سلام الشرق الأوسط... أصبح مطلب الغرب

24 يوليو 2022 10:00 م

انعكستْ أهمية الطاقة وحماية مصادرها إيجاباً على الشرق الأوسط، حيث تعمل الدول الغربية بجدية على إرساء استقرار في البلدان المُنْتِجة للنفط والغاز بعدما تركت العقوبات الأميركية – الأوروبية على روسيا ارتدادات سلبية على العالم، خصوصاً على الغرب، كنتيجةٍ للحرب الروسية – الأميركية على الأراضي الأوكرانية.

وبسبب استجداء أميركا وأوروبا للنفط والغاز من دول عدة، سينعم الشرق الأوسط بحالة هدوء متوقَّعة بعد عقود من الحروب والاجتياحات والصراعات، لتصبح «مصائب قوم عند قوم فوائد».

هدد «حزب الله» اللبناني بضرب إسرائيل وبإعلان الحرب عليها، للمرة الأولى آخذاً المبادرة، إذا أقدمت على استخراج الغاز من حقول كاريش وتمار.

وتقول مصادر مطلعة إن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أجرى تقديراً للموقف لاستخراج خلاصة أهمّها أن إسرائيل لا تريد الحرب بل تخشاها، وأن الغرب لن يقف متفرّجاً لأنه منغمس بمصائب البحث عن الطاقة وليس الحرب في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل أحد المصادر المهمة للطاقة العالمية.

ومن المتوقع أن تتوقف إسرائيل عن استخراج الغاز وتنسحب الشركات العالمية من هذه الحقول خشية الصِدام العسكري خصوصاً بعد إرسال «حزب الله» مسيَّرات كإنذارٍ بضرب الحقول. وما زاد الطين بلة إجراء البحرية الإسرائيلية توصية لتدريب العاملين في استخراج الغاز من الشركات الأجنبية على إخلاء الموقع، ما استدعى اجتماعاً مستعجلاً في فرنسا أبلغ إسرائيل بأن استخراج الطاقة يحتاج إلى أمن واستقرار وأن حال الاستنفار ستدفع جميع الشركات للانسحاب.

وهنا تدخّلت القيادة الفرنسية لتطلب من إسرائيل الامتثال لرغبات لبنان وترسيم الحدود البحرية. فما كان من لبنان إلا أن رَفَعَ سقف المفاوضات ليطالب بضماناتٍ بأن يصار إلى بدء العمل في المناطق اللبنانية البحرية من قبل الشركات الأجنبية، بعد التوقيع وترسيم الحدود على ألّا يصار إلى أي تأخير في المباشرة بالتنقيب عن مصادر الطاقة في لبنان.

وما دَفَعَ باريس للتدخل مباشرةً هو أنها تعتبر أن طاقة الشرق الأوسط ستصبّ في نهايتها إلى أوروبا التي تبحث عن بدائل عن مصادر الطاقة الروسية التي تنوي التخلي عنها السنة المقبلة.

وقد تدخّل أيضاً السفير المصري في لبنان في محاولةٍ لنزع فتيل التفجير وتهدئة الوضع.

لم تكن يوماً إسرائيل في موقفٍ مماثل من قبل، ترضخ لتهديدات «حزب الله» دون جرّ العالم خلفها لضرب التنظيم وشنّ الهجمات عليه.

إلا أن الوضع الحالي يفرض على الجميع التهدئة لأن الدول التي تستطيع إنتاج الطاقة أو تمرّ ناقلات النفط والغاز منها يجب أن يسودها الهدوء للسنوات المقبلة أقله إلى حين استقرار أسعار الطاقة وتهدئة الأسواق المضطربة.

وفي ليبيا، أعلنت السلطات أنها تنوي زيادة إنتاجها من النفط لبلوغ مليون و200 ألف برميل يومياً لتلبية حاجة الأسواق العالمية.

وكذلك أعلن العراق أنه يستطيع زيادة إنتاجه بنحو 200 ألف برميل يومياً من حقول «القرنة -1» (التي تحتوي على احتياط يبلغ 20 مليون برميل نفط) إذا طُلب منه ذلك.

وتؤكد مصادر مطلعة أن الغرب يريد استقرار منطقة الشرق الأوسط لأنه يشعر بخطر فقدان الطاقة المتأتية من روسيا، والتي ستتسبب بزعزعة الأمن العالمي جراء العقوبات الغربية على روسيا.

كانت بلدان الشرق الأوسط ساحة للمعارك التي أذكت نارها الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا لتبقى مسيطرة على تلك البقعة من العالم.

وتذكية الحروب الشرق - أوسطية سمحت للغرب ببيع أسلحته وإعطاء شركاته الأولوية للاستثمار في جميع المجالات ليؤكد الغرب هيمنته.

إلا أن الأمور قد نضجت اليوم وأصبحت دول الشرق الأوسط تستطيع التحدث في ما بينها عن مخاوفها، وتبحث عن ضمانات باللقاءات والمحادثات كتلك التي حدثت ومن المتوقع ان تستمر في بغداد بين إيران والمملكة العربية السعودية.

وأصبح الاستقرار في الشرق الأوسط ضرورة للغرب الذي قرر خوض معركة مع روسيا معتقداً أن العقوبات ستدفع الشعب الروسي ضدّ الرئيس فلاديمير بوتين وستضرب الاقتصاد الروسي في الصميم.

إلا أن العكس هو الصحيح، من دون أن تكون العقوبات غير فعالة بتاتاً.

إلا أن أوروبا بدأت تتكلم عن تقنينٍ للغاز وضرورة تخفيض الاستخدام بنسبة 15 في المئة لجميع سكان القارة ودولها التي تعتمد على الغاز الروسي (عدا اليونان وإسبانيا).

وانتقلت الأزمة المتعلقة بالتضخم ورفع أسعار السلع ومشاهد احتجاجات السكان من الشرق الأوسط إلى أوروبا التي تتحضر لتسونامي آتٍ في الشتاء. وهذا يعني أن الأزمة انتقلت إلى قارة أخرى وأن صانعي السموم بدأوا بتذوقها.

إلا أنها أخبار سارة لسكان الشرق الأوسط بما يعنيهم هم لجهة أن المؤامرات أصبحت في الفترة المقبلة بعيدة عنهم، وان الغرب يريد استقرارهم ليتفرغ إلى الطاقة الموجودة لديهم.

إنها مرحلة جديدة لم يتعوّد عليها سكان منطقة غرب آسيا ولكنها أصبحت حقيقة من المتوقع أن تدوم، لأن الحرب الأميركية – الروسية على الأحادية والسيطرة مازالت في أولى مراحلها.