مرّت الذكرى السنويّة الثانية لكارثة تفجير مرفأ بيروت، التي وقعت في الرابع من أغسطس 2020. إنّها كارثة لا يمكن إدراجها سوى في سياق تدمير العاصمة اللبنانيّة بكلّ ما ترمز إليه من انتماء للبلد إلى ثقافة الحياة.
بعد عامين على الكارثة لا وجود لمن يريد معرفة حقيقة ما جرى بين المسؤولين اللبنانيين، علما أن رئيس الجمهورية ميشال عون تسلّم قبل أيام عدّة من تفجير مرفأ بيروت تقريراً يحذّر من وقوع الكارثة.
هذا مثبت بالصوت والصورة. لكن ما العمل عندما يرفض رئيس الجمهوريّة تحمّل مسؤولياته والعمل بعد ذلك من أجل منع تحقيق دولي في تفجير مرفأ بيروت؟
هل يخشى عون من أن يكشف التحقيق الدولي من وراء الإتيان بنيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت في العام 2013 ومن خزنها في أحد العنابر طوال سنوات؟
هل يخشى أن يلعب التحقيق الدولي الدور الذي لعبته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي حدّدت بوضوح ليس بعده وضوح من كان وراء اغتيال رفيق الحريري في الرابع من فبراير 2005 ومن نفّذ الجريمة في مكان غير بعيد كثيرا عن مرفأ بيروت... بواسطة كمية كبيرة من المتفجرات؟
ليس القضاء على بيروت سوى حلقة أساسيّة في عمليّة القضاء على لبنان وتغيير هويته بشكل نهائي بعد تحويله أرضاً طاردة لأهلها، خصوصاً للمسيحيين من هؤلاء.
هذه مهمّة تولّاها أواخر ثمانينات القرن الماضي عون عندما أقام للمرّة الأولى في قصر بعبدا بين سبتمبر 1988 وأكتوبر 1990.
أتى «حزب الله» بالثنائي الرئاسي عون - جبران باسيل في اليوم الأخير من أكتوبر 2016 من أجل استكمال هذه المهمّة. لا يندرج تفجير مرفأ بيروت سوى في سياق هذا التوجّه.
لو لم يكن الأمر كذلك، لماذا لا تفسير، إلى الآن، لقطع رئيس الجمهوريّة، مباشرة بعد الكارثة، الطريق على أيّ تحقيق دولي في ما يعتبر أكبر انفجار غير نووي شهده العالم في العصر الحديث؟
تدلّ اللامبالاة بكارثة تفجير بيروت على مدى رضوخ الثنائي الرئاسي (عون - باسيل) لـ «حزب الله» الذي عمل كلّ ما يستطيع من أجل وضع اليد على موقع رئاسة الجمهوريّة بعدما استطاع جعل الطائفة الكبرى في لبنان، وهي الطائفية السنيّة، في حال من الشرذمة.
لم يعد من وجود لأي قيادة من أي نوع للسنّة في لبنان.
الأكيد أنّ تفجير مرفأ بيروت وما تلا الكارثة يمثّلان فضيحة الفضائح المرتبطة بـ «العهد القويّ» الذي هو في الواقع «عهد حزب الله».
الأكيد أيضاً أنّ في الإمكان الحديث عن فضائح كثيرة لا تحصى ولا تعدّ بدءا بتغييب الكهرباء وانهيار النظام المصرفي ومنع رئيس الجمهوريّة، منذ البداية، صدور التشكيلات القضائية بعدما بدا واضحاً أنّ المطلوب تسييس القضاء بهدف الانتهاء من أي ميزة من تلك التي تمتع بها لبنان في الماضي.
يعني تسييس القضاء كسلطة مستقلّة، بين ما يعنيه، أنّ لبنان صار مثل سورية التي يحكمها العسكر والأجهزة الأمنيّة منذ العام 1963 وصار مثل العراق الواقع تحت الهيمنة الإيرانية... أو ايران نفسها حيث القضاء منذ العام 1979 في خدمة نظام لا مكان فيه لأيّ عدالة من أي نوع...
نجح «العهد القوي» في ضمّ لبنان نهائياً إلى الأنظمة الشموليّة.
يؤكد تعطيل التحقيق، وهو تعطيل لسلطة القضاء، الذي تعبّر عنه كارثة مرفأ بيروت، عن الدرك الذي وصل إليه لبنان في ظلّ وجود عون - باسيل في قصر بعبدا.
تبيّن أن الثنائي الرئاسي أكثر فعاليّة من رئيس الجمهوريّة السابق إميل لحود الذي سعى إلى منع قيام المحكمة الدوليّة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه قبل ما يزيد على 17 عاماً.
دعا لحّود إلى تنظيف مسرح الجريمة سريعاً كي تعود الناس إلى أشغالها واصفاً الجريمة بأنّها «رذالة».
لم يستطع ذلك. كان هناك حضن عربي ودولي للبنان على الرغم من كلّ ما فعله فلاديمير بوتين في مجلس الأمن، وقتذاك، من أجل توفير ضمانات معيّنة لـ«حزب الله» والنظام السوري في صلب نص القرار الصادر عن المجلس، وهو القرار الذى أُنشئت بموجبه المحكمة الدولية.
مأساة لبنان في السنة 2022 في ذلك التخلي العربي والدولي عنه. ليس في المنطقة والعالم من يريد معرفة شيء عن تفجير مرفأ بيروت وكيف حصل التفجير.
لم تعد بيروت تهمّ أحداً. كلّ ما في الأمر أن ما عجز عنه لحود في 2005 نجح فيه الثنائي الرئاسي في العام 2020 عندما وقف سدّاً منيعاً في وجه كشف من وراء تفجير مرفأ بيروت وتدمير قسم من العاصمة.
ليس سرّاً الطرف الذي سهّل مهمّة الثنائي الرئاسي، الذي يسيّره الحقد على أي نجاح أكثر من أي شيء آخر، والذي أخذ على عاتقه القضاء على أي محاولة لإعادة الحياة إلى مؤسسات الدولة اللبنانيّة بدءا بتعطيل القضاء.
العدل أساس الملك. يغيب هذا الشعار عن بلد صارت العدالة الوحيدة فيه عدالة في خدمة لفلفة كارثة في حجم تفجير مرفأ بيروت... تفادياً لمعرفة الحقيقة. هناك حقيقة مطلوب إخفاؤها في بلد لا عدل فيه ولا ملك.
يدلّ تفجير مرفأ بيروت الذي دمّر ثلث العاصمة اللبنانية وخلّف ما يزيد على 200 قتيل، فضلاً عن آلاف الجرحى أصيب عدد منهم بعاهات دائمة على أمر واحد. هذا الأمر هو مدى هيمنة «حزب الله»، ومن خلفه ايران، على لبنان.
أكثر من ذلك أن التفجير يعطي فكرة عن عجز أي مسؤول لبناني على الذهاب في أي تحقيق في أي قضيّة من أي نوع كان في حال كان ذلك يمس بايران من قريب أو بعيد...