في ظل ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من نزاعات مسلحة وأزمات اقتصادية وانقسامات داخلية، نجد في الكويت جواً ديموقراطياً بانتخابات هادئة ومنظمة، تبتعد عن الفوضى والعنف.
ما حدث اليوم يراه كثير من المراقبين للشأن المحلي، نتيجة لتراكم أحداث وحراك، ضد ما كان يسمى (تحالف الرئيسين)، والذي كان موجهاً ضد الحكومة السابقة، بعد تمكينها رئيس مجلس الأمة السابق من الحصول على رئاسة البرلمان. وكل ما تم من أحداث سياسية بعدها كان نتيجة لهذا التحالف.
فوز المعارضة
لا يمكننا الحديث في الكويت عن معارضة وموالاة. وإنما يمكن الحديث عن تيار بخطاب إصلاحي آخذ في التوسع وزيادة رقعته، وهذا التيار له مطالب مشروعة، أهمها محاربة الفساد والتنمية والاهتمام بالمواطن.
الحكومة الحالية بقيادة سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، حاصلة على تأييد غالبية هؤلاء النواب، الذين كانوا معارضين للحكومة السابقة، وقد ينقلب هؤلاء إلى «حكوميين»، إذا استمرت الحكومة الحالية في خطواتها الإصلاحية، وهو ما نأمله ونرجوه.
فعن ذلك سيحدث «وفاق نادر» كان يطلبه الشعب الكويتي، ولا يتحقق إلا نادراً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد نرى تناغماً أكبر بين الحكومة وكتلة المعارضة، خلافاً للصدام المعهود، استكمالاً للخطاب السامي الذي ألقاه نيابة عن سمو الأمير، سمو ولي العهد الذي أكد على احترام الإرادة الشعبية، وما احتواه من تأكيد ضرورة العودة للشعب، وتوجيه نقد مباشر للحكومة والبرلمان السابقين.
سعت الحكومة الجديدة، بالتوازي مع توجهات سمو الأمير وتطبيقات سمو ولي العهد، لتحقيق إصلاحات سريعة، للتأكيد على حُسن النوايا والجدية، لكسب مزيد من ثقة الشارع والطبقة السياسية.
فأظهرت حزماً في معالجة بعض الملفات المتعلقة بالانتخابات، كنقل الأصوات والتلاعب في سجلات الناخبين، والانتخابات الفرعية والمال السياسي. وهذه الخطوات أتاحت المجال لعدد من الأسماء الشبابية والمستقلة للفوز، ولآخرين عدم النجاح، ولكن مع تحقيق أرقام ليست بالهينة.
زيادة الكتلة الشيعية
في هذه الانتخابات، لم يحالف الفوز عدداً كبيراً من مرشحي الكتلة الشيعية التقليدية ذات الخطاب الفئوي، ونجد عدداً كبيراً من الشيعة الذين نجحوا الآن بقبول شعبي واسع من أصوات تمثل جميع فئات المجتمع، وهي من موشرات تطور مدركات الناخب الكويتي.
هناك تغير نوعي في تمثيل الشيعة. لم يعد أبناء الطائفة الشيعية يختارون فقط من يعبر عن قضاياهم الخاصة، وإنما يختارون من يعبر عن هموم المجتمع ككل، وهذا يفسر نجاح بعض النواب الشيعة الذين يتقاطعون تماماً مع المطالب الإصلاحية العامة في الكويت، وليست لهم مطالب فئوية أو طائفية.
كما أن هذه الانتخابات أكدت أن هناك مرشحين من الشيعة ينجحون بأصوات السنة، والعكس صحيح (حسن جوهر أبرز مثال).
دلالات النتائج:
سعي كبير من القواعد الشعبية نحو الخطاب المعارض الساعي لفتح ملفات الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية والبحث في قضايا سابقة.
حصول المرأة على مقعدين:
المجتمع الكويتي في عملية تطور، ويزداد وعياً يوماً بعد يوم، وهذه ليست المرة الأولى التي تصل فيها النساء للبرلمان.
العِبرة بالأداء والخطاب المطروح من المرشحات.
كذلك هناك موضي المطيري، التي حصلت على مركز متقدم جداً في منطقة قبلية، وهذا تطور مهم لايمكن إغفاله.
والمفترض، بعد استقالة الحكومة، أن تأتي حكومة تتناسب مع رغبات الشعب، والمناخ مهيأ لتعاون وثيق بين الحكومة والمجلس، وهناك ملفات لابد أن تبادر بها الحكومة، وهي ملفات سعت لها المعارضة منذ 2013 كاستكمال ملفات مكافحة الفساد، وتعديل قانون المسيء، بالإضافة إلى ملف العفو بعد أن توقف، وقوانين مقيدة للحرية متعلقة بالإعلام الإلكتروني.
وقد آن الأوان لحلحلة كل هذه الملفات السهلة والبسيطة، والتي يمكن طيها بالكامل خلال أيام معدودة من النقاش والتوافق. لأن التحدي الأكبر والأخطر الذي تواجهه الكويت هو التحدي الاقتصادي الهائل الذي لا يجامل أحداً، هذا التحدي الذي أطاح بدول كثيرة وقد يطيح بدول أخرى، ولابد من الاستعداد الجاد له، والتصدي له من الحكومة والمجلس، من خلال الاستعانة بكفاءات. والله الحافظ والمستعان.