علي الرز / قومي إكراما للغابات!

1 يناير 1970 09:54 م
|علي الرز|

تتجمع المشاهد شيئا فشيئا لإكمال صورة مختلفة لبيروت تعيدها الى العهد الذي يتغنى به كثيرون اليوم وبينهم من كان طليعيا في «ثورة الارز». عهد احتضان قضايا التحرر العربي والدولي والتضامن مع الممانعين للمشاريع الامبريالية والانخراط في لعبة الانظمة وتأمين ملاجىء للمضطهدين ومنابر تعبئة للمجاهدين وساحات للمقاومين.

شيئا فشيئا تستعيد بيروت صورتها التي احترقت... واحرقتها. ترسمها ريشة جديدة بألوان قديمة، فالعروبة هي المستهدفة اولا واخيرا، ولا مجال في خضم هذه التحديات للحديث عن الحريات والديموقراطية وحقوق الانسان والمشاركة ونتائج الانتخابات. هي ترف يجب ان يشكر اللبنانيون الله لسماح قوى الامر الواقع بها كنوع من فولكلور يراعي ما امكن التنويعات السكانية. والوحدة هي المستهدفة ولا بد من حمايتها في اطار تفاهمات بين اطراف مسلحة واخرى «مشلحة»، والمقاومة مستهدفة ولا بد من انتقالها من مرحلة الدفاع الى الهجوم عبر استكمال بناء مشروعها وتحصينه ليكون البديل الوحيد للمشاريع التي ترسم للمنطقة.

تعبئة شبه يومية يكاد اللبناني يشعر معها بأنه يرتكب خيانة كبرى بتقاعسه عن الانخراط الفوري في مشروع الممانعة والتصدي. تعبئة تذكرنا بالتظاهرات التي اندلعت في ستينيات القرن الماضي لمناصرة تعريب المناهج وتوجيه كتب التاريخ ورفض اللغات الاجنبية في المدارس والجامعات، ثم توالت مستخدمة القضايا المطلبية في استقطاب الشارع وتهيئته لاهداف اخرى تجلت لاحقا، ودائما دائما كانت «القضية المركزية» مصدر شحن والهام الى جانب زيادة الاسعار كأن يصدح هتاف «عسكر على مين عالفلاحين» مصاحبا بـ «كيلو الرز بليرة ونص واربع بيضات بليرة» وينتهي بـ «سحقا سحقا بالصباط للي فكو الارتباط» و«فدائيي وحاملين سلاح نرمي سلاحنا مش معقول الحل السلمي مش مقبول»... و«يا عروبة مين حماكي غير البعث الاشتراكي».

وكم يشبه تفجير حارة حريك الذي استهدف «حماس» قبل ايام تفجيرات الفاكهاني والجامعة العربية ومخازن الفصائل المختلفة في المخيمات قبل عقود مع فارق المكان وهوية الطرف المسلح بين البيوت السكنية وهوية المحتضن. وكم تشبه الدعوة الى ندوة مناصرة الطاغية الديكتاتور صدام حسين في بيروت اليوم ندوات مناصرة رموز التخلف والقمع والاجرام برتب «قادة» و«مجاهدين» امس، وكم هي وضيعة وحقيرة وانتهازية تلك الاسس التي جعلت حرام سبعينات وثمانينات القرن الماضي حلالا في 2010.

اليوم، هناك مشروعان لا ثالث لهما. هكذا قيل للبنانيين من دون اي خيار او تخيير: مشروع السيطرة الاميركية الاسرائيلية على المنطقة، ومشروع المقاومة الذي يجب ان يصبح مشروعا للمنطقة. تنعقد مؤتمرات. تهدر حناجر القادة والضيوف. ترتفع اصوات التحدي للقرارات الاميركية المنافية لمبدأ حرية الاعلام والمقيدة لحركة انتقال المواطنين. تتكاثر الدعوات للتنسيق مع الجارة الشقيقة التي شكلت الحاضن والمستودع ومع الجمهورية الاسلامية التي شكلت الدعم والامداد. تتراجع رويدا رويدا صلابة المواقف المتمسكة بثوابت الحرية والسيادة والاستقلال... وتعود بيروت شيئا فشيئا الى الصورة السابقة مع «ترشيد» اكبر للعمل الثوري كي يبقى متناغما مع المشروع الاقليمي الاكبر.

وغدا، قد يقتضي مشروع العودة ان تتسع قواعد «حماس» في المخيمات بعد معارك حاسمة مع السلطة الفلسطينية، وان يتمدد السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بعدما خفتت الاصوات المطالبة بحصره فيها، وان تنقل «المصالحات» المربعات الامنية الى مناطق جبلية محيطة بالعاصمة تستلهم من تاريخها الوطني شحنات ثورية جديدة، وان تعبر الظاهرة الاصولية منطق الفزاعة الى منطقة الافزاع على الارض، وان يخطف اجنبي في بيروت ويطلق من دمشق... وتلتف القوات الدولية بأحزمة الاسترهان.

ان الثورة... ان الثورة... تولد من رحم الاحزان... يا بيرووووت!





alirooz@hotmail.com