طالبت رئيس الحكومة بإعادة النظر في تبديل الاسم إلى «البحيث»

الجمعية التاريخية: تغيير مسمى «أم قصر» قد يدفع العراق مستقبلاً للمطالبة بالمنطقة بأكملها

1 يناير 1970 01:02 ص
طالبت الجمعية التاريخية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد ووزير الدولة لشؤون البلدية الدكتور فاضل صفر ورئيس وأعضاء المجلس البلدي بإعادة النظر في تغيير اسم «أم قصر» الى «البحيث».
وأكدت رئيسة الجمعية التاريخية الدكتورة ميمونة الصباح في دراسة بعنوان «أم قصر الكويتية (البحيث) بين فض الاشتباك والمأزق السياسي» أرسلتها الى المسؤولين آنفي الذكر ان «أم قصر» اسم يقطع التاريخ بأنه لمنطقة كويتية ولا يجوز تغييره، معربة عن استيائها من موافقة المجلس البلدي على تغييره الى «البحيث» متسائلة: إذا كان البعض يرى التباساً بين أم قصر العراقية وأم قصر الكويتية فلماذا تكون الكويت هي المتنازلة دائماً، معتبرة ان هذه الخطوة قد تدفع العراق مستقبلاً للمطالبة بالمنطقة بأكملها... وفي ما يلي نص الدراسة:
ليس من المستغرب أن نتفاوض حول حقوق تاريخية وحدود وطننا ولكن المستغرب أن نتنازل عن ثوابت وحقوق وطنية مقرونة باتفاقيات ومعاهدات ونصوص دولية موثقة، ومن الغرابة بمكان ان يكون هذا التنازل خلف ستار فك التشابك والبعد عن الالتباس هذا بالضبط ما يحدث بشأن «محاولة تغيير اسم أم قصر الكويتية» الى (البحيث).
تاريخية اسم أم قصر الكويتية
لكل أمة تاريخ تعتز به وتحافظ عليه وتسعى الى تدوينه وتوثيقه، ونحن اليوم في الجمعية التاريخية الكويتية ندرك أن هوية الأمة تعتمد في تأصيلها على تاريخها بما يتطلبه هذا التأصيل من البحث والتنقيب واذا كان تعزيز الهوية الوطنية، هو مهمة مؤسسات وقطاعات متعددة، فإن ثمة قطاعات بعينها يجب أن تراعي البعد التاريخي والاثر السلبي لتغيير اسم ام قصر الكويتية (للبحيث) فهذا التغيير سقطة تاريخية يجب تداركها.
وقد ساءنا موافقة المجلس البلدي على تغيير مسمى أم قصر الكويتية الى (البحيث) لذا فقد جاء رد الجمعية منطلقاً من رفضنا لاتخاذ تاريخ الكويت وثوابته أوراقاً سياسية يتم طرحها والتفاوض عليها أو التنازل عنها.
أم قصر اسم لمنطقة كويتية
استخدم في معاهدات تاريخية لا يجوز تغييره
إن كل الوثائق الرسمية تشير الى تسمية أم قصر بنفس الاسم بما في ذلك المعاهدات والاتفاقيات والوثائق والمفاوضات وترسيم الحدود وغيرها، فأم قصر تقع على رأس خور الصبية وقد يكون أقدم إشارة يمكن العثور عليها للمكان في تقرير الكولونيل لويس بيلي المقيم السياسي في الخليج العربي عن رحلته الى الرياض المؤرخة في 1866، والتي يسجل فيها أن شيخ الكويت كان في الأصل يمتلك أرضاً بمدخل الزبير الى الشمال منها بقليل، وفي أعقاب عقد اتفاقية الحماية الكويتية - البريطانية (23 يناير 1899)، حاولت الدولة العثمانية مد سيطرتها الى الكويت واتخاذ بعض الاجراءات العقابية عليها فعمدت لتقليص نفوذ الشيخ مبارك في المناطق الشمالية، ومنها صفوان وأم قصر الأمر الذي اثار الشيخ مبارك واحتج بشدة عليه كما أن بدو الكويت الذين اعتادوا ارتيادها وآبارها باستمرار حتى الاحتلال العثماني لها عام 1902 لم يتوقفوا كثيراً حيال أمر الوجود العثماني فيها حتى انه وفي حال نشوب اي نزاع بين الاهالي هناك كان الأمر يحال لشيخ الكويت الذي يتبع له بدو هذه المنطقة، وقد كان الشيخ مبارك دائماً يرى أن هذه الأماكن بما فيها أم قصر أراض كويتية، وأن أهل الكويت استوطنوا أم قصر منذ فترة طويلة، بما فيها قصر (أحمد بن رزق) أحد رجال الكويت المعروفين الذي ترجع تسمية المكان نسبة للقصر الذي بني هناك في عهد الشيخ جابر بن صباح.
وعندما قام القنصل البريطاني في البصرة بمسح لمجرى قناة أم قصر قال إن أهالي الكويت كانوا يشغلونها منذ عهد جد الشيخ مبارك، كما أشار لوريمر في سنة 1904 بقوله «ان سلطة شيخ الكويت نافذة في هاتين المنطقتين» ويقصد أم قصر وصفوان.
وقام الوكيل السياسي البريطاني في الكويت نوكس (Knox) في مارس ويونيو من عام 1908 بجولة في مناطق الحدود، وتبعه بعد ذلك الكابتن شكسبير (Shakespear) الذي خلف نوكس بجولة أخرى وقد اعترفا في تقاريرهما أن أم قصر منطقة كويتية تتبع شيخ الكويت، ويؤكد كل من المقيم السياسي البريطاني والوكيل السياسي في الكويت ومذكرة مكفيلد MAKEFELD أن ميناء أم قصر تابع للكويت وفقاً للاتفاقية الانكليزية - التركية لعام 1913 والخرائط الملحقة بها والتي أقرتها اتفاقية عام 1932، وقد كانت اتفاقية 1913 قد أقرت تبعية أم قصر للكويت ولكن وصف الحدود الذي أعده السفير البريطاني، وأرسله الى الحكومة العراقية في 7 أكتوبر 1940 الذي ادعى عودة أجزاء من أم قصر الى العراق وتبنته مذكرة وزارة الخارجية البريطانية واعترض على ذلك كل من المقيم السياسي في الخليج والوكيل السياسي البريطاني في الكويت مكفيلد الذي كان يقوم بمهمة خاصة في الكويت بتكليف من الوكيل السياسي حيث قام بوصفها بوضوح وكفاءة ودقة، حول موضوع قسم صفوان - خور عبدالله من الحدود الكويتية - العراقية، بحيث لا يوجد ما يمكن اضافته، كما أكد عودة أم قصر وحتى صفوان الى الكويت وهذا ما أوضحه المقيم السياسي البريطاني في مذكرة سرية رقم (S.81) لعام 1941 بتاريخ 20 ديسمبر 1941 يستكمل في برقيته رقم 450 في نفس التاريخ مرفق بها مذكرة الوكيل السياسي البريطاني بذات الخصوص والتي أعدها مكفيلد، وينتهي المقيم السياسي البريطاني الى ان وصف الحدود الذي قدم الى الحكومة العراقية في أكتوبر 1940 قد أضر إضراراً بليغاً بالكويت وبموقف الحكومة البريطانية وبالرغم من ذلك لم يجد قبولاً من الحكومة العراقية، ذاكراً أنه من المفهوم بعد ذلك أن الحكومة البريطانية لم تعد ملتزمة به.
وحول الاقتراح المتعلق بتمثيل العراق والكويت في هيئة تدير ميناء أم قصر أعرب الوكيل السياسي البريطاني في الكويت عن رأيه ان هذا الاقتراح لن يكون عمليا ذلك لأن الشيخ أحمد الجابر سيعترض على تمثيل العراق في هيئة تدير ميناء في أراض كويتية، وانه قد تؤدي موافقة بريطانيا على تمثيل العراق إلى المساس بمطالبة الشيخ بأراضيه، كما استكمل الوكيل السياسي مناقشة موضوع أم قصر وتبعيتها للكويت، مشيراً في كتاب موجه إلى جامسون مسؤول شركة النفط الانكليزية - الإيرانية في عبادان بتاريخ 30 يناير 1943م، ذاكرا انه استمتع بالطيران خلال عودته إلى الكويت حيث كان باستطاعته رؤية أم قصر مما جلب له الكثير من السرور، مبينا انه وطبقا للتفسير القديم الخاطئ لخط الحدود لا يوجد شك في ان الرصيف الحالي الذي سيبنى في خور عبدالله سيتبع الأراضي العراقية ولو ان ثلثي منطقة ميناء أم قصر ستكون في الأراضي الكويتية في حين انه طبقاً للتفسير الصحيح للحدود ستكون كل المنطقة تابعة للكويت باستثناء منطقة تخزين القطارات التي توجد إلى الشمال من أم قصر.
وقد تحرجت الحكومة البريطانية رغم كل ذلك من اعتماد تفسير لاتفاقية 1913م المرفق بكتاب الوكيل السياسي البريطاني في الكويت لأن تفسير عام 1940م قد تم ابلاغه للحكومة العراقية من قبل سفيرها في بغداد آنذاك، فأبقت التفسير السابق الذي سلخ من الكويت جزءا من أم قصر، وأبقى لها الجزء الأكبر فكيف تقدم الكويت بعد ذلك على تغيير اسم منطقة تابعة لها لتدفع العراق مستقبلاً للمطالبة بالمنطقة بأكملها دون الالتفات إلى ما توصلت اليه لجنة الأمم المتحدة في قرارها رقم (833) وأقرت العراق، وهو ذاته السابق إقراره من رئيس وزراء العراق نوري السعيد وحاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر بالمذكرات المتبادلة بينهما عام 1932م، كما أكد الوكيل السياسي البريطاني في كتاب أرسله إلى مسؤول شركة نفط الكويت بتاريخ 30 يناير 1943 تبعية أم قصر، وأبدى سروره لعودتها إلى الكويت.
البحيث بديل سياسي وليس تاريخياً
(بحيث) هي مجموعة آبار شمال الكويت قرب الصابرية، وقد كانت مقرا للقوافل تسقي وتشرب من ماء آبارها، وللأمانة التاريخية ان اسم البحيث طرح أكثر من مرة كبديل سياسي وتفاوضي وليس تاريخيا فقد كان بن رزق والذي ينسب إليه بناء قصر في أم قصر وحفر آبارها أحد كبار التجار الكويتيين.
غير أن استناد البعض لمحاولة تغيير الاسم التاريخي لأم قصر الكويتية (للبحيث) لا تدعمه حجج وقرائن قوية لهذا التغيير، خصوصا كون أم قصر هي الأرسخ والأشهر وهي التي تم ذكر اسمها في أغلب المفاوضات وجاءت بالاسم نفسه في أغلب الاتفاقيات التاريخية القديمة لإمارة الكويت.
إننا لا نعترض على ان البحيث أطلق فيما سبق على المنطقة وهو مازال يطلق على منطقة صحراوية قريبة من أم قصر، ويؤكد ذلك ما جاء في وثيقة بريطانية وردت في بيان مطالبات الشيخ مبارك الصباح بحدود الكويت الشمالية، عام 1908 جاء فيها ان الشيخ مبارك يطالب بحقه في ملكية المنطقة على أساس ان الحصن القديم الموضح في الخرائط تمت إقامته في زمن جده الشيخ جابر الصباح.
هل صار التعامل مع القضايا الوطنية مأزقاً سياسياً
ان احتجاج البعض بما ذكر سابقا لا يدعم الحقائق التاريخية في ان أم قصر اسم لمنطقة كويتية وهو اسم تاريخي لا يجب أن يتم تغييره أو طمسه من الهوية والذاكرة الكويتية وان كان البعض يرى ان هناك التباسا قد يقع بين أم قصر العراقية وأم قصر الكويتية، فلماذا تكون الكويت دائماً هي التي تتنازل؟
كما ان تجاهل بعض المؤسسات لآراء المختصين والمؤرخين قبل الاقدام على اتخاذ قرارات سياسية (مثل تغيير اسم أم قصر للبحيث) بكل تأكيد لا يصب في مصلحة وخدمة القضايا الوطنية الكويتية التي لا نشك كذلك في حرص الجميع مسؤولين ومواطنين عليها، إلا انه ومن واجبنا التنبيه والتأكيد على ان كل منطقة بمسماها التاريخي في الكويت على وجه الخصوص تعطي للكويت بعدا عميقا في التاريخ، فقد ابى الزمان أن يؤثر أو يغير في هذه المناطق التاريخية إلى يومنا هذا ولكننا أبينا إلا أن نغير ماضينا بأيدينا، انها دعوة من الجمعية التاريخية الكويتية ليس للتراجع ولكن للمراجعة، أما إذا كان المقصود طمس جزء من تاريخ الكويت فهذا ما نرفضه رفضا قاطعا وهو ما يمثل انتكاسة تهدف لمحو جزء كامل من التاريخ الكويتي.
فهذا التغيير تعد على موروثات تاريخية وتجاوز على تاريخ الكويت، والحقيقة اننا تعودنا على مثل هذه الانتهاكات غير انه ما يؤلم أن تكون الانتهاكات هذه المرة من قبلنا نحن، لأن أي محاولة لتغيير موروث تاريخي وطني في الكويت يعني فقدان قيمته التاريخية إلى الأبد.
كذلك يكون له سند في سلبنا جزءا من مساحة وطننا، بعد أن تم فقد أجزاء منها في الاتفاقية البريطانية - التركية للعام 1913م خصوصا وقد حددت المواد من الخامسة إلى السابعة منها حدود أراضي إمارة الكويت والتي اعتمدتها اللجنة المنبثقة عن الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 687 الصادر في 3 ابريل 1991م، وما تم التوصل اليه عن طريق اللجنة في ابريل 1992م والتي حكمت تعيين الحدود وتأكيد الخطوط التي سبق الاتفاق عليها في الاتفاقيات المتعاقبة أعوام 1913 و1932 و1963 بين الكويت والعراق والذي رسخ ما هو موجود في اتفاقية 1913م التي كانت قد نصت على انه «يبدأ خط الحدود من الساحل عند مصب خور الزبير في الشمال الغربي، ويعبر تماما جنوب أم قصر وصفوان وجبل سنام وهو بذلك يقسم أم قصر بين العراق والكويت ويحرم الكويت من أراضيها حين التزمت بريطانيا بتوصيف عام 1940م الخاطئ للحدود التي جاءت في اتفاقية عام 1913م، وهو ما قبلته الكويت على الرغم من سلبها حقوقا تاريخية راسخة حفاظا واحتراما للمواثيق والاتفاقات الاقليمية والدولية».
ان هذه التسمية هي بالفعل عملية اقتلاع من الجغرافيا كتمهيد للاقتلاع من التاريخ، وهذا ما يقودنا إلى التفكير في التراكمات المستقبلية لهذه المسألة، فإذا تم التنازل عن حقوق الكويت في تاريخية اسم أم قصر لفض الاشتباك والالتباس كما يشير البعض فمن يضمن لنا في الغد ان الادعاءات العراقية لن تطول هذه المنطقة بعد تغيير اسمها للبحيث فيدعي العراق بأن منطقة أم قصر كاملة له أو المنطقة كلها عراقية مخالفا جميع المعاهدات والاتفاقيات الاقليمية والدولية، في ظل اعترافنا نحن أصحاب الحق بعدم وجود (أم قصر كويتية) على أراضينا، وهو ما سيحمل البعض لاحقا محاولة استغلال الموقف المتلازم مع «الحقد التاريخي على الكويت»، ومن ثم محاولة فرض ادعاءات باطلة وتزييف حقائق للمطالبة بأجزاء من أراضينا.
ان كل الشواهد التاريخية تثبت ان التنازل عن حق تاريخي يعتبر تنازلا عن هوية وطنية وهو خطأ لا يمكن السكوت عنه فيجب أن يتحمل كل منا مسؤوليته، ولعل الجمعية التاريخية الكويتية نبهت مرارا لهذا الأمر ونادت في الكثير من المرات بضرورة أن يكون هناك مختصون في المجالس البلدية للتنظيم والمشاركة في لجانه، مذكرين ان الوطن «أمانة في عنق الجميع» لا سيما حقوقه وثوابته التاريخية.