لا حرب أهلية في العراق ولا حرب شيعية – شيعية، على الرغم من استعراضات حمل السلاح بين سياسيين مخضرمين أو متظاهرين يحتلون مجلس النواب أو المنطقة الخضراء.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد الصدام بين المتظاهرين، إذ دعا «التيار الصدري» جمهوره إلى البقاء في الشارع، كذلك طلب «الإطار التنسيقي» الشيعي من جمهوره الاستعداد للتظاهر.
السيد مقتدى الصدر يقول إن الأمر له ولا أحد يحكم غيره، ويسير على حافة الهاوية مطالباً في شكل غير علني بانتخابات نيابية جديدة.
في المقابل، يصر نوري المالكي على المضي في اختيار أعضاء الحكومة ورئيسها مُستغلاً خطأ الصدر في الانسحاب من البرلمان.
فإلى أين تذهب الأمور في العراق؟ وماذا يريد الطرفان؟ وهل يكون الشيعة مسؤولين عن الفوضى في البلاد؟
فاز «التيار الصدري» في الانتخابات النيابية بأكبر عدد من النواب يحصل عليه أي حزب منفرداً (73 مقعداً)، فتصدت له المحكمة الاتحادية بتفسير دستوري مؤداه أنه يحق لأي فريق تشكيل تحالف - حتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية - يعتبر هو المقرر لانتخاب رئيس الوزراء إذا ما تمكن من جمع أكبر عدد من النواب تحت سقف واحد.
وقد نجح الصدر في ضم تحالف من الأكراد والسنة يعتبر الأكبر، وتالياً يحق له اختيار القادة.
إلا أن المحكمة الاتحادية خرجت بتفسير جديد يعطي أي فريق برلماني يمتلك الثلث المعطل حق منع جلسة انتخاب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية لعدم اكتمال النصاب.
هنا وجد الصدر نفسه عاجزاً عن المضي وحده مع حلفائه السنة والأكراد في تشكيل الحكومة، ولم يعد ممكنا تخطي الأطراف الشيعية الأخرى.
وهكذا أعلن أسوأ قرار اتخذه، وهو الخروج من البرلمان وإعطاء الأحزاب الأخرى كل مقاعده.
وتلقف «الإطار التنسيقي» الخائف (مؤلف من أكثر الأحزاب الشيعية المتعارضة سياستها مع برنامج الصدر) الخطوة بحماسة، ليصبح هو الحاكم الأكبر والمقرر لانتخاب رئيسي الجمهورية والوزراء.
ويبدو أن الصدر كان في المرصاد. فإما أنه أخطأ في التقدير وندم على قرار الانسحاب من البرلمان، وها هو يحتمي بالشارع ليمنع «الإطار التنسيقي» من اختيار الرؤساء، وإما أنه خطط لذلك وأراد مسبقاً إعادة الانتخابات النيابية.
إلا أنه مخطئ - بنظر البعض - في قرار إعادة الانتخابات، لأن أي انتخابات مرتقبة لن تعطيه 165 مقعداً ليصبح هو المقرر الوحيد الذي لا يحتاج الى أي طرف آخر ليختار قادة العراق.
وإذا كان الصدر يريد أن يكون الرقم الأول في المعادلة، فإن المالكي البالغ 72 عاماً، يرى أنها فرصته الأخيرة للحكم، ولا يحبذ إعادة الانتخابات لأنه حصل على 32 مقعداً برلمانياً في الانتخابات الأخيرة، وأي انتخابات جديدة يتوقع أن تعطيه مقاعد أقل.
كما أنه لا يثق بأطراف «الإطار التنسيقي» ويعتبر أن «شيخ المجاهدين» هادي العامري غير مضمون إلى جانبه، وتالياً فإن المالكي الذي لم يثق يوماً بأحد من حلفائه يتمسك بالسلطة ولن يتخلى عنها إلا إذا تدخلت إيران لدى أطراف «الإطار التنسيقي» طالبة عدم دعمه، وتلافي التصادم مع الصدر وعدم الخوض في أي صدام شيعي - شيعي.
ويبدو أن تقديم محمد شياع السوداني مرشحاً لرئاسة الوزراء كان هدفه حرق اسمه، لأن نوري المالكي سبق أن اقترح اسمه عند انتخاب عادل عبد المهدي العام 2018.
وكذلك عرض اسمه العام 2009 ورُفض، لأن المالكي لم يرض به وأراد الحكم لنفسه. لذا يبدو طرح اسمه اليوم مرشحاً لـ «الإطار» أشبه بمناورة للمالكي الذي يعلم أن السوداني لن يمر.
إلا أن المالكي لم يتوقع أن يلجأ الصدر إلى الشارع قبل تشكيل الحكومة.
فالسوداني ليس لديه إلا 3 نواب (حصل على اثنين بعد استقالة «التيار الصدري» من البرلمان). وتالياً فهو ضعيف سياسياً، وهذا ما يريده المالكي ليتحكم في رئاسة الوزراء لو قبل به الصدر.
لا يبدو الحل ممكناً إلا ببقاء رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي لإدارة الدولة إلى حين الاتفاق على انتخاب برلماني جديد، لأن الصدر لن يرضى بأي مرشح يقدمه «الإطار التنسيقي» ما دام المالكي - الذي لديه معظم نواب «الاطار» - هو الذي يقف خلف المرشح مهما يكن اسمه.
أما الحل الثاني فهو تفاهم الصدر مع «الإطار التنسيقي» على مرشح تسوية - إذا أصر «الإطار» على إزاحة الكاظمي - ليدير الانتخابات المقبلة، تماماً كما حصل عند انتخاب الكاظمي العام 2020 إذ رفض جميع المرشحين واضطرت الأحزاب الى الاتفاق على اسم موقت.
يرى البعض أن خروج الصدر من البرلمان كان خطوة غير موفقة وأن المالكي أخطأ التقدير بالتفكير في أنه يستطيع العودة إلى الحكم.
ولم يلتفت الرجلان إلى أن العالم في حالة ولادة قيصرية بفعل تعددية الأقطاب والارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور القيمة الشرائية للعملات، واتساع عدد الفقراء في العالم الذي لا يحتاج إلى حرب شيعية - شيعية يفتعلها الشيعة أنفسهم هذه المرة.
والحال هذه، لم يبق إلا التفاوض بين الأطراف لإعادة الانتخابات، بحيث يدرك الصدر أنه ربما يحصل على 10 الى 20 مقعداً إضافياً، فيتحالف مجدداً مع الأفرقاء أنفسهم حتى ولو أصبح «الإطار التنسيقي» أقل شعبية.