إن أول أزمةٍ سياسيةٍ مرت بها البلاد، كانت بعد تشكيل الحكومة الثالثة في تاريخ الدولة في الفصل التشريعي الأول عام 1964 والتي سُميت في ما بعد «أزمة حكومة التجار»، والتي اعترض فيها بعض النوّاب على تشكيل الحكومة من طبقة التجار، وهو ما يعارض في ما ادعوا نص المادة 131 «لا يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن يلي أي وظيفة عامة أخرى أو أن يزاول ولو بطريقةٍ غير مباشرة، مهنة حرة أو عملاً صناعياً أو تجارياً أو مالياً، كما لا يجوز له أن يُسهم في التزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة، أو أن يجمع بين الوزارة والعضوية في مجلس إدارة أي شركة.
ولا يجوز له خلال تلك المدة كذلك أن يشتري أو يستأجر مالاً من أموال الدولة ولو بطريق المزاد العلني، أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئاً من أمواله أو يقايضها عليه».
واستناداً لهذه المادة، أعلن بعض أعضاء مجلس الأمة آنذاك، معارضتهم تلك الحكومة بوجود أولئك الوزراء، حيث قاطعوا جلسة قسم الحكومة ولم يمكنوها من أداء القسم مما اضطر بالحكومة إلى تقديم استقالتها.
يذكر المؤرخون السياسيون أن هذه الأزمة كانت أول صدامٍ بين النواب من جهة، والطبقة التجارية من جهةٍ أخرى، وأول صراع ظاهرٍ للعلن بين أقطاب في الأسرة الحاكمة. وقد وصف الدكتور أحمد الخطيب - رحمه الله - تلك الأزمة بقوله «أزمةٌ مفتعلةٌ سخيفةٌ».
يذكر الدكتور غانم النجار في كتابه مدخل للتطور السياسي في الكويت «هناك أسباب عديدةٌ كانت وراء حدوث ما اصطلح على تسميته بأزمة المادة 131 وترتبط تلك الأسباب بشكل أو بآخر بالمشاركين فيها كما ترتبط بنفس القدر بالذين بقوا خارجها ولم يشتركوا في إثارتها. فبعض الأعضاء الذين شاركوا في الأزمة كانوا مقتنعين بأن تلك الحكومة لم تكن في المستوى المطلوب، والبعض الآخر كان يقوم بذلك بسبب عداء شخصي بينهم وبين بعض الوزراء الجدد، والبعض كان يقوم بذلك لكونه مقتنعاً بأنه كان مرشحاً للوزارة أسقطت أسماؤهم في آخر لحظة وتم استبدالها بالوزراء الجدد، وأخيراً تلك الفئة المرتبطة بأحد أفراد الأسرة الحاكمة والتي ترى من مصلحتها خلق أزمة لمجلس الأمة».
إن ما نعيشه اليوم، أزمة حكومة تجار جديدة... أزمة صراع أقطاب... معارك سياسية البقاء فيها للأقوى... هي معركة بين طائفتين من المؤمنين، اقتتلا سياسياً، وتدعي كلٌ منها الإصلاح وأنها الوصيّةُ على الشعب المدافعة عن حرياته ومصالحه وأمواله وأنها الأمينة الصادقة.
فكما كشفت الأيام أن المادة 131 كانت «شماعة» أزمة «حكومة التجار» فستكشف الأيام المقبلة أيضاً الأسباب والدوافع الحقيقة وراء ما نعيشه اليوم من أزمات وتعطيل لمصالح البلاد والعباد.
يقول المفكر والفيلسوف الألماني كارل ماركس «أي فئة تطمح إلى الهيمنة يجب عليها أولاً التمكن من السلطة السياسية لتمثل بدورها مصالحها الخاصة كأنها المصلحة العامة».
ومضة شكر:
أهداني الدكتور غانم النجار، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، مختصر كتابه - مدخل للتطور السياسي في الكويت - فله مني جزيل الشكر وعظيم الامتنان.
Twitter: @Fahad_aljabri
Email: Al-jbri@hotmail.com