.

لكنها تظل بعيدة جداً من الصين التي راكمت خبرة كبيرة في هذه القطاعات منذ وقت طويل.

واعتبر الديبلوماسي الهندي السابق نافديب سوري أن بلاده حققت قفزات نوعية في قطاعات عدة، لكنه لاحظ أن صفة «القوة العالمية تستند إلى القوة الاقتصادية والعسكرية، ولا نزال بعيدين جداً من ذلك».

من جهته، اعتبر سمير ساران أن الهند ستصبح «صوتاً ولاعباً أكثر أهمية وأوسع نفوذاً» في إطار السعي إلى تحقيق مصالحها وقيمها.

وأضاف «لن نكون خاضعين لأجندات الآخرين وسنكون أكثر حضوراً».