على مدى سنوات طويلة، ارتبط اسم «أم الهيمان» بالتلوث والتأثيرات البيئية، كونها منطقة قريبة من المناطق الصناعية التابعة للقطاعين الخاص والحكومي، حتى أضحى أهالي المنطقة يشتكون من أمراض ومشاكل بيئية، يتعرضون لها بشكل مستمر، وهو ما دفع عدداً من المختصين في المجال البيئي للتحذير من مخاطر المحيطة بأم الهيمان والساكنين فيها.
وفيما عبر بيئيون عن ارتياحهم لصدور حكم محكمة التمييز باعتبار أم الهيمان غير صالحة للسكن، ناشدوا الحكومة سرعة إخلاء المنطقة حرصاً على صحة المواطنين من غازات تنفثها مداخن نحو 230 مصنعاً إضافة إلى ثلاث مصافٍ للنفط، وهو ما وضع السكان ضمن مثلث تلوث خطير.
وبيّنوا أن تلوث المنطقة من المشاكل البيئية المزمنة الناتجة من سياسات خاطئة لحكومات متعاقبة، في ظل نقص تشريعي وقانوني، مع معاناة مستمرة من ملوثات متعددة بسبب المصانع في ميناءي عبدالله والشعيبة الملاصقين للمنطقة، وجددوا المطالبة بضرورة الاستماع لرأي المختصين في أي مجال، للخروج بالقرار المناسب، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في الاجتماعات واللجان الوطنية ذات العلاقة بالقضايا للاستفادة من خبراتها.
الهاجري: يحق لكل العاملين في المنطقة رفع دعاوى تعويض على جهات عملهم
عبر رئيس جماعة الخط الأخضر البيئية خالد الهاجري، عن الارتياح لحكم محكمة التمييز، «الذي أكد ما ذهبت إليه منذ أكثر من 22 عاماً بأن منطقة أم الهيمان غير صالحة للسكن، لوجودها في أحد أكثر المواقع تلوثاً بين المصافي والمصانع»، داعياً الحكومة إلى توفير مساكن موقتة مناسبة لكافة أهاليها الذين يجب عليهم مغادرتها فوراً، لخطورة وجودهم فيها، إلى حين توفير مساكن بديلة لهم.
ودعا الهاجري الحكومة إلى محاسبة المسؤولين وتقاعسهم عن أداء مهامهم، معبراً عن قلقه من تلكؤ الحكومة في تنفيذ حكم محكمة التمييز، الذي أثبت تلوث أم الهيمان وعدم صلاحيتها للسكن، وأشار إلى أن «الشواهد كثيرة في تلكؤ الحكومة في تنفيذ الأحكام القضائية وعدم التزام مسؤوليها بذلك».
وذكر أن «الفترة التي أمضتها القضية في دهاليز المحاكم، وتجاوزت 13 عاماً، طويلة جداً وفاقمت معاناة الأهالي، الأمر الذي يستوجب إيجاد حل لمسألة طول فترات التقاضي أمام المحاكم في الكويت»، مشيراً إلى أن «الحكم له أبعاد محلية ودولية شديدة الخطورة... ففي الشق المحلي فتح الحكم الباب لكل من (سكن أو عمل أو تواجد) في منطقة أم الهيمان، لملاحقة الحكومة ومطالبتها بالتعويض تجاه أي انتكاسة صحية أو نفسية أو مالية تعرض لها بسبب تلوث المنطقة، بل وإيجاد منزل بديل ملائم له يوازي المنزل الذي كان يسكنه ولا يقل عنه لمن كان يقطن المنطقة».
وأكد أن «كافة العاملين في منطقة أم الهيمان يحق لهم رفع دعاوى تعويض على جهات عملهم التي حددت نطاق عملهم في منطقة ملوثة شديدة الخطورة، ويحق لهم مطالبة جهات عملهم حكومية كانت أو غيرها، بإخراجهم فوراً من المنطقة ونقلهم لأماكن آمنة بيئياً. كما فتح الباب لأهالي المناطق القريبة من المصافي والمصانع والحقول النفطية، لملاحقة الحكومة أيضا أمام القضاء».
أما في الشق الدولي، فرأى الهاجري أن «حكم محكمة التمييز يقرأ على أنه اثبات لارتكاب الحكومة جريمة بإسكانها آلاف البشر في مواقع شديدة التلوث والسمية، والتسبب بتدمير ممنهج لصحتهم، عبر السماح بالتوسع الصناعي والنفطي قرب منازلهم، وعدم قيامها بما يجب لمعالجة أوضاعهم».
محمد العجمي: 230 مصنعاً تبث ملوثاتها
قال المتخصص في الشأن البيئي الدكتور محمد العجمي، إن «التلوث في منطقة أم الهيمان قديم، وسبق أن قدمنا المشكلة في العديد من الدراسات والأبحاث التي تؤكد عدم سلامة الوضع في أم الهيمان وهي أكثر المناطق الجنوبية تلوثاً».
وأضاف العجمي أن «أول مقالاتي 2009 في زاوية (ومضات بيئية) بجريدة القبس، بعنوان (أم الهيمان بين تلوث الهواء وتبدّل الأهواء) وانتقدت فيها رفع شعار المحاسبة من النواب في تلوث الجوّ فيها، وتراجعهم. كما أن لي بحثاً منشوراً عن تلوث المنطقة، ومقياس لتأثيره الصحي على قاطنيها. فالدراسات أكدت أن منطقة أم الهيمان وبسبب كثافة الملوثات فيها والتي تعتمد على عوامل لا تصلح للسكن، بسبب الملوثات».
وذكر أن «تلوث منطقة أم الهيمان من المشاكل البيئية المزمنة الناتجة من سياسات خاطئة لحكومات متعاقبة، في ظل نقص تشريعي وقانوني لإنصاف أهلها، حتى أتى حكم التمييز ناصراً لقضيتهم».
وكشف أن «عدد المصانع حالياً أكثر من 230 مصنعاً، تساهم في تلوث المنطقة، وأصبح التخلص من المصانع البديل الوحيد لتثمين المنطقة، خصوصاً المصانع ذات الحمل البيئي المساهم بالتلوث بشكل واضح».
وجدان العقاب: «حماية البيئة» أعطت رأيها قبل إنشاء المنطقة بـ... عدم صلاحيتها
أكدت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحماية البيئة وجدان العقاب، أهمية الاستئناس برأي المختصين في أي مجال، كون ذلك سيقود الى اتخاذ القرار المناسب، لافتة إلى أن «تجاهل هذا الرأي ترتبت عليه تداعيات وآثار سلبية كان يمكن تجنبها لو تم الاصغاء للرأي الفني المختص».
وأوضحت العقاب في تصريح لـ«الراي» أن «الجمعية الكويتية لحماية البيئة، برئاسة الراحل الدكتور عبدالرحمن العوضي تولت هذا الملف القديم الذي يعود لأكثر من ربع القرن من الزمن، وقد كان لها رأي مغاير للجهات المعنية في إنشاء مدينة أم الهيمان في ذلك الوقت، إذ أكدت الجمعية حينها أن المنطقة لا تصلح للسكن وقدمت الرأي الفني والعلمي للمعنيين في ذلك الوقت، بيد أنه لم يتم الأخذ به لأغراض أخرى، حيث لم تعره الجهات المعنية أي اهتمام».
ورأت أن «الحكم القضائي التاريخي بعدم صلاحية منطقة أم الهيمان للسكن، جاء استناداً لتقارير تثبت ذلك، وهو ما طالبت به الجمعية الكويتية لحماية البيئة قبل إقامة المشروع السكني في المنطقة، وعليه نجدد التأكيد بضرورة الاستماع لرأي المختصين في أي مجال للخروج بالقرار المناسب، ما لا يدع مجالاً للشك بأهمية إشراك مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في الاجتماعات واللجان الوطنية ذات العلاقة بالقضايا، للاستفادة من خبراتها وطاقات أعضائها».
وحول إن كانت هناك ظروف جوية غير مواتية يمكن أن تساعد على تركيز الملوثات باتجاه منطقة أم الهيمان، قال السعدون في تصريح لـ«الراي» إن «معظم الرياح في الكويت تكون شمالية غربية باتجاه الشاليهات وليس باتجاه منطقة أم الهيمان»، مشيراً إلى أن «الرياح الشمالية الشرقية هي فقط التي تؤثر على منطقة أم الهيمان، بينما معظم الرياح في الكويت طول السنة شمالية غربية، وبالتالي فإن الغازات الناتجة عن المصانع والمنشآت النفطية لا تكون باتجاه منطقة أم الهيمان، إلا عندما تكون الرياح شمالية شرقية، وقليلاً ما يحدث ذلك».