خصومه أمام محكّ تفكيك إمساكه بالخيوط الرئيسية للاستحقاق الرئاسي في لبنان

هل يدفع «حزب الله» من الخلف مركب تشكيل «حكومة الفراغ»؟

10 أغسطس 2022 10:00 م

لم يحمل الكلام «البحري - الحربي» الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في ما خص ملف الترسيم أي مفاجآت إذ أكمل «اللعب» على حافة المهل والخطوط الحمر مع اسرائيل التي باتت «تفهم الرسائل»... من عنوانها.

ولكن الجديد في مواقف نصرالله في ذكرى عاشوراء كان معاودة التصويب على الحكومة من باب الدفْع، أقله نظرياً، نحو تشكيلها العالق منذ 23 يونيو تاريخ تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تأليفها، في تطوّرٍ عاود تسليط الضوء على ان احتمال الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية بعد 80 يوماً بات متقدّماً جداً.

ورغم أن كلام نصرالله أتى بعد مرحلة سجال حاد بين ميقاتي وفريق رئيس الجمهورية ميشال عون وتحديداً رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بما عَكَسَ «وأد» إي إمكان لولادة الحكومة العتيدة، فإن رصداً يجري لِما إذا كان الحضّ على ضرورة التأليف مجرّد تسجيل موقف مبدئي، أم أنه في سياق قرار فعلي بالتشكيل في ظل الإشكالات الدستورية التي تحوم حول صيغة حكومة مستقيلة وإمكان تسلُّمها إدارة الفراغ الرئاسي. والتجربة علّمت في لبنان ان الحزب حين يقرر فإن مسار التأليف سيسير وسيضع جميع المعنيين شروطهم التعجيزية جانباً، من أجل الإفراج عن الحكومة.

وبمعزل عن الكلام الحكومي لنصرالله وما يحتمله من اتجاهات، وسط معلومات عن أن الحزب باشر ضخ الحياة في الاتصالات وتنشيط المساعي لإعادة تشكيل الحكومة، فإن البُعد الأبرز فيه يتمثل في أنه ارتكز على استبعاد حصول الانتخابات الرئاسية، وهو بذلك يلتقي مع عون الذي كان أكد في حوار صحافي قبل نحو شهرين ان الانتخابات ستتم، لكنه في احتفال عيد الجيش في الأول من أغسطس أعرب عن خشيته من تطيير الانتخابات، مع فارق بارز بين الاثنين، يتمثل في ان نصرالله يملك من العُدة الكثير ليتصرف على عكس عون.

فرئيس الجمهورية لم يعد في يده ما يكفي من أدوات سياسية لوضع خريطة طريق رئاسية تمهد لِما بعد انتهاء عهده في 31 أكتوبر المقبل، في حين أن «حزب الله» يتعاطى مع ملف الرئاسة على أنه صاحب الكلمة الدالة فيه وسط انطباعٍ بأن كل خيوط اللعبة الداخلية باتت ممسوكة من صاحب الإمرة الاستراتيجية، وأن فرْض الحزب هذه المرة مرشّحه، بعد فراغٍ محتمل، قد يكون نتيجة فائض قوته الذي لم يعُد خافياً على خصومه وبات «يسْري» على حلفائه، وكذلك نتيجة خلافات قوى المعارضة (له) وعدم توحدها على رؤية متجانسة حيال هوية الرئيس القادم.

ففي الانتخابات الرئاسية السابقة، أو الإستحقاقات الأساسية، كان الانشطار السياسي عنوانه ضفّتيْ قوى «8 و14 مارس»، أو معارضة وموالاة.

ومع الاستعداد لانتهاء عهد عون لا يظهر الكلام عن الاستحقاق الرئاسي المقبل، إلا بين طرفين، معارضو «حزب الله» و«حزب الله». ولم تعد مقاربة الملف الرئاسي، وغيره من المواضيع الحساسة الأساسية التي تتعلق باستمرارية النظام الحالي، مرتبطة بتسمية فريقيْن واضحيْ المعالم. فإذا كان معارضو «حزب الله» معروفون وجرى الكلام عنهم سابقاً، إلا ان الطرف الآخَر، بات محصوراً بالحزب حتى من دون حلفائه.

وقد سعى «حزب الله» في الانتخابات النيابية الأخيرة إلى تحصين حصة حلفائه من قوى سنية موالية أو درزية أو مسيحية، وتحديداً «التيار الوطني».

ولم تتطابق حساباتُ النتائج مع ما يريده الحزب، إذ لم يستطع مع حلفائه تأمين الأكثرية الصريحة عددياً، من دون أن تنتقل هذه الأكثرية إلى خصومه.

وسرعان من تمكّن الحزب من استيعاب النكسة الانتخابية أمام معارضيه، وما رافق الانتخابات من تدهور علاقات حليفيه، «التيار الوطني» والرئيس نبيه بري، قبل أن يَظْهر تباعاً أنه يتقدّم الجميع داخل «معسكره» السياسي في إدارة ملف الرئاسة بكل أبعاده.

في البدء اتكأ «حزب الله» على تنامي موقعه الإقليمي والدولي ومن خلفه إيران، في ترسيخ موقعه في المعادلة السياسية الداخلية. وعلى مدى ست سنوات من عمر عهد عون، ثبّت الحزب أقدامه في السلطة السياسية، في وقت تراجع «التيار الوطني»، كما ضعف أداء حركة «أمل» من دون أن يعني ذلك أن بري فَقَدَ موقعه في إدارة اللعبة الرئاسية، في ظل الخلافات التي تعصف بأوساط الحركة بين أجنحة متعارضة، وما نتج من ردود فعل على أداء «أمل» منذ تظاهرات 17 أكتوبر 2019.

ورغم أن العنوان الأساسي لمكانة «حزب الله» يتصل بدور إيران في تغطيته ورفْده بعناصر القوة، إلا ان ما جرى منذ مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحتى الكلام الفاتيكاني حول وضع «حزب الله»، عزز دور الأخير في المعادلة الداخلية البحت، في مقابل تضعضع معارضيه لا سيما ان هؤلاء لا يتصرفون تحت عنوان موحد.

ويستفيد الحزب في المقابل من غياب العامل السني المؤثّر نتيجة تنحي الرئيس سعد الحريري، ومن حاجة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط للتهدئة معه، فيتصرف في كل الأحوال على أنه مُمْسِكٌ بمفتاح الرئاسيات.

ومنذ أن جَمَعَ الأمين العام لـ «حزب الله»، رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وباسيل في شهر رمضان الفائت، كثرت التكهنات حول ما دار بينهما وحضور الطَبَق الرئاسي على مائدة الإفطار.

لكن الواقع ان الاتفاق الوحيد الذي جرى هو تسهيل تَعايُش الطرفين في الانتخابات النيابية في الشمال تحديداً، حيث ساحة تقاطع الطرفين، لضمان فوز «التيار الوطني».

علماً أن التداول «الشعبي» كان ان فرنجية وُعد بالرئاسة وفق روزنامةٍ لتداوُل موقع الرئاسة بين عون وفرنجية ثم باسيل، وهو كلامٌ ظلّ في حُكْمِ الأقاويل السياسية غير المستندة إلى وقائع.

وباسيل كان أكثر وضوحاً حين حيّا فرنجية في الانتخابات النيابية، لكنه عاد وأكد عبر تلفزيون «المنار» انه لن يصوّت لزعيم «المردة» رئيساً للجمهورية.

ثم جاء تكرار نصرالله ان لا مرشحين لـ «حزب الله»، ليحسم الجدل الدائر حول عدم إعطاء الحزب أي وعد لأي مرشح رئاسي، تاركاً كل الهوامش مفتوحة أمامه لانضاج «الطبخة» الرئاسية في موعدها أو على وهج شغور اضطراري، مراهِناً على أن خصومه الرئيسيين الذين خبِرهم وخبروه منذ 2005 باتوا يلعبون، من حيث يدرون أو لا يدرون، وفق القواعد التي رسمها تباعاً، تارةً بالقوة وطوراً بالأمر الواقع.