للمرة الثانية خلال أقلّ من أسبوع، اقتحم متظاهرون مناصرون للتيار الصدري، أمس، مبنى البرلمان العراقي داخل المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، لكنهم هذه المرة أعلنوا عن اعتصام مفتوح داخله، احتجاجاً على ترشيح «الإطار التنسيقي» (خصم التيار الصدري) محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، والذي يصفه البعض بأنه «ظل» لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الخصم اللدود لزعيم التيار مقتدى الصدر.
ودخلت جموع المتظاهرين إلى البرلمان وقاعته الرئيسية رافعين الأعلام العراقية وصور مقتدى الصدر، فيما تعالت الدعوات إلى التهدئة والحوار مع ازدياد الأزمة السياسية تعقيداً، بعد مرور 10 أشهر على الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في أكتوبر 2021، لكنها أفضت إلى شلل تام في ظل العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وقال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، في كلمة متلفزة، إنه «يتعين على الكتل السياسية أن تجلس وتتحاور وتتفاهم من أجل العراق والعراقيين»، مطالباً بـ«ضرورة الابتعاد عن لغة التخوين والإقصاء، والتحلي بروح وطنية عالية وجامعة».
وفي كلام يؤشر على عمق الأزمة، أضاف رئيس الوزراء: «ألف يوم من الحوار الهادئ خير من لحظة تسفك فيها نقطة دم عراقي»، داعياً إلى «التحلي بالهدوء والصبر والعقلانية، وعدم الانجرار إلى التصادم»، مناشداً المواطنين عدم الاصطدام مع القوى الأمنية واحترام مؤسسات الدولة.
وشدّد على ضرورة التعاون جميعاً لـ«إيقاف من يُسرّع هذه الفتنة، والكل يجب أن يعلم جيداً أن نار الفتنة ستحرق الجميع»، منبهاً إلى أن «الظرف صعب جداً، وهذه حقيقة مُرّة مع الأسف الشديد».
وأضاف: «علينا أن نتعاون وأن نتكاتف جميعاً، حتى لا ندفع بأنفسنا إلى الهاوية، وعلينا أن نحكم عقولنا وضمائرنا ووجداننا، ونلتف حول العراق والعراقيين، لا حول المصالح الضيقة».
وأكد أن «الجميع يتحمّل المسؤولية، الأحزاب والطبقة السياسية والقوى الاجتماعية وسائر المؤثرين.. علينا أن نقولها، نعم، الجميع، وعلى الجميع أن يتصرف وفق قواعد الحكمة والبصيرة من أجل العراق، حتى لا نخسر مجدداً».
وكان أنصار الصدر قد توافدوا منذ الصباح الباكر إلى المنطقة الخضراء المحصنة، حيث تجاوزوا في البداية الكتل الخرسانية قبل أن يقتحموا مجلس النواب ويعلنوا الاعتصام المفتوح في داخله.
وسقط نحو 125 جريحاً، 100 منهم مدنيون والباقي من رجال الأمن، جراء إطلاق القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع والمياه في محاولة لتفريق المتظاهرين وردعهم.
في المقابل، أعلن «الإطار التنسيقي»، الذي أصبحت لديه الغالبية في مجلس النواب بعد استقالة نواب «التيار الصدري» الـ73 في يونيو الماضي، أنه يتابع بقلق ما يجري، ويدعو إلى ضبط النفس وأقصى درجات الصبر، بيد أنه لوّح بـ«التظاهر السلمي» في الوقت ذاته، دفاعاً عن «الدولة وشرعيتها ومؤسساتها»، في مؤشر على احتمال خروج أنصاره في تظاهرات مضادة، على قاعدة التصعيد في الشارع يقابله تصعيد مماثل.
لكن هذا البيان «التهديدي» سرعان ما تلاشت مضامينه، مع إعلان «الإطار» في بيان آخر بعد ساعات تأجيل التظاهرات حتى إشعار آخر، وتشديد عدد من القوى المنضوية تحت لوائه، من بينها تحالف «الفتح» برئاسة هادي العامري، على ضرورة التهدئة والحوار.
حتى رئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، الذي يعد الخصم الأول للصدر، دعا إلى الحوار والتهدئة، وابتعد في بيان أصدره مساء عن استخدام لغة التهديد.
وفي خضم تسارع التطورات، قرر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي تعليق عقد جلسات البرلمان حتى إشعار آخر، داعياً إلى «اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المؤسسات وحماية المتظاهرين»، الذين دعاهم في المقابل إلى «الحفاظ على سلميتهم وحفظ ممتلكات الدولة».
وطالب الحلبوسي كذلك جميع القادة والكتل السياسية بعقد «لقاء وطني عاجل لإنجاز حوار وطني فاعل ومسؤول»، مشدداً على أن العراق يعيش «أوقاتاً صعبة وحساسة» تتطلب من الجميع «كظم الغيظ والتحلي بأعلى درجات الحِلم والمسؤولية الوطنية».
وفي دعوة مماثلة، حض رئيس تيار «الحكمة الوطني» عمار الحكيم على «ضبط النفس والتحلي بأقصى درجات الحكمة للحيلولة دون ضياع الوطن الذي لا يعوض».
ودعا «الإخوة في التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي للدخول في حوار مفتوح مباشر وبناء... يتم التأكيد فيه على تطمين كل طرف للآخر بعدم وجود نية لإلغاء أحد على حساب آخر».