فلسفة قلم

قِمم العرب... «آلام وآمال»

3 نوفمبر 2022 10:00 م

عوامل عدة اجتمعت لتجعل من القمة العربية الـ 31 في الجزائر، ذات أهمية، ومنها تجربة وباء كورونا المريرة، وما أعقبها من اضطراب عالمي نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية، وتطورات أزمة المناخ، وحالة عدم الاستقرار السياسي في العديد من البلدان العربية، بالإضافة إلى ما تعيشه الأسواق العالمية من أزمات اقتصادية أدت إلى ركود تضخمي، إلا أن ما يجعل من هذه القمة استثنائية وذات أهمية قصوى في نظري، هو الفراغ السياسي الذي خلفته الولايات المتحدة بعد انسحابها التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، وتخليها عن ممارسة دور «شرطي المنطقة».

أميركا الدولة العظمى وحليفنا الاستراتيجي، باتت اليوم منشغلة بمشاكلها الداخلية وصراع السيادة العالمية مع منافستها الصين الصاعدة، ولم تعد تتحمل كلفة ممارسة دورها الذي اختارته في حماية أسواق الطاقة الخليجية، الأمر الذي فتح شهية دول أخرى، مثل تركيا وإيران للعب دور «شرطي الشرق الأوسط»، بدلاً من «العم سام».

ولأن معظم الدول العربية رفضت بقوة هذا التدخل الجديد خلال السنوات القليلة الماضية، زاد الاضطراب في محيطنا الإقليمي وصار التضامن العربي ضرورة ملحة، بأن يكون للدول العربية كلمة موحدة وثقل إقليمي ومرتكز جيوسياسي.

ورغم أن الحل الشامل في الوقت الراهن صعب بسبب الآلام العميقة التي تعيشها المنطقة، إلا أنه يبقى أكبر تحد تواجهه القمم العربية، ويحتاج إلى وقت حتى يتحقق.

نعم العالم العربي يعيش في فراغ دستوري عميق، وآلام الانقسامات الداخلية والصراعات الأهلية والتدخلات الخارجية، سواء كانت غربية أو تركية أو إيرانية، إلا أن الحلم العربي الكبير قد يتحقق إذا ما عدّلنا أماكن حروف الكلمة وحوّلناها من «آلام إلى آمال»، وحتى نكون أكثر واقعية، ذلك لن يتحقق بالخطاب العروبي العاطفي أو بإحياء تجربة القومية العربية الفاشلة، وإنما يتحقق بالمصالح المشتركة والاقتصاد المنفعي المتبادل، فالمصالح الاقتصادية المشتركة هي الرابط الحقيقي والحجر الأساس الذي تُبنى عليه كل الملفات في العلاقات الدولية من استقرار أمني ودعم سياسي.

حتى نملأ الفراغ السياسي في المنطقة يجب أن تكون المواقف واضحة، فلا مجال اليوم للتحرك في المناطق الرمادية، ولا وقت لترف الاختيار والتجربة، ولعل خير مثال يحفز التلاحم العربي، هو ما قامت به منظمة «أوبك بلس»، عندما وحّدت كلمتها وقدمت مصالحها الاقتصادية على مصلحة الغرب المتمثل بأوروبا وأميركا، فكان لقرارها ثقل وسيادة على «أسياد الكوكب»، فلم يجمع أعضاء «أوبك بلس»، شعار قطب الشرق ولم يوحدهم عنوان التصدي للإمبريالية، وانما اجتمعوا تحت كلمة الاقتصاد التكاملي والمصالح المشتركة...

هذه هي الحقيقة وهذا هو المطلب وهكذا ننتقل من «الآلام إلى الآمال».