الرأي اليوم

الحل... بتحديث الدستور

6 أغسطس 2022 09:25 م

مع صدور مرسوم بحل مجلس الأمة، ومع استعداد الحكومة لإعلان تاريخ الانتخابات الجديدة، ومع الضبابية الدائمة في المشهد السياسي، ومع ثبات عدم نجاعة المسكنات في علاج أمراض مستعصية... لا بد من كلام صريح ومباشر نستعيد فيه أفكاراً تحدثنا عنها أكثر من مرة، تقارب رؤية مختلفة للحلول يحاذر كثيرون التطرق إليها وإن كانوا مقتنعين بجدواها في دواخلهم.

وضع سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الإصبع على الجرح في كلمته التي أعلن فيها حل المجلس بعدما أجرى تشريحاً سريعاً للوضع السياسي ومشاكله. ثم تم تشكيل حكومة جديدة وصدر مرسوم بحل المجلس تضمن أيضاً تكراراً سريعاً لأبرز معالم المشكلة التي فرضت على القيادة اللجوء إلى هذا الخيار «تصحيحاً للمشهد السياسي وما فيه من عدم توافق وعدم تعاون واختلافات وصراعات وتغليب المصالح الشخصية وعدم قبول البعض للبعض الآخر وممارسات وتصرفات تهدد الوحدة الوطنية». ما أوجب «اللجوء إلى الشعب ليقوم بإعادة تصحيح المسار بالشكل الذي يحقق مصالحه العليا».

هذا الكلام الصريح الصادر من القيادة السياسية الكويتية يحمل من وجهة نظرنا الكثير من المعاني التي لا تتعلق بسلوكيات الأشخاص فحسب بل بالآلية السياسية - القانونية التي ضعفت مناعتها المؤسساتية ما أدى إلى تقدم مواقف فردية وجماعية وممارسات نافرة على حساب الاستقرار.

لن نكل ولن نمل من الحديث الصريح، فعندما يتعلق الأمر بوجود الكويت ومصيرها ومستقبلها لا ينفع سوى الوضوح رغم معرفتنا المسبقة بردود الفعل العاقلة منها والمندفعة... والموجهة.

لنفكر فقط في المعادلة التالية: حصلت انتخابات. الناخبون هم أنفسهم. النظام الانتخابي الفردي هو نفسه. المرشحون في غالبيتهم متشابهون مع من ترشح سابقاً. الحملات الانتخابية التي انكمشت مشاريعها الوطنية الكبرى خلف معايير الطائفة والقبيلة والمنطقة هي نفسها. وبعد ذلك لنسأل أنفسنا جميعاً: هل ستكون المخرجات المقبلة مختلفة كثيراً عما ورد في الكلام السامي من انعدام التوافق وغياب التعاون وحضور الاختلافات والصراعات وتغليب المصالح الشخصية وعدم قبول البعض للبعض الآخر ووجود ممارسات وتصرفات تهدد الوحدة الوطنية؟ صحيح أن الأمور تعود دائماً للشعب الكويتي كي يقرر تصحيح المسار، لكن الأصح أيضاً هو وجوب مواكبة إرادة الناخبين بتحديث دستوري يؤدي إلى تطوير سياسي... وهذه مسؤولية وطنية عامة وتاريخية.

دستور 1962 كان منارة داخلية وخارجية وضع الأسس لدولة شارك شعبها في إدارة السلطة والثروة. وإذا عدنا إلى النظام الانتخابي النابع من ذلك الدستور نجد أنه أفرز حتى مراحل طويلة رجال دولة ومشرعين ودستوريين وقانونيين وسياسيين ملتصقين بالمصلحة الوطنية المجردة من الفكر الخاص والانتماء الشخصي، والسبب أن طبيعة الحياة كانت مختلفة وكذلك الظروف الإقليمية.

... لكن الدستور هرِمَ وشاخ ولا بد من تحديثه كما ينص هو تحديداً وذلك من أجل المزيد من الحريات العامة للشعب ومن أجل تدعيم الاستقرار وترسيخه. فمن دون الاستقرار لا تنمية ولا تقدم ولا مستقبل.

المشكلة ليست في الأفراد، الصاخبون منهم والراكدون. المتطرفون والمعتدلون، الطائفيون والوطنيون، المشكلة في الآلية السياسية القانونية التي يجب أن ترفع من شأن العمل المؤسسي على حساب الأفراد، وهذه الآلية تعبت لأن المحرك الأساسي – أي الدستور – بحاجة إلى تحديث، والتحديث هو الممر الإلزامي لفرز نظام انتخابي متطور وعصري، وتحسين الأداء الحكومي، وفرض الرقابة على صغائر الأمور وكبرياتها، وتفعيل الإدارة، وإعادة المجلس إلى التشريع والرقابة، ومواكبة الركب الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بدءاً من أشقائنا في دول الخليج وانتهاءً بالعالم المتمدن.

رغم الاعتراضات على الفكرة، إلا أن ما نحتاج إليه هو تحديث دستوري عصري يلائم تركيبة المجتمع وطبيعته. ينبثق من دستورنا، ومما يتضمنه تحديداً من جواز التطوير، لإعطاء الشعب الكويتي مكتسبات أكبر عبر مشاركة أفعل في تطوير نظامه السياسي والرقابة الإدارية وتحصين إدارة الثروة والعبور إلى المستقبل.

بكل واقعية، الانتخابات لن تُغير ولن تُصحح ولن تُطور. قد يستلهم ناخبون كُثُر كلام سمو ولي العهد في حسن الاختيار... لكن المشكلة أكبر بكثير من صندوق الاقتراع.