هل هناك سبب واحد لإنكار أن الكويت تعيش أزمة مُركّبة بين انسداد أفق سياسي وشلل اقتصادي؟ الذين لا يعترفون بذلك ولا يعيشونه إمّا أنّهم قاصرون في الرؤية وقراءة المشهد العام وإمّا أنّهم مُساهمون بطريقة أو بأخرى في دفع الأمور أكثر نحو الانهيار.
هناك جمود بل وتراجعات في مُختلف مناحي الحياة في الكويت. تتعقّد في السياسة فيحصل شلل اقتصادي وتربوي وصحي ومالي وتنموي عام، ويمكن القول إن الكويت دولة تخطف فيها الأزمات السياسية كل القطاعات الأخرى بينما المفروض في نظام «المُؤسّسات» أن تبقى مُحرّكات العمل دائرة في مُختلف الاتجاهات حتى لو أقفل أحدها.
يُقال اليوم إن الحلّ المُتاح للخروج من الأزمة هو بحلّ مجلس الأمة حلّاً دُستورياً، وكم حصل هذا الأمر ولم تخرج تجربة واحدة من مُختبر الأزمات سواء تعدّدت الدوائر وتغيّر عدد الأصوات.
ويتردّد همساً أن الحلّ بحلٍ غير دستوري وتعليق بعض موادّ الدستور وهذا أمر، من دون الدخول في تفاصيله، غير مقبول وغير محمود ولا نعرف إلى أين سيأخذنا.
نعترف جميعاً، إذاً، بوجود أزمة وشلل، وبأن قاعدة هذه الأزمة ما اصطلح على توصيفه بـ«العلاقة بين السلطتين»، وبأنّ التجارب الكثيرة دلّت على أن الحلول الترقيعية ما أنجبت سوى مزيدٍ من التوتّرات بأشكال مُختلفة، وأن الحلول الجذرية توارت دائماً خلف التسويات... والخوف من التغيير.
مع الاعتراف والإقرار بوجود شلل، نعترف أيضاً أن «التحلطم» لن يُؤدّي إلى أيّ حلٍ وأن المشاركة الواسعة الجماعية من أهل الاختصاص هي الطريق المُختصر للتغيير.
لذلك لا بدّ في هذه الفترة تحديداً من تكثيف الاقتراحات في الإطار الصحيح أملاً في الوصول إلى مرحلة جديدة تُطوّر وتُنظّم العلاقة بين السلطات من جهة وتفكّ الارتباط بين عمل مُؤسّسات الدولة وبين الأزمات السياسية.
ومن باب التفكير بصوت عالٍ، ونحن لسنا أهل اختصاص قانوني ودستوري، نقول إن الثوابت في الكويت هي الأرض والشعب والأسرة الحاكمة، وهذه أمور مُتّفق عليها ولا تتغيّر.
تبقى قضيّة السلطات وإدارة العمل وهذه حكماً تتغيّر... بل يجب أن تتغيّر.
الحلّ الجذري عنوانه نظام برلماني انتخابي جديد، فالنظام الحالي الذي كان يصلح لمرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لم يعد يصلح للمرحلة الراهنة، وغالبية دول العالم واكبت التّطوّر الداخلي فيها بتغيير النظام الانتخابي ليتماشى مع أكبر قدرٍ من التمثيل الصحيح من جهة وليحصّن الدول من الأزمات السياسية ما أمكن من جهة ثانية.
لتكن هناك لجنة من أهل الاختصاص والعلم والخبرة الدستورية والقانونية تختارها القيادة السياسية ولتستعن حتى بخبرات دولية إذا احتاجت، تُعطى مُهلة لبداية دور الانعقاد المقبل، مُهمّتها فقط محصورة بإعداد تصوّر لنظام برلماني انتخابي جديد يرتكز أكثر على منطق العقل، ووظيفته الحفاظ على أعلى سقف من المُكتسبات الشعبية والديموقراطية والحريات وفي الوقت نفسه الوقوف على مكامن خلل التجربة وتغيير الآليات التي تُؤدّي إلى الأزمات فالجمود فالشلل.
بمعنى آخر، يستمرّ ويزيد ويتطوّر حقّ الناس في المُشاركة الشعبية والرقابة والتشريع وفي الوقت نفسه تحاصر عوامل الأزمات بأفكار خلّاقة تغييرية تطويرية تبدأ بشروط تتعلّق بالمُرشّح نفسه وبكفاءته العلمية، وتستمرّ بضوابط تحفظ فعلاً الوحدة الوطنية ولا تجعل الخطاب الطائفي أو القبلي معبراً إلى البرلمان من خلال تغيير شامل لمفهوم وشكل الدوائر الانتخابية وطريقة الانتخاب... وتكمل بإيجاد صيغ لحلّ مُشكلة الاستجوابات التي كان بعضها مُستحقّاً وكثير منها مُوجّه عبر إيجاد آلية لتمريرها في لجان نيابية فاعلة مُنتجة ومن ثمّ يتمّ التصويت من بين الأعضاء على نقلها إلى جلسة عامة إن لم يقتنعوا بردود الوزير أو حتى رئيس الوزراء، وهكذا يضمن المجلس نقاشاً مباشراً حول جوهر المشكلة بلا استعراضات شعبوية وانتخابية وتجريح وانقسامات وتكتّلات.
ومن الأفكار التطويرية أيضاً نظام المجلسين، وليكن الثاني مجلس أعيان أو شورى، وقبل صيحات الاستهجان لنراقب كيف طوّر هذا النظام التجربة الديموقراطية في دول عريقة مثل بريطانيا والولايات المتحدة.
عموماً هي مجرد أفكار ويمكن للتفاصيل أن تُغطّي مُجلّدات، والتلطّي الدائم خلف الدستور من قبل البعض لمنع أيّ تحرّك إلى الأمام ينسي هؤلاء أن الدستور نفسه نصّ على إجراء تعديلات لمزيد من الحريات، ولذا يجب أن يولد القانون من رحم مجلس الأمة الحالي في بداية دور الانعقاد المقبل.
لنكن صريحين أكثر، الموضوع لم يعد يتعلّق بتعيين رئيس وزراء وتغيير حكومات وشدّ حبال بين السلطتين. الموضوع أكبر من ذلك بكثير من دون الخوض في التفاصيل كي لا ننحرف عن الفكرة الرئيسية.
لا بدّ من حلّ جذريّ يبدأ بنظام برلماني جديد. الخروج من النفق المُظلِم أجدى من إضاءة بعض جوانبه بعواميد إنارة وتغييرها كُلّما انطفأت... وهذا التغيير هو ما سيُحقّق مُعدّلات استقرار أعلى ويُوقف خطف الأزمات السياسية لكل قطاعات الدولة الاقتصادية والخدماتية.