تراث أصيل لأهل هذه الديرة الذي يتأمل مشاهده يدرك الأصالة... إذا قام أحد الأبناء بعمل طيّب، فإن والدته تتهلّل فرحاً، وتقول له: عسى عيني ما تذوق عليك الدمعة الحارة.
دعوات أمهات هذه الديرة لأبنائهن وبناتهن حقٌ... نحن نبكي لأنها وظيفة طبيعية، لكن لماذا نبكي؟ ولمَ لا؟
نبكي إذا تأثرنا بشيء أو رأينا شيئاً مؤلماً.
هناك ثلاثة أنواع من الدموع: الدموع الأساسية لحماية العين وهي موجودة دائماً. والدموع الانعكاسية تفرز عند التأثر بعوامل خارجية مثل تقطيع البصل أو الغبار. والدموع العاطفية وهي نتيجة رد فعل على المشاعر المتنوعة.
الدموع الانعكاسية والعاطفية تنتجها الغدة الدمعية فوق العين فتخرج الدموع من قناتين، إما الى الأنف وإما إلى الخارج على الخدين.
الدراسات العلمية عن البكاء ضئيلة رغم الكتابات الشعرية والأعمال الفنية الكثيرة عنه... هل نزول الدموع من العيون يفيد الصحة؟
يعتمد ذلك على الوظيفة الأساسية للبكاء في مجال العلاقات الشخصية. إنه اشارة قوية للآخرين على أنني احتاجكم وهذا طبعاً يمكن أن يسهم في تحسين الصحة والرفاهية.
وتتفاوت نسبة البكاء بين الناس، فمنهم مَن يبكي كثيراً ومنهم من لا يبكي أبداً أو من يمنع نفسه عن البكاء. يقولون إن هذا التفاوت تحدّده عوامل وراثية، الصدمات، الهرمونات، عوامل ثقافية واجتماعية، استخدام مواد وأدوية وبعض الأمراض.
بحسب عدد من الدراسات تبكي النساء أكثر من الرجال ولا يعود السبب حصراً إلى ضغط يمارسه المجتمع على الرجل كي لا يبكي، إنما أيضاً إلى عنصر بيولوجي، حيث يساهم الهرمون الجنسي الرئيسي لدى الذكور (التستوستيرون) في تقليل إفراز الدموع بعكس هرمون (البرولاكتين) الذي ينتج بكمية أكبر من النساء.
ماذا يشعر المرء بعد البكاء تحديداً؟
50 في المئة من الأشخاص قالوا إنهم شعروا بتحسّن، و40 في المئة لم يشعروا بأي فرق، و10 في المئة أصبحت حالتهم أسوأ بعد البكاء. إن الشعور ما بعد البكاء ورد فعل البيئة حوله مشاهد كثيرة حولنا إذا تأملناها لابد وأن نبكي...
- حالات عقوق بعض الأبناء لوالديهم وزجّهم في دار المسنين والتخلي عنهم، يبكي.
- التعدي على الأموال العامة ونهبها، يبكي.
- التعدي على العِلم وتزوير الشهادات وقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، يبكي.
- التطرف في المعاملات واعتداء البعض على البعض ولو نظر إليه.
- فكم أدمت الخزة أناساً أو أودت بحياتهم، مشهد يبكي.
- اعتداء البعض على البعض في سلب حقوقهم والتعدي على مستحقاتهم، مشهد يدمي العين.
- التفكير في القضاء على آثار هذه الديرة ومحاولة محوها من القلوب، مشهد يحرق القلب.
لا أبكى الله عيون أهل هذه الديرة الطيّبة وجعل المشاهد السيئة تتلاشى وتحل محلها مناظر طيّبة خلّابة.
وكذلك بجهد المخلصين والمجدين والمفكرين في تقدم وتطور ونهضة أُمنا الكويت ويكون صباحنا دائماً مشرقاً.
وصدق أبو القاسم الشابي حين قال:
أقبل الصبحُ يُغني للحياة النّاعسة
والرُّبى تحلمُ في ظل الغصون المائسة
والصّبا ترقص أوراق الزهور اليابسة
وتهادى النّور في تلك الفِجاج الدامسة