وفاة الإعلامي المخضرم تزامنت مع ذكرى مرور 61 عاماً على أول بث لتلفزيون الكويت

السنعوسي... تاريخ من الإنجازات لا تُغلق صفحاته

15 نوفمبر 2022 11:00 م

عاش حياةً صاخبةً بالعطاء والإنجاز، وغادرها بكل هدوء رغم مرارة الألم...

إذ فقدت الكويت صباح أمس، جزءاً كبيراً من تاريخها الإعلامي والفني والسياحي، برحيل كبير الإعلاميين والصحافيين المخضرم وزير الإعلام الأسبق محمد ناصر السنعوسي، الذي وافته المنية عن 84 عاماً، أفنى معظمها في العمل على نهضة وتطوير وازدهار مؤسسات الدولة بمختلف المجالات، والمناصب التي شغلها، فأشغلته بهمومها وأعبائها التي حملها على عاتقه لعقود مضت، فكان دائماً الرجل المناسب في المكان المناسب.

فبعد صراع مع المرض، خسر «بوطارق» معركته مع الحياة، بعد سلسلة طويلة من الانتصارات التي حققها في مسيرته على مختلف الجبهات، منذ إسهامه في تأسيس تلفزيون دولة الكويت في العام 1961، مروراً بإنتاجاته السينمائية لأهم الأفلام العربية التاريخية، مثل فيلمي «الرسالة» و«عمر المختار»، أو تطويره للبنية الترفيهية في الكويت، خلال توليه مديراً للمشروعات السياحية.

رحل السنعوسي، ولكن ظلّ على إثره تاريخاً حافلاً من الإنجاز لا تُغلق صفحاته.

ولعل المفارقة الأبرز، أن تتزامن وفاة الراحل مع ذكرى مرور 61 عاماً على أول بث لتلفزيون الكويت في 15 من شهر نوفمبر العام 1961... التلفزيون الذي كان له دور بارز في تأسيسه.

تلفزيون «الراي»... «بيت» السنعوسي

كان الراحل محمد السنعوسي من «أهل بيت» تلفزيون «الراي»، هو الذي كان على مدار السنوات الماضية، يجيب عن كل اتصال ليحل ضيفاً على برامج «الراي»، بعبارة «الراي بيتي».

إلا أن الرحلة بدأت مع شاشة «الراي» قبل ذلك بكثير، إذ صاحب انطلاقتها بعد عام، فجلس إلى طاولة المقدم في العام 2005 ليقدم برنامج «السنعوسي على الراي»، ليعود بعدها بعام ليجلس إلى الطاولة ذاتها مقدماً ومحاوراً في برنامج «الإثنين»، الذي جمعه بالمخضرم وزير التربية عضو مجلس الأمة الأسبق الراحل الدكتور أحمد الربعي.

في البرنامج الأول، استطاع الراحل بقدرته المميزة على استقطاب المشاهدين والكاريزما التي تجعله يتغلغل بسهولة إلى قلوب الناس، أن يستعرض أهم القضايا والملفات التي تهم وتشغل بال الرأي العام، وذلك من خلال تقارير ميدانية عن الموضوعات التي يتناولها البرنامج، وكذلك من خلال المقابلات التلفزيونية التي قدمها.

أما في برنامج «الإثنين»، فقد تبارى حينها مع الراحل الربعي بما يحملانه من ثقافة وكفاءة وجرأة، في طرح الموضوعات والقضايا المسكوت عنها، وغيرها من الموضوعات الحيوية والمهمة التي كانت تشغل الجميع آنذاك.

وكان هذا البرنامج يتلمس ما يحدث في الشارع ويتحدث عنه ويكشف الحقائق من خلال أداء متزن وإيقاع سريع، وقد انعكس دوره في معالجة قضايا كثيرة مهمة من جانب أصحاب القرار، وهو ما جعله محل اهتمام على المستويين الشعبي والرسمي، في حين اتخذ منه الإعلاميون والسياسيون العرب قدوة ومنهجاً.

طالب الرفاعي: برحيله... ترحل حقبة إعلامية كويتية باهرة

«هي الحياة، كلنا يعبر الدرب، ويوماً ما يصل لخاتمته».

هكذا بدأ الأديب طالب الرفاعي كلامه لـ«الراي»، عن الراحل السنعوسي، وأضاف «الحديث عن المرحوم الصديق العزيز الإعلامي القدير الأستاذ محمد السنعوسي، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه، هو حديث عن حقبة مضيئة وباهرة من الإعلام الكويتي.

ومؤكد يستحق (أبو طارق) أن يُدرَّس بصفه مدرسة في الإعلام، فهو الرجل الذي استطاع بتميّز وجراءته وعفويته وصدق، أن يخاطب أبناء الشعب الكويتي في جميع القضايا التي تمسّ وتؤثر في حياتهم، ثم هو المبدع الذي تعاون مع أهم المخرجين العالميين في السينما وعلى رأسهم المخرج مصطفى العقاد».

وأردف الرفاعي «كثيرة وكثيرة جداً هي المحطات في حياة الراحل، ومن بينها أنه كان وزيراً للإعلام ورئيساً للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يوم كنت أنا مديراً لإدارة الثقافة والفنون، وكم سرني العمل معه وبتوجيهاته.

لكن ما يبقى في الروح أن المرحوم كان صديقاً مقرباً لي، وكان صديقاً للعائلة، ولذا ما كانت تخلو جلسة من جلسات (الملتقى الثقافي) في بيتي من حضوره وآرائه».

وختم كلامه «للسنعوسي إرث إعلامي سيبقى خالداً، وله بصمات إعلامية وفنية يصعب محوها، وله واسع المغفرة، وأن يتغمده الله برحمته، ويدخله فسيح جنانه، إنا لله وإنا إليه راجعون».

الحوطي: سبق عصره وفقده الوطن والعالمان العربي والإسلامي

«فكرة السنعوسي»... جمعت نجوم الكرة الخليجية في الكويت

| كتب صادق الشايع |

لم تتوقف إبداعات السنعوسي عند الجانب الإعلامي أو الفني، بل تجاوزته إلى مجالات أخرى رحبة من بينها الرياضة وتحديداً كرة القدم.

ففي مطلع العام 1980 كانت الكويت تحتفل بالعيد الوطني التاسع عشر، وقتها طرح الراحل، وكان يشغل وقتها منصب وكيل وزارة الإعلام، فكرة جديدة وغير مسبوقة تمثلت في تشكيل أول منتخب للخليج في تاريخ اللعبة بالمنطقة لمقابلة فريق عالمي على أرض الكويت، وبالفعل تم الاتفاق مع نادي هامبورغ بطل الدوري الألماني والذي كان يضم نخبة من نجوم المنتخب الألماني بالاضافة الى أفضل لاعب في أوروبا، الإنكليزي كيفن كيغان.

ولم تتوقف «مفاجآت» السنعوسي عند هذا الحد، بل طرح فكرة أخرى مثيرة وغريبة بأن يصل حكم المباراة إلى أرض الملعب عبر طائرة عمودية «هليكوبتر» غير أن الحكم وقتها، المرحوم عبدالعزيز السلمي اعتذر عن عدم تنفيذ الفكرة، فقرر السنعوسي أن يتم إنزال كرة المباراة إلى الملعب بالطريقة ذاتها وعبر أحد المظليين.

وأقيم اللقاء يوم 15 فبراير 1980 على استاد نادي الكويت، وقدم منتخب الخليج مباراة تاريخية ما زالت راسخة في أذهان جماهير المنطقة انتهت بالتعادل 5-5.

ويقول قائد منتخب الخليج، النجم سعد الحوطي لـ «الراي»: «كانت إقامة المباراة فكرة إبداعية غير مسبوقة، مازلت أعتز بالمشاركة فيها مع نخبة من نجوم الخليج، وكان وراءها شخص مبدع سبق عصره هو الأخ العزيز محمد السنعوسي، رحمه الله».

واعتبر الحوطي أن «الكويت خسرت قامة كبيرة تميز في المجالات الإعلامية والفنية والسياحية، وشخصاً وطنياً نظيفاً ومخلصاً لا يعوّض، عمل للوطن من دون منّة وخسر الكثير في سبيل ذلك».

الساعات الأخيرة في حياة السنعوسي

«رغم شدة الألم وقسوة المرض، إلا أن بوطارق كان يتعامل معنا بـ(شياكته) المعهودة، وابتسامته الدائمة»...

الكلام لأحد المترددين على منزل الإعلامي القدير الراحل في الساعات الأخيرة، حيث حكى لـ «الراي» ما كابده السنعوسي من معاناة مريرة، مؤكداً أنه «كان رجلاً مؤمناً بالقضاء والقدر، وتحمل الألم بصبر كبير، حتى أنه بدا ودوداً ولطيفاً مع المحيطين به، وحرص على عدم إزعاجهم أو إثارة الفزع في قلوبهم».

ولفت إلى أن عائلة السنعوسي، آخر الأشخاص الذين شهدوا لحظة الوداع، إلى جانب الفريق الطبي الذي اتخذ من منزل «بوطارق» مركزاً صحياً مصغراً لمتابعة حالته أولاً بأول، «لكنها مشيئة الله، ولا اعتراض على ذلك».

أقوال من ذهب

• هناك طاقات شبابية لكنها لا تظهر، لأن المسؤول عنها لا يستطيع أن يفهم هؤلاء المبدعين أو التعاون معهم.

• لابد من إعطاء مساحة وحرية في الفكر الدرامي.

• بإمكانك أن تكون دكتوراً مثلاً أو بروفيسوراً وحتى جنرالاً «منو يشيّك عليك لو كنت فعلاً أم لا»، لكن في النهاية عملك في الساحة هو من سيثبت إن كنت تستحق اللقب أم لا.

• «ممكن ما أروح فرح، لكن مو ممكن ما أروح عزاء»، وما أفعله هو واجب على كل مسلم ويُشعر بالارتياح الحقيقي عندما يعزي أهل البيت.

• كنت أنظف بنفسي الأرض والحمامات في تلفزيون الكويت، لعدم وجود عامل نظافة في حينها.

• ثقافة الديموقراطية غير موجودة في الكويت، «وهذه حقيقة يجب أن نواجهها، وعلينا كما نعلم الشباب في المدارس، أن نعلمهم منهج الديموقراطية وأن نفهم الكثير عنها حتى نمارسها».

إصدارات وحكايات

صدر للسنعوسي 3 كتب أولها بعنوان «تلفزيون الكويت... تاريخ وحكايات»، والذي يُوثّق من خلاله مسيرة الإعلام الكويتي منذ الاستهلال وما مر به من صعوبات، وأهداه إلى روح ابنه طارق، وإلى زوجته باسمة سليمان وابنيه زياد ولولوة، «الذين عرفوا وقدّروا أن التلفزيون كل معاناتي وأجمل أيام حياتي».

أما الكتاب الثاني، فكان عنوانه «رجل من الزمن الجميل... فهد عبدالرحمن المعجل»، والذي يجسد فيه كل الصور والوفاء بين الأصدقاء.

وكان كتابه «تجربتي في المشروعات السياحية وحكايات أخرى» هو ثالث كتاب له وآخر إصداراته الأدبية، حيث صدر عن دار «ذات السلاسل».

التاريخ في سيرة ذاتية

ولد محمد ناصر السنعوسي في 15 من شهر يناير العام 1938، وفي العام 1945 بدأ المسيرة التعليمية في المدرسة القبلية ومنها إلى «المثنى» في «المرقاب، وصلاح الدين».

في العام 1960، تخرج في الكلية الصناعية والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية (القاهرة). لكنه قطع الدراسة في العام 1961 وعاد إلى الكويت للمساهمة في تأسيس تلفزيون الدولة، والعمل به مخرجاً ومعداً ومنتجاً.

وخلال العام 1962 تم الابتعاث إلى دورة تدريبية في محطة الإذاعة البريطانية BBC وأخرى إلى محطة ITV والتدريب في أكبر استوديو للإنتاج بمدينة ويمبلدون.

وفي العام 1963 تمت تسميته مساعداً للمراقب العام في تلفزيون الكويت مع مواصلة العمل في الإخراج والإعداد والتقديم والإنتاج والتخطيط، وترقى إلى منصب «المراقب العام».

بدأ في العام 1966، الدراسة في جامعة جنوب كاليفورنيا، لوس أنجليس الأميركية (جامعة USC)، والزواج من رفيقة الدرب باسمة سليمان.

وبعدها بعام، قام بإخراج وإنتاج 8 حلقات تلفزيونية وثائقية عن واقع إمارات الخليج العربي لصالح مؤسسة «يونايتد أرتيست الأميركية»، عرضت ضمن سلسلة «عالم قيصر».

في غضون ذلك، حصل على بكالوريوس وسائل الإعلام من جامعة USC الأميركية، بعد ثلاث سنوات فقط من الالتحاق بها، والجامعة تضع اسمه على لائحة الشرف.

وتولى الراحل خلال مسيرته العديد من المناصب، أبرزها وزير الإعلام ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة المشروعات السياحية.

«الإعلام» و«مجلس الثقافة»: مسيرته مليئة بالعطاء

فيما نعت وزارة الإعلام الإعلامي القدير، وصف المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مسيرته بـ«المليئة بالعطاء والإنجاز في المجال الإعلامي والثقافي».

ونقلت المتحدث الرسمي باسم الوزارة أنوار مراد في بيان صحافي تعازي ومواساة وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري لأسرة الفقيد، داعياً المولى عز وجل أن يلهمهم جميل الصبر وحسن العزاء.

كما عزّى الأمين العام لـ «مجلس الثقافة» بالتكليف الدكتور عيسى الأنصاري الكويت بفقدها «أحد الروّاد والمؤسسين للحركة الإعلامية والثقافية، والذي يعد أحد أعمدة القطاع الاعلامي والتلفزيوني في البلاد».