تنعقد جلسةُ الهيئة العامة لمجلس النواب اللبناني اليوم بين «الأسلاك الشائكة» التي أَحْكَمَتْ الطوقَ على ملف تأليف الحكومة الجديدة، والمتاريس الآخذة في الارتفاع على خلفية التوقيف – السابقة للمطران موسى الحاج على معبر الناقورة الحدودي مع اسرائيل عقب عودته من «الأراضي المقدّسة» لنحو 13 ساعة والتحقيق معه ومصادرة جواز سفره وهاتفه ومساعدات مالية وطبية كان يحملها.
وفي حين يشي مسار التأليف المقفل بمزيد من الجمود الذي يعززه «يباس» أي محاولات جدية لمعاودة إطلاق محركات التشكيل الذي تعطّلت عجلتُه مع تبادُل الاتهامات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي بوضع العصي في دواليب التأليف الذي بات يدور في حلقة الانتخابات الرئاسية (تبدأ مهلتها الدستورية بعد 36 يوماً)، وعلى وقع تَمَدُّد تداعيات ما اعتبره الكنيسة «اعتداء سياسياً» عليها عبر «التصرف البوليسي» بتوقيف الحاج الذي تستعيد معها البلاد مشهدية التحلق حول بكركي تحت عناوين سيادية في ضوء وضع «حزب الله» كـ «طرف»، وإن غير مباشر، في ما جرى، تكتسب الجلسةُ التشريعية اليوم لبرلمان 2022 أهميةً خاصة تتعدّى مضامين البنود الأربعين المدرجة على جدول الأعمال.
وفي موازاة رصْد هل ستترك التشظيات السياسية لـ «لغم» توقيف المطران الحاج ندوباً على مسار الجلسة و«الاصطفافات» فيها، يتصدّر واجهة اليوم التشريعي مشروعُ تعديل قانون السرية المصرفية الذي يتوسّع نطاقُه ليشمل قوانين نافذة ذات صلة، بينما تغلب صفة «العادية» على غالبية المشاريع المدرجة، كونها تتعلق بإقرار اتفاقات قروض وتَعاوُن مع مؤسسات خارجية وتخصيص اعتمادات وتعويضات وإدخال تعديلات على قوانين سارية.
وترصد الأوساط الاقتصادية والمالية المنحى الذي سيُظْهِره المجلس النيابي في الملاقاة التشريعية اللاحقة لحزمة القوانين التي تتطلع حكومة تصريف الأعمال برئاسة ميقاتي الى تمريرها، خصوصاً لجهة الإقرار المتأخر لمشروع موازنة العام الجاري، ومشروع وضع ضوابط استثنائية على التحويلات والرساميل التائه منذ انفجار الأزمة النقدية قبل نحو 3 أعوام، فضلاً عن مشروع إعادة هيكلة الجهاز المصرفي الذي سيحتاج بعد إعداد صيغته النهائية الى تواقيع نيابية مسبقة، بسبب عدم إمكان التئام مجلس الوزراء.
ولا تبدو الترقبات، بحسب مصادر متابعة، مشجعة كثيراً في تحقيق الحكومة لهذه الأهداف مجتمعة ضمن الوقت الضيق الفاصل عن الدخول في الاستحقاق الزمني لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
بل تميل الترجيحات إلى أن نمط «تضييع الوقت والفرص» الساري وفق التوصيفات الدولية لمنهجيات وممارسات السلطات المعنية، سيبقى مسيطراً إلى حين نضوج تسويات داخلية ومعزَّزة بتوافقات إقليمية ودولية، تتناول القضايا المفصلية التي تبدأ بتحديد هوية وشخص الرئيس المقبل ولا تنتهي بملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
وبذلك، وعلى وقع تَجَدُّد الاحتاجاجات على الواقع المعيشي في الشارع عبر قطع طرق أمس في مناطق عدة بينها طرابلس، تخشى الأوساط الاقتصادية من «تجميد» مستمر وغير محدد الأمد لقيام الحكومة بتنفيذ التزاماتها الواردة في الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين والذي أبرمته مع فريق صندوق النقد الدولي في السابع من أبريل الماضي، والذي أعقبتْه بمحاولة التعجيل بإقرار خطة التعافي في مجلس الوزراء، سعياً للانتقال الى المرحلة الأخيرة لحيازة موافقة الإدارة العليا للصندوق على الاتفاق المتضمن للبرنامج التمويلي بقيمة 3 مليارات دولار على 4 سنوات.
وتشكل الموازنة العامة ومشاريع القوانين المالية الموازية، إلى جانب خطة التعافي، سلة الشروط المسبقة لبلوغ المحطة الأخيرة لاتفاقية الصندوق.
لكن واقع الحال أن الخطة التي تم إقرارها بصورة ملتبسة ورافقتْها اعتراضاتٌ فورية من أطراف وزارية من داخل الحكومة عينها، ما لبثت أن تلقت ضربات لاحقة من مرجعيات وقطاعات وازنة، وفي مقدمها لجنة المال والموازنة وكتل نيابية كبيرة وحتى من «بيت ابيها»، بعدما فاجأ ميقاتي النواب بطلب إهمال النص المقترح والتعهد بإدخال تعديلات تطول خصوصاً توزيع الخسائر وإنشاء صندوق سيادي وتَشارُكي لتعويض المودعين في البنوك.
في الأثناء، يحاول منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير الفرنسي بيار دوكان تكراراً تحفيز المسؤولين في السلطات كافة على التقاط الفرص المتاحة دولياً وضمن هوامش الوقت الضيق لمعاونة البلد المنكوب على كبح المزيد من التدهور المأسوي وتَلَمُّس سبل الانخراط في الاستجابة لموجبات الاصلاحات الهيكلية مالياً وإدارياً ما يمكّن البلاد من التموضع على مسار النهوض.
واستطلع «ناظر» مؤتمر «سيدر»، من وزير المال يوسف الخليل، المراحل التي قام بها المجلس النيابي والحكومة ووزارة المال تحديداً من خطوات إصلاحية وتصحيحية ضرورية وأساسية سواء على مستوى التشريعي أو الحكومي والتي كان آخرها ما تم تسليمه من «المالية» الى المجلس النيابي من إيضاحات وإجراءات لجهة التسريع في إقرار موازنة العام 2022 والمرتبطة بمنهجية إعداد مشروع الموازنة بما فيها سعر الصرف المعتمد، وبإعادة تقييم قاعدة استيفاء الضرائب والرسوم عند الاستيراد.
وعلى ذمة بيان رسمي لوزارة المال، فإن دوكان قيّم بإيجاب ما تم على طريق تحقيق التصحيح المالي والاقتصادي وفق البرنامج الذي يتصل بالمساعدة التي يقدمها صندوق النقد الدولي للبنان.
كما أبدى تفاؤلاً في إعادة استنهاض الوضع الاقتصادي، لاسيما أن المجتمع الدولي وفي مقدمه فرنسا مهتمّ وبجدية في مساعدة لبنان على تجاوز أزمته ومتّفق على عدم السماح بالوصول به الى مرحلة الانهيار التي تهدّد قطاعاته الاقتصادية والمصرفية واداراته العامة.
ووصف الوزير الخليل العمل الذي يُبذل على مستوى إقرار الخطوات التي تساهم في الوصول الى واقع تصحيحي بأنه أكثر من جدي، معرباً عن تفاؤل بإقرار الموازنة في القريب العاجل، وان كانت موازنة 2022 تعد طارئة وتصحيحية وليست موازنة إصلاح كلي، آملاً أن تكون موازنة 2023 التي بدأت مديريات وزارة المالية العمل على اعدادها مدخلاً لأبواب إصلاحية على طريق الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي مع مقاربات دقيقة لمسار التعافي المالي والنقدي.
وكان لافتاً أمس أن ميقاتي التقى المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا التي قالت: «جئت لأبلغ الرئيس ميقاتي عن لقاء مجلس الأمن الذي عقد في 21 يوليو الجاري في نيويورك حيث قدمتُ عرضاً عن التطورات في لبنان.
وأستطيع أن أقول بأن الجو في مجلس الأمن كان إيجابياً، وأيّد أعضاء المجلس إنجاز اصلاحات اقتصادية واجتماعية في لبنان، وتأليف حكومة في أسرع وقت واحترام الدستور، وفي الوقت المحدد انتخاب رئيس جديد يدعم الاستقرار في لبنان ومصلحة اللبنانيين».
المطران الحاج: مُتَعَمَّدٌ لا عَرَضي... ما حصل على معبر الناقورة
| بيروت – «الراي» |
أعلن المطران موسى الحاج أن ما حصل معه على معبر الناقورة الحدودي «كان متعمّداً، لا عَرَضياً»، لافتاً إلى أنها ليست المرة الأولى التي جرى التضييق فيها معه لدى عبوره إلى لبنان «وهي معاملة لا تليق برجل دين، كما تتنافى مع القوانين التي ترعى العلاقة مع الاكليروس والقيادات الروحية من مختلف الطوائف»، ومؤكداً أن ما قام به هو «إيصال المساعدات لعائلات لبنانية لأسباب ودوافع إنسانية لا علاقة لها بالسياسة أو بأي أجندة».
جاء كلام الحاج خلال مشاركته في الاجتماع الذي عقده المجلس التنفيذي للرابطة المارونية ودام ثلاث ساعات ونصف الساعة عرض خلاله رئيس أساقفة أبرشيّة حيفا المارونيّة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينيّة وعمّان وأراضي المملكة الأردنيّة الهاشميّة المطران التفاصيل الدقيقة لِما تَعَرَّضَ له عند معبر الناقورة يوم الاثنين الماضي.
اللواء إبراهيم: أكنّ كل الاحترام للراعي ولا علاقة لي وللأمن العام بالحسابات السياسية
| بيروت – «الراي» |
في أول الكلام المباشر حول توقيف المطران موسى الحاج على معبر الناقورة الحدودي، قال المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم «أكنّ كل الاحترام للبطريرك الماروني (مار بشارة بطرس) الراعي ولكن كرئيس جهاز من ضمن مهماته متابعة حركة الدخول والخروج على كافة الحدود وما يتبعها من تفاصيل، فمن ضمن عملي ايضاً تنفيذ أي أشارة قضائية».
وقال اللواء ابراهيم لقناة «الجديد»: «لا علاقة لي ولا لمديرية الأمن العام بالحسابات السياسية. وإذا مرّ والدي على الحاجز او المعبر وكانت هناك إشارة تقتضي تفتيشه فسنقوم بواجبنا كاملاً، وإذا كان هناك اي التباس فالجهة التي تتم مراجعتها هي القضاء وليست الأجهزة الأمنية».
وأكد أن «المطران موسى الحاج لم يتعرض لأي إساءة من عناصر الأمن العام، وكانت لديه 20 حقيبة سفر لذا احتاج تفتيشها 8 ساعات ولم نُتلِف ما كان يحمله المطران بل كل ما صادرناه أصبح بتصرف القضاء وليس بتصرف المديرية العامة للأمن العام».
وعلى صعيد آخر، أوضح ابراهيم ان «الوسيط الأميركي (في ملف الترسيم البحري مع اسرائيل آموس هوكشتاين) عائد الى لبنان أواخر الأسبوع المقبل وسيقوم بجولة مشاورات ومن المحتمل أن يعود بجواب على العرض الذي قدمه لبنان في الزيارة الأخيرة. نحن ذاهبون الى تسوية مهما طال الزمان أو قصر».
وأضاف: «الحرب لها علاقة بمسار المفاوضات ونتمنى ألا تحصل، ولكن إذا كان حقنا سيضيع فأؤكد أنه من المشروع أن نذهب إلى أي وسائل أخرى لتحقيق هذا الحق. الدولة اللبنانية ستحقق حق لبنان وعليها أن تقوم بما يجب لتحصيله، ومَن يساند الدولة في هذا الموضوع فأهلا وسهلا به».
جعجع: القاضي عقيقي... خائن
| بيروت – «الراي»: |
وصف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي بأنه «خائن» على خلفية القرار الذي أصدره بتوقيف المطران موسى الحاج عند معبر الناقورة الحدودي الاثنين الماضي والتحقيق معه لـ 13 ساعة ومصادرة جواز سفره وهاتفه الجوال ومساعدات مالية وطبية كان يحملها.
وقال جعجع «إن البطريركية الماورنية لم تتأخر عن أي موضوع وطني، والقاضي عقيقي خائن وللأسف رئيس الجمهورية يقول ليس من صلاحياتي ملاحقة القضاة في حين أن الجميع تهرّبوا من المسؤولية في قضية المطران الحاج. ونعم لوزير العدل الصلاحية حين يُمَسّ الأمن القومي للبنان».
واعتبر «ان ما حصل في موضوع المطران الحاج غير مقبول بكلّ المقاييس بغضّ النظر عن كلّ الحجج والقرائن التي صيغت» (قانون مقاطعة إسرائيل وأن الأموال والمساعدات الأخرى مصدرها متعاملون لبنانيون مع إسرائيل فروا إليها بعد انسحاب العام 2000).
واضاف: «انتهكت كل أصول اللياقة والتعاطي مع المرجعيات الدينية والسبب الرئيس وراء هذا التصرّف إيصال رسالة إلى بكركي أنّ مواقفها السياسية غير مقبولة». وتابع «نأسف لأن تصل دولة لبنان إلى وضعية تحصل فيها تصرّفات بهذا الشكل مع بكركي خصوصاً».
واعتبر أن «هناك نيات سياسية كبيرة وغير مبيّتة والمجموعة الحاكمة تريد وضع يدها على البلد بطرق مختلفة».
هاجم «حزب الله» ضمناً وانتقد «الفجور السياسي»
السنيورة: طرفٌ يتهم طائفةً بالعمالة وأخرى بالإرهاب
| بيروت – «الراي» |
أعلن الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة «أن قضية المطران موسى الحاج وما أحاط بها من ملابسات أتت لتثير جملةً من التساؤلات وفي طليعتها، هل جميع اللبنانيين متساوون في حقوقهم وواجباتهم تحت سقف القانون؟ وهل الدولة اللبنانية وشرعيتها هي المرجع الصالح في تقييم مواطنيها أو أن هذه الصلاحية قد أنيطت بتنظيمٍ يتولى يومياً فحص الدم الوطني؟ هل ينطبق ما حصل على جميع اللبنانيين؟».
وجاء موقف السنيورة في بيانٍ يكسر أي منحى لجعْل تصدّي الكنيسة لِما اعتبرته «تعدياً مدبَّرا» و«مسرحيّة أمنيّة – قضائيّة – سياسيّة أعادتْنا إلى زمن الاحتلال» معركةً «مسيحية»، ويعزز اتساع «الحلقة العابرة للطوائف» التي تلتفّ حول البطريركية المارونية في ما يبدو «مواجهةً سياسية – سيادية» أطلق الائتلاف الحاكم بقيادة «حزب الله» شرارتها تحت عنوان «العمالة والتطبيع».
وقال السنيورة إن هناك «طرفاً لبنانياً – وبدعمٍ خارجيٍ- يريد ويعمل على الإطاحة بالعقد الاجتماعي بين اللبنانيين القائم على أنّ لبنان وطن سيّد حرّ مستقل ونهائي لجميع أبنائه وعربي الهوية والانتماء، وهذا الطرف يقوم تارةً باتهام طائفةٍ بكاملها بالإرهاب وطوراً باتهام طائفة أخرى بكاملها بالعمالة، ويضع نفسه في موقع مَن يوزع الشهادات في الوطنية. ومَن يقترب منه أو يخضع لابتزازه يقترب من معايير الحصول على شهاداته الملتبسة في الوطنية ولو أن البعض ممن يقترب منه تاريخه حافل بالعمالة. ومن جانب آخر، فإنّ من يبتعد ويرفض الخضوع لهذا الطرف فهو بنظره إما إرهابي وإما عميل».
وشدّد على أن «مواجهة هذا الفجور السياسي لا تكون من خلال عودة اللبنانيين أو دفعهم إلى داخل مربّعاتهم الطائفية والمذهبية، بل هو حتماً في تمسك اللبنانيين جميعاً بتضامنهم الوطني حول قضاياهم الوطنية المحقّة تحت سقف الدستور وعلى أساس الاحترام الكامل لسيادة الدولة ولدولة القانون والنظام، وبما يحول دون ازدواجية السلطة».
وأكّد أن «التلاعب بقضية المطران الحاج من أجل تفرقة المواطنين إلى وطني وعميل لا يجوز، كما لا يجوز تصغير القضية إلى حدود الأموال والأدوية وعبور الحدود اللبنانية المنيعة، إذ هي استخدامٌ لعناوين غير صحيحة وغير ملائمة من أجل المساس بالبطريركية المارونية وبدعاة الاستقلال والسيادة».
وشدد على أن «الحقيقة التي يجب ألّا تغيب عن جميع اللبنانيين تكمن في أنهم إما أن ينجوا مجتمعين وموحدين تحت سقف هذا العقد الاجتماعي الذي كرّسه اتفاق الطائف والدستور وعلى أساس الالتزام بقرارات الشرعيتين العربية والدولية واما أنهم سيغرقون متفرقين جماعة تلو أخرى في لجّة سحيقة لا خروج منها، خاسرين بذلك وطنهم وأنفسهم».