«إقالة» عون الحكومة المستقيلة إذا حصلتْ... هل «ينقلب السحر على الساحر»؟

الضراوة السياسية تشتدّ في لبنان وتُلامِس «الخطوط الحمر»

22 أكتوبر 2022 10:00 م

- منتدى الطائف في 5 نوفمبر تأكيدٌ سعودي على مرجعية الطائف كـ «خيْمة» للوحدة الوطنية واستقرار لبنان
- لبنان يستعدّ لـ «الأحد الكبير» عون يريد خروجاً بمشهدية جماهيرية وخصومه يتهيّأون لاحتفاليةٍ مشهودة

في ما يشبه «حال الطوارئ» السياسية غير المعلَنة، دَخَل لبنان الأسبوعَ الأخير من ولاية الرئيس ميشال عون التي ستنتهي بمغادرته قصر بعبدا في «الأحد الكبير» (30 الجاري) الذي سيكون يوماً مشهوداً، بتدشينه فصلاً جديداً في «جمهورية الشغور» في سدة الرئاسة الأولى التي حكمت البلاد لمدة 35 شهراً منذ 2007، وبالمشهدية الشعبية التي يريد «التيار الوطني الحر» أن تطبعَ وداعَ مؤسِّسه «فخامة الجنرال» علّها تحجب «هدير» فرح خصومه الكثر الذين ينتظرون هذه اللحظة لاحتفاليةٍ بـ «طبْل وزمر» لم يسبق أن طبعتْ أفولَ عهدٍ.

ولا يشبه فراغُ 2022 «سَلَفاه» اللذين حصلا توالياً في 2007 في ختام ولاية الرئيس اميل لحود (6 أشهر) ثم في 2014 مع نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان (29 شهراً)، ذلك أن ترْك عون القصر الجمهوري، كما دَخَله، أي من دون تسليمٍ وتَسلُّمٍ، يبدو هذه المَرة وكأنه يُراد أن يترافق مع «إنزالٍ» خلف «أعمدة» اتفاق الطائف الذي يُخشى أن يسعى «الجنرال»، وهو خارِج من قصر بعبدا، لتسديد رميةٍ مباشرة في ركائزه تتوّجُ «بيئةً غير صديقة» لوثيقة الوفاق الوطني تبلورتْ بوضوح على امتداد سنوات العهد.

وليس أدلّ على هذيْن التوجّه والتوجس، من «شحْذِ السكاكين» السياسية المستعادِ مع العدّ التنازلي لطيّ صفحة «عون الرئيس» ومحاولات استيلاد «حكومة الشغور» الكاملة المواصفات التي لم يَبْقَ لاقتناصها إلا ساعات أخيرة وكأنها «دهرٌ» في بلدٍ بدأت «الكوليرا» تتنقّل بين مناطقه (الإصابات حتى الجمعة كانت 227 مع 7 وفيات) شمالاً وبقاعاً وصولاً لجبل لبنان (كسروان 10 إصابات والمتن 1 إصابة) وتَطْرُق أبواب بيروت، من خاصرتها الجنوبية (برج البراجنة تسجيل حالة)، فيما شعبه يتصدّر مؤشرات التعاسة عالمياً (وفق تقرير غالوب العالمي للمشاعر 2022) حيث حلّ ثانياً بعد أفغانستان وقبل العراق.

وعوض أن تكون الأيام الثمانية الأخيرة قبل 1 نوفمبر - موعد افتتاح الشغور الرئاسي - فسحةً للضغط نحو إنجاز الاستحقاق الذي يضرب موعداً مع جلسةِ لا انتخابٍ جديدة في البرلمان غداً، فإن احتجابَ أي أفقٍ للمعركة الرئاسية المكتومةِ ملأه «قرْع طبولِ» حربٍ سياسية - دستورية بدا أن لا صوت سيعلو فوق صوتها الذي «سيخمد» بحال أنتجتْ الاتصالات المستمرة ولادة قيصرية لحكومة «اللحظة الأخيرة»، وإلا فـ «يا هلا بالفوضى الدستورية» التي سيتمّ افتعالُها إذا تُرجمت تهديدات عون وفريقه:

إما بإصدار مرسوم قبول استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وإما بدعوة وزرائه فيها للانقطاع عن مهماتهم أو كلا الخياريْن، وذلك في محاولة لمَنْعها حتى من تصريف الأعمال ووراثة صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يصرّ على حكومة جديدة بشروطه التي تجعله يتحكّم بـ«أزرارها» عن بُعد أي من مقره في الرابية عبر حصة وزارية «صافية الولاء» السياسي ومع ثلث معطّل مضمر أو معلن، وإلا ليُفتح ما يُخشى أن يكون «صندوقة باندورا» من فوضى قد تتحوّل شاملة وتستدرج «صواعق» في السياسة والمال وربما الأمن.

ولا تخفف أوساط مطلعة من وطأة فشل المساعي لتأليف حكومة «التقاط الأنفاس» ولجوء عون إلى ما يشبه «السلاح المحرّم» بإصدار مرسوم قبول استقالة حكومة ميقاتي، باعتبار أن معناها سيُقاس في السياسة وبوصْفها نقلاً للواقع اللبناني برمّته إلى مرحلة من المطاحنة الضارية فوق فوهة فراغٍ قد... يخرج عن السيطرة.

وتعتبر الأوساط أنه في البُعد الدستوري لـ«خرطوشة المرسوم» (قبول استقالة الحكومة) الذي لا يصدر في جمهورية الطائف إلا عند تشكيل الحكومة الجديدة مُتلازِماً مع مرسوميْ تسمية رئيس الوزراء والتشكيلة الحكومية، فإن ما يلوّح به عون وفريقه سيكون محكوماً بأن يفتقد لأي غطاء سياسي من حلفائه كما خصومه الذين لا يمكن أن يسيروا بمثل هذه الخطوة التي ستكون أقرب إلى فتْح «باب جهنّم» سياسياً ومفخّخاً بألغام طائفية، وإن كان عدم تأييد كل الكتل المسيحية في البرلمان لها سيحدّ من استدراجها استقطاباً طائفياً خطيراً.

وفي السياق نفسه يعتبر خبراء دستوريون أن الاستقالة الحُكمية لحكومة ميقاتي (بعد الانتخابات النيابية في مايو الماضي وفق المادة 69 من الدستور) والتي لا تحتاجُ لموافقة رئيس الجمهورية، يستتبعها حُكْماً أيضاً وفق المادة 64 من الدستور (تصريف الأعمال بالمعنى الضيق بعد استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة) أن تتحوّل الحكومة تلقائياً إلى وضعية تصريف الأعمال من دون صدور مرسوم قبول الاستقالة الذي لا يوقّعه رئيس البلاد إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة ما يجعل هذا المرسوم شكلياً وغير ذي مفعول لا في إطلاق مسار تصريف الأعمال ولا في وقْفه.

كما أن الأوساط السياسية ترى أن «السحر قد ينقلب على الساحر» بحال توقيع مرسوم قبول استقالة حكومة ميقاتي، باعتبار أن هذا الأمر سينتقل إلى تحت قبة البرلمان الذي يعود إليه لوحده تفسير الدستور والذي سيُفْتي حكماً بـ لا دستورية خطوة عون، مع ما سيعنيه ذلك أيضاً من منح حكومة تصريف الأعمال «ثقة» غير مباشرة من برلمان 2022 وشرعية مباشرة لتولي صلاحيات الرئاسة الأولى.

أما ورقة الطلب من وزراء عون الاستقالة من تصريف الأعمال في محاولةٍ لجعل الحكومة المستقيلة «ناقصة الميثاقية» فتستعيد الأوساط بإزائها تجربة رئيس الجمهورية نفسه حين تولى شخصياً رئاسة حكومة عسكرية انتقالية (من أعضاء المجلس العسكري) في 1988 استقال منها الوزراء المسلمون الثلاثة ولكن عون أصرّ على ترؤسها وشرعيتها «بمن حضر» (مع عصام أبوجمرا وادغار معلوف).

وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة واتضاح إذا كانت لعبة «عض الأصابع» بمنسوبها الأعلى ستُفضي في النهاية إلى تسوية «آخر دقيقة» أم أنه «سبق السيف العذل» في مسارٍ ربما يكون على طريقة «وبعدي الطوفان»، فإنّ الأوساط عيْنها تحذّر من ارتدادات خارجية لأي تهوُّر سياسي – دستوري في مرحلة حرجة لبنانياً تحاول البلاد خلالها الاستفادة من «أوكسيجين الغاز» الذي يشكّله اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل الذي ستكتمل فصوله هذا الأسبوع مع مراسيم التوقيع في الناقورة (على الأرجح في النصف الثاني من الأسبوع)، ومن الفرصة التي قد تشكّلها إدارة الاستحقاق الرئاسي بما يراعي ضرورة عودة التوازن السياسي إلى المشهد الداخلي والكف عن أي «تلاعب» بمرتكزات الوفاق الوطني الذي يشكله اتفاق الطائف والذي برز أخيراً ما يشبه «انتفاضة سعودية» تأكيداً على أهميته في حفظ وحدة لبنان واستقراره.

ويُذكر أن سفير السعودية لدى لبنان وليد بخاري بدأ بتوجيه الدعوات للمنتدى الذي يُعقد في 5 نوفمبر في الذكرى 33 لإبرام اتفاق الطائف، وستحضره شخصيات ساهمت في صناعة وثيقة الوفاق الوطني وبينها الموفد العربي آنذاك الأخضر الإبراهيمي.