حكاية وردت في كتاب «الأمثال» للميداني، وكتاب «الاشتقاق» لابن دُريد، وكتاب «المستطرف»، وذلك في أول العهد الإسلامي... وكان لبني سُليم صنم يعبدونه وكان شخص منهم يُدعى غاوي بن ظالم السّلمي، وكان سادناً له، فبينما هو ذات يوم جالس، إذ أقبل ثعلبان اثنان، فشَغَرَ كل واحد منهما رجله وبال على الصنم... وقيل بل هو واحد وهو الثُعلبان، وهو ذكر الثعلب وليس مثنى... فلما رأى ذلك غاوي بن ظالم ذهب إلى قومه وقال لهم:
يا بني سُليم، والله إن الصّنم لا يضرّ ولا ينفع ولا يُعطي ولا يمنح ثم أنشد:
أربٌ يبول الثُّعلبان برأسه
لقد ذلّ من بالت عليه الثعالبُ
ثم جاء للصنم فكسره، وترك قومه فذهب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم- فأسلم بين يديه، فقال له: ما اسمك؟ فقال: غاوي بن ظالم. فقال له بل أنت راشد بن عبدالله، وذكر للرسول الحكاية وبيت الشعر ضمن أبيات أخرى فضحك الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقد أورد ابن زيدون في رسالته شطر البيت الثاني هكذا:
لقد (هان من بالت عليه الثعالب). وجاء في كتاب «حياة الحيوان الكبرى» للدّميري قوله عن أبي حاتم الرّازي، إن الرواية الثّعلبان بالتثنية.
وفي كتاب «نهاية الغريب»، أنه كان لرجل صنم وكان يأتي له بالخبز والزبد فيضعه عند رأسه ويقول له «اطْعَم»، فجاء ثُعلبان بضم الثاء، وهو ذَكر الثعالب فأكل الخبز والزبد ثم عَصَلَ أي (بال عليه).
وروي أن ما قاله غاوي بن ظالم أمام رسول الله -عليه الصلاة والسلام- هذه الأبيات:
لقد خاب قوم أمّلوك لشدّة
أرادوا نزالاً أن تكون تحارب
فلا أنت تغني عن أمور تواترت
ولا أنت دفّاع إذا حلّ نائب
أربٌ يبول الثُّعلبان برأسه
لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب
وهناك روايات تقول إن الاسم الذي أطلقه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليه هو راشد بن عبدالله... والصحيح هو راشد بن عبدالله السّلمي، وحسُن إسلامه وهو من المحاربين البواسل، فجعله الرسول على نجران للصّلات والحرب. وقيل بل وجّهه في نجران على القضاء والمظالم. وروى ابن عبد ربه صاحب «العِقد الفريد» أنه هو صاحب هذه الأبيات:
صحا القلبُ عن سلمى وأقصر شأوه
وردت عليه ما نفته تماضر
وحكّمه شيبُ القذال عن الصّبا
وللشيب عن بعض الغواية زاجرُ
فاقصد جهلي اليوم وارتدّ باطلي
عن الجهل لما ابيضّ مني الغدائر
ولما دنت من جانب الفرض أخصبت
وصلّت، ولا قاها سليم وعامر
وخبر الركبان، ان ليس بيننا
وبين قُرى بُصرى ونجران كافر
فألقت عصاها واستقر بها النوى
كما قرّ عينا بالإياب المسافرُ
وصار البيت الأخير مثلاً:
قرّ عينا: (سعُد ببشرى)
وهي من الألفاظ الدارجة في الكويت، ونقول قرّت عينك للبشرى بقادم بعد غياب. وقرت تعني بردت العين لأن العرب تقول لمن دمعت عينه من الفرح، قرت عينه، أي بردت من البشرى، لأن دموع الفرح باردة ودموع الحزن حارة... لذا كان الدعاء للبشرى، قرّت عينك.