هل دشّن فرنجية «حملته الرئاسية» بزيارة بري؟

لبنان واستحقاقاته على الطاولة بين ماكرون وبن سلمان

28 يوليو 2022 10:00 م

لم يكن مُفاجئاً أن يحضرَ الملف اللبناني على طاولةِ محادثاتِ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس في باريس، على مشارف منعطف بالغ الدقة تطلّ عليه «بلاد الأرز»، مالياً وسياسياً.

وإذا كان الاهتمام السعودي – الفرنسي المشترك بالواقع اللبناني ارتسم فعلياً في ديسمبر الماضي إبان قمة جدة بين ماكرون وبن سلمان والتي وضعت إطاراً ناظماً ثلاثي البُعد لمعالجة أزمة دول الخليج مع لبنان وفيه، ارتكز سياسياً على تفعيل القرارات الدولية ذات الصلة بـ «حزب الله»، ومالياً على أولوية إنجاز الإصلاحات التقنية، وإنسانياً على إرساء آلية مساعدات للشعب اللبناني، فإن هذه العناوين ما زالت حتى الساعة هي التي تحكم مقاربة الوضع في «بلاد الأرز» وباتت أكثر إلحاحاً مع:

* وقوف لبنان على تخوم انتخاباتٍ رئاسية (موعدها الدستوري بين 31 أغسطس و31 أكتوبر) تحوّلتْ معياراً لإمكان استعادته توازنه السياسي والخروج التدريجي من تحت «جناح» المحور الإيراني وإكمال «الإشارة» نحو التغيير التي أطلقتْها الانتخابات النيابية الأخيرة التي خسِر فيها «حزب الله» نقاطاً لم يربحها خصومه.

* انغماس حكومة تصريف الأعمال والبرلمان الجديد في محاولةٍ شائكة لإنجاز الإجراءات الإصلاحية المسبقة التي تشكل جواز العبور لإبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل بقيمة 3 مليارات دولار على 4 سنوات، مشروطٍ بحصول بيروت على «دعم مكمّل» من الدول المانحة التي تشكل رافعتَها دولُ الخليج التي تُعْلي الاعتبار السياسي - السيادي في مقاربة الواقع اللبناني.

* دخول مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل مرحلة مفصلية يُنتظر أن تتبلور أكثر مع الزيارة التي يقوم بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت بعد غد، على وقع توازن ردع أقامه «حزب الله» عبر معادلة: لا استخراج من كل الحقول الإسرائيلية ما لم يضمن لبنان بدء التنقيب في حقوله ويَصُن حقوقه كما تحدّدها الدولة، وهو الملف الذي لا يمكن فصْلُه عن توتّرات المنطقة ولا تطورات الحرب في أوكرانيا وحاجة الغرب إلى تبريد جبهات في الشرق الأوسط كي لا تموت أوروبا «من البرد»، ما قد يجعل متاحاً انتزاع اتفاقٍ بتقاطعاتٍ تقوّي الوضعية اللبنانية التي يتفوّق فيها «حزب الله» من دون أن تُضعِف موقع طهران مع حلفائها الإقليميين والدوليين.

ورغم اعتبار أوساط مطلعة أن لا ثِقل لباريس في الوضع اللبناني، فإن الحركة الخليجية والمصرية في اتجاهها في الأسابيع الأخيرة تجعلها تستفيد من قدرة تأثير ولو محدودة لبنانياً يمنحها الآخَرون لماكرون مجدداً في سياق «جرّب حظّك»، من دون أن يمانعها بالضرورة «حزب الله» ما دامت منضبطة تحت سقف خطوط حمرٍ أعطت فرنسا سابقاً ومراراً إشاراتٍ إلى أنها تدركها أكثر من غيرها، وهذا ينطبق على مقاربة كل المسار اللبناني بدءاً من الرئاسة وصولاً إلى موضوع الإصلاحات والترسيم.

ولم يكن عابراً عشية الشهر الأخير الفاصل عن دخول البلاد الزمن الرئاسي، ما اعتُبر تدشيناً من زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية «جولاتٍ رئاسية» عبر زيارة قام بها لرئيس البرلمان نبيه بري مؤكداً «نحن فريق واحد».

وإذ قال فرنجية رداً على سؤال عن رأيه بحال كانت الأمورُ تميل رئاسياً نحو قائد الجيش العماد جوزف عون وهل يمكن أن يسير به: «كل ما هو لمصلحة لبنان نحن معه»، فإن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة على طريق انقشاع الرؤية في ما خص إمكان إنجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن مهلته الدستورية وتمرير رئيسٍ يرى كثيرون أن صفة «التحدي» للخارج أو عدمها ستكون مرتبطة بمقدار نيْله غطاء داخلياً مع عدم ممانعة إقليمية - دولية، وهو ما يبدو أن «حزب الله» يعمل على هنْدسته عبر الابتعاد خطوة عن «مرشحه الحقيقي» (فرنجية)، من دون أن يَسقط من الحسبان أن استيلاد رئيسٍ في ظل التوازن السلبي في برلمان 2022 وعدم إمساك أي فريق صراحةً بأكثرية النصف زائد واحد (مطلوبة في الدورة الثانية وما فوق) قد يستوجب فراغاً مدروساً لإنهاك الداخل وتخويف الخارج، ما لم تكن برزت مقتضيات تستدعي شغوراً مفتوحاً.

«العصا والجزرة» لفكّ إضراب القطاع العام... والدولار الجمركي «لغم كبير»

في موازاة هذه اللوحة المتداخلة، بقيت «ورطة الخبز» تُطْبِق على لبنان وشعبه رغم كل التطمينات الرسمية إلى أن الأزمة في طريقها إلى الحلّ في اليومين المقبلين.

وفي حين كانت مناطق عدة تشهد إشكالات أمام الأفران وسط تداوُل صور لـ «طوابير ذلّ» لا تنتهي ولمواطنين يرفعون علامة النصر بعد «الفوز» بربطةٍ واحدة في أعقاب انتظار ساعاتٍ وآخرون «يتقاتلون» على بضعة أرغفة في يد بائع يلوّح بها أمامهم وكأنه «مزاد علني»، فإن السلطات حاولت تهدئة المواطنين عبر تأكيد أنها ستضع في العمل نظام تَتَبُّع للطحين المدعوم من المصدر الى المستهلك منْعاً للتهريب إلى سورية والاحتكار بغرض البيع في السوق السوداء أو تخزين آخِر كميات مدعومة بقرض من البنك الدولي تكفي الاستهلاك الداخلي لـ 9 أشهر يُرفع بعدها الدعم عن القمح المخصص لإنتاج الخبز العربي بحيث يرتفع سعر الربطة من نحو 15 ألفاً حالياً إلى ما بين 30 و32 ألفاً.

ويُذكر أن وزارة الاقتصاد اللبنانية تؤكد أن القمح موجود وأن كميات وافرة منه تُسلَّم الى المطاحن وتالياً الأفران، ولكن هناك جشعاً لدى مَن يستخدمون الطحين المدعوم لإنتاجاتٍ غير الخبز العربي (تباع بأسعار غير مدعومة) لتحقيق أرباح طائلة، ناهيك عن تقارير عن عمليات تهريب آلاف ربطات الخبز إلى سورية حيث تباع بأكثر من ضعف سعرها، وبروز تجارة سوق سوداء في لبنان «أبطالها» نازحون سوريون ولبنانيون.

وإذ حجبت هذه الأزمة الأنظار عن ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية لما فوق 30 ألف ليرة للمرة الأولى منذ أسابيع، فإن الاهتمام ينصبّ على كيفية تَلقي الشارع الاتجاه لـ «تهريب» رفع الدولار الجمركي وتقاضيه بالليرة على سعر منصة صيرفة (نحو 26 ألف ليرة) عوض 1500 ليرة، وذلك عبر مراسيم جوّالة في ظل حكومة تصريف الأعمال، وتحت عنوان توفير أموال وايرادات لتمويل تعويض موظفي القطاع العام (أعلنوا إضراباً مفتوحاً منذ نحو 6 أسابيع) بعضاً مما خسرته رواتبهم جراء انهيار الليرة وارتفاع سعر البنزين.

وجاءت رزمة القرارات التي أقرتها اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف الإضراب ومعالجة مطالب الموظفين، مدجّجة إضافة إلى لغم الدولار الجمركي الذي سيرتّب أعباء على كل اللبنانيين ويغذي «وحش» التضخم، بما بدا إصراراً من السلطة على فكّ الإضراب الذي يشلّ القطاع العام ومعه الخاص، وسط ارتسام لعبة «جزرة وعصا» تعتمدها عبر التلويح بيدٍ بعطاءات وراتب إضافي وآخر تحفيزي عن الإنتاج وبدلات نقل وحضورٍ، وباليد الأخرى بتهديد كل موظف لا يحضر يومين إلى العمل بإحالته إلى التأديب ومنعه من تقاضي الأجزاء الجديدة من الراتب، وصولاً للتلويح باعتبار كل مَن يضرب عن العمل لمدة 15 يوماً مستقيلاً حكماً.

وفي موازاة ذلك، نجحت السلطات في جعل مديرتيْ الصرفيات والخزينة في وزارة المال تعودان إلى العمل أمس حيث عمدتا الى دفع المساعدة الاجتماعية للعسكريين والمتقاعدين وبدء إنجاز رواتب القطاع العام التي ستتأخّر حكماً الشهر الطالع بحيث يحلّ عيد الجيش في الأول من أغسطس على العسكريين من دون معاشاتهم.

قائد الجيش: التزام بالقرارات الدولية وتعزيز التعاون مع «اليونيفيل»

لمناسبة عيد الجيش السابع والسبعين، توجه قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون الى العسكريين بأمر اليوم قائلاً: «تعيشون ظروفاً استثنائية، وتعانون كما شعبنا من الأزمة الاقتصادية والمالية التي بدأت منذ نحو ثلاثة أعوام. هذه الأزمة التي تفاعلت أخيراًً، أدّت إلى شلل في معظم قطاعات الدولة ومؤسساتها، ما أنتج تداعيات سلبية في مختلف المجالات.

وحدها المؤسسة العسكرية لا تزال متماسكة وجاهزة لتحمّل كامل مسؤولياتها تجاه وطنها وشعبها بكل عزم وإرادة واقتناع».

وأكد «لن نسمح باهتزاز الأمن ولن نسمح للفتنة أو الفوضى أن تجد لها طريقاً إلى ساحتنا الداخلية، على أمل اجتراح الحلول السياسية الكفيلة بإنقاذ البلاد ومنعها من الانهيار»، مشدداً على «أن التزامنا تجاه القضايا الوطنية أساسي، والتزامنا بالمواقف الرسمية حتمي، وبخاصة ملف ترسيم الحدود البحرية، والتزامنا بالقرارات الدولية وتعزيز التعاون مع قوّة الأمم المتحدة الموقّتة في لبنان ضرورة قصوى»، رافضاً «محاولات زج المؤسسة في مهاترات لأهداف خاصة ومشبوهة».

اجتماع رباعي عربي في لبنان

فيما كانت السفارة الأميركية تؤكد لمناسبة إتمام التدريبات البحرية السنوية التي أجراها الجيش اللبناني مع القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية على مدى الأسبوعين الماضيين «أن الولايات المتحدة تنوي تطوير برنامج دعم سبل العيش للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لتقديم المساعدة التي تشتد الحاجة إليها»، برزت استضافة بيروت أمس اجتماعات لوزراء الزراعة في لبنان وسورية والعراق والأردن تمحورت حول بلورة اطار جديد لتعزيز التبادل التجاري الزراعي وتطويره، وتذليل العقبات المتعلقة باجراءات الحجر الصحي الزراعي والبيطري بين هذه الدول واجراءات النقل والترانزيت، وموضوع الأمن الغذائي.

وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي في افتتاح الاجتماعات «أن لبنان الذي يعاني مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية يتطلع إلى أشقائه وأصدقائه كي يقفوا إلى جانبه في محنته، ليستطيع أن يعود إلى لعب دوره المحوري داخل أسرته العربية».

وشدد على «أن تحقيق الأمن الغذائي للجميع يشكل إحدى الأولويات الرئيسية لدولنا وسائر البلدان العربية، لا سيما في ضوء الأحداث الاخيرة في العالم والتي كشفت فعليا فجوة عميقة ينبغي التنبه لها وتتعلق بضرورة تعديل سلّم الاولويات والتركيز بشكل أساسي على القطاعات الزراعية والغذائية وتبادل الانتاج وتكامله، إضافة الى تبسيط إجراءات التصدير والاستيراد وانسياب الاشخاص والخبرات».