طوابير أزمات متدحرجة وحرائق متسلسلة و... مهرجاناتٌ وزحمة سَهَرٍ ومطاعم

«لبنانان» في كنف... الانهيار المستطير

12 يوليو 2022 08:00 م

- نصرالله اليوم «في حضور» بايدن... كلامٌ محلي وإقليمي
- لعبة «السقوف الأعلى» في المعركة الرئاسية حوّلت الحكومة الموعودة «كيس رمل»

يتكاتف موسمُ الحرائق الذي يشي بأن يكونَ فتّاكاً في لبنان مع لهيبِ الأزمات السياسية – المالية – المعيشية ليزيدَ من مأسوية المشهدِ الداخلي «العامِر»ِ باختناقاتٍ تُمَوِّهُها مَظاهر زائفة لحياةٍ على طريقة «كأن شيئاً لم يكن» في ليالي السهر ونهارات المطاعم والمسابح، وهي في الواقع مزيجٌ من جرعة دعمٍ حَمَلها المغتربون، ومن رفاهيةٍ مازالت قلّة قليلة من أبناء «بلاد الأرز» تتمتّع بها، ومن معاندة قسم آخَر الاستسلامَ لانهيارٍ سَحَقَ غالبية اللبنانيين، إما بالفقر والبؤس وإما بالموت البطيء بلا دواء.

ولم يكن أكثر تعبيراً عن هذا الواقع الزاخر بالتناقضات المألوفة في «بلاد العجائب» من أن يتقاسَم عطلة عيد الأضحى مشهدان:

الأول ملأتْه كوارث الحرائق المتنقّلة (وبعضها مفتعل) وكان أكثرها ضراوةً الذي «التهم» مصنع قبلان للسجاد في زفتا الجنوبية (وهو أكبر مصنع في لبنان ومن الأكبر في الشرق الأوسط) واستُحضرت معها النواقص الفاضحة في تجهيز فرق الإطفاء والدفاع المدني التي تعمل «باللحم الحي»، وذلك فيما كانت أزمةُ الخبز على استعارها وطوابير الذل تتمدّد ومعها إشكالاتٌ جوّالة للحصول ولو على ربطة واحدة.

وفي المَشْهدِ الداكِن نفسه، أطلّتْ فواجع مَرضى السرطان، وإن من باب تطميناتٍ إلى «خططٍ» لتوفيرٍ مستدامٍ للأدوية لمواطنين يصارعون المرضَ وخُبْثَ سلطاتٍ تركتْهم فريسة «قتْل جَماعي» إما بلا علاجٍ، وإما يتلقّونه متقطّعاً، وإما يُخاطِرون بتأمينه من مصادر خارج لبنان حوّلتْهم ضحايا عمليات غشّ وتزوير.

وداخل البيوتات المُعْتِمة التي بالكاد تضيء غالبيتها قناديلَها بفعل التكلفة الخيالية لمولدات الأحياء، رزمةُ همومٍ لا تنتهي، من الدولار الحارِق، والقيود الخانقة على السحوبات بالليرة، إلى التضخم الذي يَمْضي تصاعُدياً ويتفشّى في مختلف الاتجاهات يغذّيه ارتفاع تسعيرة المحروقات (البنزين والمازوت) وجشع تجارٍ «يستثمرون» في الأزمة الأوكرانية و«يتوسّعون» في زيادة الأسعار استناداً إلى تشظياتها على سلع حيوية، وصولاً مثلاً إلى تسجيل الفروج المشوي رقماً قياسياً لشرائه هو 300 ألف ليرة لبنانية متجاوزاً بذلك سعر كيلو اللحم (275 ألف ليرة)، رغم أن هذا الارتفاع عُزي إلى عمليات تهريب تتم إلى سورية.

وتحت وطأة هذه الضغوط المعيشية الهائلة، تستعدّ روابط القطاع العام (المتقاعدون ومَن لا يزالون في الخدمة) لاجتماع تمت الدعوة لعقده اليوم «للخروج بخطة تصعيدية صارمة تجاه الوضع الذي وصلت اليه المعاشات والرواتب واللامبالاة التي يُظْهِرها المسؤولون حيال تصحيحها، وكذلك محاولة استرضاء القضاة» عبر قرار حاكم مصرف لبنان بتقاضي رواتبهم على أساس دولار يساوي 8000 ليرة وذلك بعد أن يتم تحويل هذه الرواتب وهي بالليرة إلى الدولار على أساس السعر الرسمي 1500 وذلك بما يؤدي لمضاعفتها 6 مرات «دون سواهم من مكونات القطاع العام» الذي يَمْضي في إضرابٍ مفتوح منذ نحو شهر.

• أما المَشْهَد الثاني، فمن سهراتٍ لا تنام في ملاهٍ ومطاعم ومن حفلاتٍ فنية وزحمة على الشواطئ وفي الشاليهات والمنتجعات البحرية، وعودة الروح الى مهرجانات بعلبك الدولية التي انطلقت، وكذلك بيت الدين (تنطلق اليوم)، وغيرها من مَعالم حياة وفرح يكاد صخبها أن يحجب هدير الانهيار الشامل، ولكنها لا تخْدع العارفين بالحقائق المخيفة التي وضعت لبنان على صفائح ساخنة ومن دون أي مؤشراتٍ إلى نيةٍ لدى الأطراف الوازنة لـ «تصفيح» واقعه تفادياً للارتطام المميت الذي يُخشى أن يسرّعه تضارُب الأجندات والحسابات التي تتحكّم بملفين باتا متشابكيْن: تأليف الحكومة الجديدة والانتخابات الرئاسية.

ومع انتهاء عطلةِ عيد الأضحى اليوم، يُنتظر أن تستعيد الحركةُ السياسيةُ نشاطَها، وسط رصْدٍ لتوقيت الزيارة المحتملة لرئيس المكلف نجيب ميقاتي لرئيس الجمهورية ميشال عون، ليس لاستكمالِ البحثِ في التشكيلة التي كان سلّمه إياها في 29 يونيو وهي كناية عن حكومة تصريف الأعمال الحالية معدّلة في 5 حقائب (مع انتزاع وزارة الطاقة من حزب عون أي التيار الوطني الحر)، بل لكسْر أجواء القطيعة التي كانت سادت على وقع تسريباتٍ متبادَلةٍ عكستْ محاولات لإحداث «تَوازُن سلبي» تحت سقفٍ يبدأ بالملف الحكومي وينتهي بالاستحقاق الرئاسي الذي «يقرع جرسه» رسمياً بعد 49 يوماً وحتى انتهاء ولاية عون في 31 اكتوبر المقبل.

وبعدما رَسَّمَ ميقاتي بوضوحٍ «حدودَ التراجعاتِ» المُمْكِنة في التشكيلة التي قدّمها إلى عون، على قاعدةِ إمكان سيره بتعديل أو اثنين عليها ولكن مع التمسُّك بحجْب «الطاقة» عن فريق رئيس الجمهورية، وفي أعقاب إثارة «التيار الحر» مسألة الشراكة الكاملة لعون في التشكيل وحقه بتسمية الوزراء المسيحيين في غالبيتهم من باب «ميثاقي»، اشتدّت لعبة «السقوف الأعلى» التي بات معها الملف الحكومي «كيس رمل» في المعركة الرئاسية التي تدور حتى الساعة بـ «كواتم الصوت»، رغم الانطباع بأن القسم الأكبر منه هو على طريقة المناورات أو «القنابل الدخانية»، باعتبار أن الكلمة الفصل في سيناريوات «الحد الأقصى» التي يتم رميها ليست في يد مُطْلِقيها.

ففي أعقاب تسريب إمكان سحْب فريق عون الوزراء المسيحيين المحسوبين عليه من حكومة تصريف الأعمال لإصابتها بـ«عطبٍ دائم» يمنعها من وراثة صلاحيات الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولاية عون وذلك في إطار الضغط لتشكيل حكومةٍ بشروط رئيس التيار الحر جبران باسيل وتتيح إدارة مرحلة الشغور الرئاسي بهوامش أكثر إراحة للأخير وحساباته، استوقفت الأوساط السياسية تقارير صحافية أمس أحيت احتمال عدم مغادرة عون قصر بعبدا بعد 31 أكتوبر ما لم تكن هناك حكومة مكتملة الصلاحيات، وهو ما اعتُبر محاولةً لتعزيز «توازن الرعب» أكثر منه يعكس سيناريو واقعياً.

فثمة اقتناع في هذا الإطار بأن لا مصلحة لـ «حزب الله» بخيارٍ مثل عدم مغادرة عون القصر بعد انتهاء الولاية الدستورية، فهو مرتاح على وضعه في إدارة الاستحقاق الرئاسي حتى في فراغٍ وهو لا يحتاج إلى تعقيداتٍ يمكن أن تجرّ إلى تداعياتٍ متدحرجة، ناهيك عن أن حتى الفراغ في ذاته قد لا يكون مصلحة للحزب الذي لعب ورقة الشغور في 2008 لفرض شروط على الرئيس ميشال سليمان انتُزعت بأحداث 7 مايو، وعاود الكرّة في 2014 ولمدة 30 شهراً في عمليةِ إنهاكٍ لإيصال عون إلى الرئاسة.

أما اليوم، وبحسب هذا المنطق، فربما لا يكون ثمة حاجة لولوج مرحلة فراغ ولا سيما إذا كان بالإمكان توافُر تقاطعاتٍ تتيح إيصال رئيس «المردة» سليمان فرنجية الذي كانت دعمتْه فرنسا ودول إقليمية أخرى في 2016 ولكن الحزب «قطع ورقة» له حينها ربْطاً بمضمون تفاهمات اعتبر أن فرنجية أبْرمها بمعزل عنه، وعلى قاعدة أن الموازين الداخلية تجعل الحزب ومن خلفه إيران هو الذي يملك المبادرة في أن يسمّي للرئاسة والآخَرون يوافقون أم لا، وليس العكس.

وفي أي حالٍ يطلّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله مساء اليوم ليتحدّث عن مجمل الواقع السياسي في لبنان والمنطقة، ويُنتظر أن يكون له «أول الكلام» بعد إطلاق الحزب 3 مسيَّرات فوق حقل كاريش، وسط توقف أوساط متابعة عند توقيت هذه الإطلالة (لمناسبة الذكرى 16 لحرب يوليو 2006 الاسرائيلية على لبنان) الذي سيتزامن مع وجود الرئيس الأميركي جو بايدن في إسرائيل وسط تقارير عن أن الوسيط الأميركي في ملف الترسيم البحري بين بيروت وتل أبيب آموس هوكشتاين هو في عِداد الوفد المُرافِق له.

كما أن هذه الإطلالة تترافق مع الترقب الكبير الذي يسود المنطقة حيال مآل محطة بايدن الجمعة في السعودية وملامح التوازنات الجديدة التي تُرسم في الشرق الأوسط فوق «خرائط النفوذ» المتبدّلة.