النهايات السعيدة دائماً ما تنثر البهجة والأمل، لاسيما بعد فصول من المعاناة والترقب. حتى لو لم تكن معنياً بالموضوع، فإنك ستتفاعل مع الأمر، وترتسم البسمة على شفتيك، ويعتريك شعور بأنك جزء من هذه النهاية. ولعل ما يُسعد أكثر، حين يشعر المعني بالأمر أنه محاط بسياج كبير من الأمان أشبه بالدائرة، مركزها العائلة، وتكبر بالمحيطين وصولاً إلى قُطرها الذي يتمثل بالدولة.
الحكاية ليست بجديدة... حكاية العثور على صيادين عمانيين قبالة سواحل باكستان، بعد فقدانهما في بحر العرب لمدة عشرة أيام في شهر يونيو الفائت، لكن التفاصيل التي اطلعت عليها «الراي»، وجدت أنها تستحق الخوض فيها وتسليط الضوء عليها.
في التاسع من يونيو الفائت، خرج الصيادان علي بن سالم الجعفري وسالم بن سعيد الجعفري من ولاية جعلان بني علي نيابة الأشخرة بمحافظة جنوب الشرقية، على متن قاربهما طلباً لرزقهما اليومي، إلا أن المحرك خذلهما عند العصر من اليوم ذاته وهما في وسط أمواج بحر العرب الهادرة مع هبوب الرياح الموسمية، التي دفعت بقاربهما إلى جهة الشرق وأبعدتهما عن سواحل الأشخرة، لتبدأ قصة 10 أيام في القارب وسط مياه بحر العرب.
بعد انقطاع الاتصال بهما، هبّت أسرتاهما والأقارب، بالتعاون مع الجمعية العمانية للصيادين للبحث عنهما. وفي الوقت ذاته، وبحسب وكالة الأنباء العمانية، وضعت شرطة عُمان خطط البحث وفق المعطيات والمستجدات والتنسيق مع مختلف الجهات لتوجيه وتنظيم عمليات البحث وتقسيم نطاق البحث إلى قطاعات.
كما قامت الإدارة العامة للعمليات بدورها بالتنسيق مع وزارة الخارجية لمخاطبة سفارات وقنصليات الدول المطلة على بحر العرب وبحر عُمان لمعرفة أي بيانات وردت إليهم تتصل بالمفقودَين.
ونفَّذ طيران شرطة عُمان بالتعاون مع سلاح الجو السلطاني العُماني، طلعات يومية مستمرة، فيما انتشرت زوارق شرطة خفر السواحل لتمشيط البحر الممتد من ولاية صور حتى جزيرة مصيرة والبحث في عرض البحر لأكثر من 70 ميلاً، بمساندة من البحرية السلطانية العُمانية، إلى جانب التنسيق مع شرطة خفر السواحل في محافظات مسقط والوسطى وظفار للبحث في النطاق البحري لهذه المحافظات.
10 أيام في البحر
وروى علي الجعفري، أحد الصيادين الاثنين، لصحيفة «عمان» حكاية الأيام العشرة التي قضياها في البحر، لافتاً إلى أنهما خرجا في صباح التاسع من يونيو في رحلة صيد بقارب صغير، وكانت الرياح شديدة والأمواج تصل إلى 30 عقدة تقريباً. وعند الخامسة عصراً تعطل المحرك ولم تفلح كل محاولات تشغيله.
حينها كانا على بعد 60 ميلاً بحرياً تقريباً من الأشخرة، فحاولا الاتصال بأي أحد ولكن لم تكن هناك شبكة اتصالات. بعدها، وحفاظاً على صمود القارب، قاما بإفراغ كمية الأسماك التي اصطاداها في البحر، والرياح تشتد وتبعدهما أكثر والرياح الموسمية (الكوس) لم تهدأ لثلاثة أيام متتالية.
في اليوم الرابع هدأت الرياح، ولكن علي وسالم كانا بعيدين عن اليابسة، يشاهدان العديد من السفن، بعضها تجارية وأخرى عسكرية تمر على مسافة ليست ببعيدة منهما، يلوحان بأيديهما إليها في محاولة للفت الانتباه، وفي الليل يشعلان بعض المشاعل للاستغاثة، ولكن من دون جدوى.
4 ليترات ماء
لم يكن للصيادين أي غذاء يتناولانه، ومنذ اليوم الأول حافظا على بقاء 4 ليترات من مياه الشرب لأكبر مدة زمنية، حيث كانا يشربان لـ«بل الريق»، حتى نفدت آخر قطرة من المياه في صباح اليوم ذاته الذي أنقذتهما فيه سفينة الصيد الباكستانية.
كان علي وسالم يقومان بين فترة وأخرى بتشغيل هاتفيهما النقالين لفترة بسيطة ليبحثا عن شبكة اتصال، ولكن سرعان ما يعيدان إطفاءهما مجدداً عندما يتعذر ذلك للحفاظ على طاقة الأجهزة، ولكن الأيام مرت ومع كل يوم يذهب بهما القارب أبعد باتجاه الشرق نحو باكستان، ومعه يتضاءل الأمل بالعثور على شبكة اتصال.
مشهد السفن العابرة من دون أن تلتفت إليهما كان يتكرر كل يوم، والكلام ما زال لعلي، ولكنهما كانا يستمران في إرسال الاستغاثة، إلى أن لاح الأمل في صبيحة اليوم العاشر، حين اقتربت منهما ثلاث سفن صيد خشبية، ومن عليها يصيدون ويشاهدون استغاثتهما ومحاولاتهما للاقتراب منهم.
وبينما كانت إحداها تستعد للمغادرة، اقتربت منهما وعرضت عليهما المساعدة، وعلموا أنهما مجرد صيادين وتائهين في البحر، وعرفا من جانبهما أن المنقذين باكستانيون ومتوجهون إلى كراتشي.
بعد الصعود إلى السفينة، طلبا من الطاقم توفير وسيلة اتصال بذويهما، فاتصل علي بشقيقه وطمأنه.
بعدها سمع الصيادان أن مركز الأمن البحري الباكستاني يحاول الاتصال بالسفينة لتحديد موقعها، لاصطحابهما والوصول إلى كراتشي سريعاً، وهذا ما حدث، حيث كان في استقبالهما مسؤولون بالقنصلية العامة لسلطنة عمان ومسؤولون باكستانيون.