أعلن الجيش الأوكراني، أمس، أن موسكو سحبت بعض قواتها من بلدات على ضفة نهر دنيبرو المقابلة لمدينة خيرسون، وذلك في أول تقرير رسمي عن انسحاب روسي لما أصبح الآن خط المواجهة الرئيسي في الجنوب.
ولم يذكر البيان سوى تفاصيل محدودة ولم يتطرق إلى عبور أيّ قوات أوكرانية لنهر دنيبرو.
وشدّد مسؤولون أوكرانيون على أن روسيا كثفت القصف عبر النهر، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي مجددا في خيرسون حيث لم تبدأ استعادة الكهرباء إلا بعد قرابة ثلاثة أسابيع من إخلاء القوات الروسية للمدينة والفرار إلى الضفة الأخرى من النهر.
ومنذ أن تخلت روسيا عن خيرسون الشهر الماضي، بعد تسعة أشهر من غزوها أوكرانيا، أصبح النهر يُشكل الآن الجزء الجنوبي الكامل للجبهة.
وطلبت روسيا بالفعل من المدنيين إخلاء البلدات الواقعة على بعد 15 كيلومتراً من النهر وسحبت إدارتها المدنية من نوفا كاخوفسكا على ضفة النهر.
وقال مسؤولون أوكرانيون في وقت سابق، إن روسيا سحبت بعض المدفعية قرب النهر إلى مواقع أبعد أكثر أماناً، لكن حتى الآن لم يصلوا إلى حد التأكيد ان القوات الروسية تنسحب من البلدات.
وتابع الجيش الأوكراني «لوحظ انخفاض في عدد الجنود الروس والمعدات العسكرية في بلدة أوليشكي»، مشيراً إلى البلدة المقابلة لمدينة خيرسون على الجانب البعيد من الجسر المدمر فوق دنيبرو.
وأضاف «سحب العدو قواته من بلدات معينة في مقاطعة خيرسون وتم نشرها في مناطق غابات على طول هذا الجزء من طريق أوليشكي-هولا بريستان السريع»، مشيراً إلى مسافة يبلغ طولها 25 كيلومتراً من الطريق عبر المدن المطلة على النهر والمنتشرة في الغابات على الضفة المقابلة لمدينة خيرسون.
وأردف أن معظم القوات الروسية في المنطقة تم حشدها في الآونة الأخيرة من جنود الاحتياط، موضحاً أن القوات الروسية المحترفة عالية التدريب، غادرت المنطقة بالفعل.
ولم يتسن لـ «رويترز» التحقق بشكل مستقل من صحة التقرير.
ساحة قتال
وتدخل حرب أوكرانيا مرحلة جديدة لا هوادة فيها مع بداية أول شتاء منذ الغزو الروسي في 24 فبراير الماضي.
وبعد انسحابها من الجنوب في نوفمبر، ركزت موسكو قوتها النارية على جزء من خط القتال الأمامي في الشرق قرب مدينة باخموت، حيث يُعتقد أن مئات الجنود يموتون يوميا في بعض من أشرس المعارك وأكثرها دموية في الصراع.
ولم يعلن أيّ من الجانبين عن مكاسب تذكر في ما يتعلق بالسيطرة على أراض جديدة.
وأفادت القوات الأوكرانية بأن عدداً من المدن على خطوط القتال الأمامية يتعرض لقصف شديد.
وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي في خطاب بثه التلفزيون الليلة قبل الماضية «نحلل نوايا المحتلين ونُعد إجراءات مضادة، إجراءات مضادة أشد مما هو عليه الحال الآن».
وتشن روسيا منذ أوائل أكتوبر، هجمات ضخمة بصواريخ وطائرات مسيرة كل أسبوع تقريباً في كل أنحاء أوكرانيا لتعطيل إمدادات الطاقة والمياه والتدفئة.
وتعتبر كييف والغرب ان هذه الهجمات تهدف إلى إلحاق الضرر بالمدنيين، وهو ما يُشكّل «جريمة حرب».
لافروف
ودافع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن هذه الضربات، أمس، قائلاً إن موسكو تستهدف البنية التحتية المدنية الأوكرانية لمنع كييف من استيراد أسلحة غربية.
وأضاف «نعطل منشآت الطاقة التي تسمح لكم (الغرب) بضخ أسلحة فتاكة في أوكرانيا لقتل الروس».
ودعا الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع، إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المسؤولين الروس المتهمين بشن العدوان وارتكاب جريمة حرب متمثلة في الاعتداء على دولة أخرى من دون مبرر.
ورفض الكرملين هذه الدعوة أمس. وقال الناطق ديمتري بيسكوف «بالنسبة لمحاولات إنشاء محكمة بشكل ما. لن تكون شرعية ولن نقبلها وسنندد بها».
كما قال لافروف، إن واشنطن وحلف شمال الأطلسي، متورطان في الحرب لأنهما يزودان أوكرانيا بالسلاح ويقدمان لها التدريب العسكري على أراضيها.
واعلن خلال مؤتمر صحافي، ان الولايات المتحدة جعلت من أوكرانيا تهديداً «وجودياً» لروسيا.
وأكد ان روسيا لم تنسحب أبداً من أي اتصالات مع الولايات المتحدة لكن الروس لم يسمعوا أي «أفكار ذات قيمة كبيرة» من نظرائهم الأميركيين.
لكنه قال إن أجهزة الاستخبارات الأميركية والروسية تجري محادثات في شأن عمليات تبادل محتملة لسجناء وإنه يأمل في نجاحها.
وأضاف لافروف إن «التوسع غير المحسوب» لحلف الأطلسي قلل من قيمة المبادئ الأساسية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وتابع «يحاول الغرب منذ سنوات طويلة خصخصة هذه المنظمة (لمصلحته) مستغلا تفوقه العددي فيها... أو ربما من الأدق أن نقول إنه يحاول الاستحواذ على منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والهيمنة على هذا المنتدى الأخير للحوار الإقليمي».
واتهم لافروف حلف شمال الأطلسي بتأجيج التوتر قرب الصين بطريقة تمثل مخاطر بالنسبة لروسيا.
وقال «نعلم مدى جدية الصين في التعامل مع مثل هذه الاستفزازات، ناهيك عن تايوان ومضيق تايوان، وندرك أن لعب حلف شمال الأطلسي بالنار في هذه المناطق يشكل تهديدات ومخاطر لروسيا الاتحادية، إنه قريب من شواطئنا وبحارنا مثل الأراضي الصينية».
وذكر لافروف أنه لهذا السبب تطور روسيا التعاون العسكري مع الصين وتجري تدريبات مشتركة.
ولم يقدم لافروف أدلة تدعم تأكيداته لكنه أشار إلى تشكيل تحالف «أوكوس» بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
كما اتهم الحلف بمحاولة جر الهند إلى ما سماه تحالفاً مناهضاً لروسيا والصين، في وقت قال إن الغرب يحاول فيه الضغط على النفوذ الروسي.
واعتبر لافروف أن تصريحات البابا فرنسيس الأخيرة «تناقض المسيحية»، بعدما أفاد الحبر الأعظم بأن المقاتلين المنتمين إلى الأقليات العرقية الروسية من بين القوى «الأكثر قسوة» في حرب أوكرانيا.
وقال إن «البابا فرنسيس يدعو إلى الحوار لكنه أدلى أخيرا بتصريح غير مفهوم ويُناقض المسيحية تماما، إذ صنّف شعبين روسيين على أنه يُمكن توقع فظائع منهما في إطار الأعمال العدائية».