خبراء يحصون نقاط ضعف في سلوكها العسكري

هل بدأت روسيا «أخذ العِبر» من إخفاقات بأدائها في أوكرانيا؟

5 أبريل 2022 06:00 م

بذلت أميركا ومعها حلف «الناتو» جهداً مهماً على صعيد إرسال الأسلحة المناسبة إلى أوكرانيا، لتدفع روسيا ثمناً غالياً جراء الحرب التي قرّرت خوضها في القارة الأوروبية.

وكان التفوق الروسي ظهر في اليومين الأولين من بدء الحرب عبر استخدم عنصر السرعة في فتح الجبهات الشرقية والجنوبية والشمالية من بيلاروسيا وصولاً إلى مشارف العاصمة كييف، التي توقفت على تخومها أرتال الدبابات والمدرعات.

ما الذي حصل بعد ذلك؟ لماذا تغيرت الإستراتيجية العسكرية الروسية؟ أي عِبّر جرى استخلاصها من المعركة التي مازالت رحاها دائرة؟ وفي أيّ اتجاه يجري تقويم ما جرى على المستوى العسكري؟

منذ الأيام الأولى للحرب، أعلنت موسكو عن أهدافها المتمثلة في الاعتراف بجزيرة القرم، كأرض روسية وإبقاء أوكرانيا محايدة، ورفض تمركز الناتو فيها، ومنع تدفق السلاح الإستراتيجي إليها، والحؤول دون أن تصبح دولة نووية، والاعتراف بمقاطعة دونباس، مستقلة.

وظهر في بداية الحرب كيف يتدرّب الجنرالات الروس على الاستلام والتسليم من عمدة المدن الأوكرانية، وكأنهم يظنون أن هؤلاء ينتظرون دخول روسيا لتسليم مفاتيح مدنهم من دون مقاومة.

من الواضح ان موسكو لم تكن تتوقع أن تقاوم أوكرانيا في الشكل الذي أظهرته قواتها، ولم تكن تمتلك المعلومات الاستخباراتية الكافية لمواجهة الحرب كدولة تتفوق بالقوة والعتاد، رغم عدم إخفاء الغرب تدفق السلاح النوعي إلى كييف.

وبغض النظر عن قدرة تحمل روسيا الخسائر البشرية الكبيرة والدمار الذي يلحق بعتادها الحربي لكونها دولة كبرى منتجة للسلاح بكل أشكاله. إلا ان توقعات الجنرالات الروس لم تكن في مكانها، بحسب ما أظهرته نتائج المعركة، لأن الفاتورة التي دفعتها موسكو كانت مرتفعة أكثر من النتائج التي تطمح إلى تحقيقها، ومنها انتزاع استقلالية دونباس وحياد أوكرانيا التي وافق عليها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

من الواضح ان القادة الروس أجروا تعديلات على خططهم العسكرية بعد الأسابيع الأربعة الأولى من الحرب، كالتمنع عن الدخول بطريقة جبهوية لتحقيق الأهداف وفتح ممر بري بين جزيرة القرم ودونباس والأراضي الروسية.

وقد استعاضوا عن الانفلاش في مواقع متعددة والانتشار على مساحة واسعة في الشمال وقرب العاصمة كييف والشرق والجنوب، بأهداف متواضعة لا تتعدى ما أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين من الأهداف الأساسية من دون الذهاب لاقتناص فرص عسكرية أكبر وانتصارات في مواقع أثبتت عدم إمكان تحقيقها.

ولجأت روسيا في الأسبوعين الأخيرين من الحرب المفتوحة إلى استخدام قوتها الصاروخية الدقيقة وسلاح الطيران - عدا الهجوم بسلاح المشاة داخل مدينة ماريوبول الجنوبية - للتعويض عن الخسائر التي مُنيت بها في محاولتها دخول المدن من دون أخذ التدابير البسيطة التي تُدرسها في معاهدها العسكرية.

وبدا من مجريات الحرب، أن بوتين لا يريد إضافة المزيد من الجنود إلى القوة التي دفع بها في بداية المعركة.

ولذلك استخدم إسلوب مختلف في القتال بعد تسليمه بعملية الاستنزاف التي تعرّض لها في أوكرانيا.

ولذا، أصبح مسرح العمليات أصغر بكثير مما كان عليه في الأسابيع الماضية، ما يُتيح له تحقيق كل أهدافه وإبقاء جيشه في ساحة المعركة إلى حين رضوخ أوكرانيا للمطالب الروسية وتوقيع معاهدة معها.

وأثبت أداء الجيش الأوكراني أنه قوة تستطيع واشنطن الاعتماد عليها في معركة استنزاف موسكو وإطالة أمد المعركة التي لن تؤدي إلى هزيمة الجيش الروسي بطبيعة الحال.

وهو ما عبّرت عنه الولايات المتحدة بالقول ان الهدف هو تدفيع روسيا ثمناً باهظاً في الحرب ليس أكثر.

وفي ضوء حصيلة المعركة حتى الآن، تبيّن من التكتيكات العسكرية الروسية ودروس أخذ العِبر، أن ثمة نقاطاً عدة اتفق عليها الخبراء العسكريون وأبرزها:

- ان الجيش الروسي لم يتقن دراسة العدو ولم يضع كل الفرضيات والاحتمالات تجنباً للمفاجآت.

فالجيش الأميركي، على سبيل المثال، وضع كل الاحتمالات في حساباته إبان حرب الخليج الأولى، إلا أنه لم يلتفت إلى غبار الصحراء وأضراره على المروحيات والأسلحة المستخدمة. ولذلك عمد لاحقاً لإيجاد «فلاتر» لمروحياته على النحو الذي لا يعوق عملها في الطقس الصحراوي.

- اعتمد الجيش الروسي على هيبته ولم يدرس الأمور العسكرية بطريقة مادية وأكثر براغماتية.

ولذلك اصطدم بجيش أوكراني مؤلّف من مئات الآلاف مستعد لمحاربته في كل مدينة.

- الاستخفاف بالروح المعنوية.

فأوكرانيا تعتبر انها مدعومة من أميركا وحلف شمال الأطلسي، وتالياً فهي درّبت جيشها لسنوات طويلة، منذ عام 2015 وإلى حين بدء الحرب الروسية، وهو الأمر الذي لم يأخذه الجيش الروسي، بالجدية الكافية.

- حجم التدخلات الخارجية التي تجري على مسمع موسكو وتحت أنظارها، وتأثيراتها على الميدان.

فالغرب يرسل المعدات المنتقاة لأرض المعركة وطبيعة الحركة العسكرية والأسلحة المناسبة لإيقاع الحجم الأكبر من الخسائر في صفوف الجيش الروسي.

- عدم تأمين القوات المؤللة والمستوى الضعيف لفرق الاستطلاع، أقله في عملية كشف القوى المتمركزة في المدن الأوكرانية وإرسال قوة مشاة خاصة وآليات مدولبة تدخل المدن قبل دخول الدبابات وأرتالها التي تصبح مجنحاتها ضعيفة داخل المدينة وشوارعها.

ولذلك لم يستخدم الجيش الروسي أساليب الدفاع المتحرك.

فقد نجحت أوكرانيا بإيهام روسيا أن هناك حافة أمامية (وهمية) كسرتها القوات الروسية المهاجمة واعتقدت انها فتحت الطريق لقواتها للدخول الآمن بينما كان خط الدفاع الحقيقي في الخلف معززاً بكمائن مسلحة بقاذفات ليزرية مضادة للآليات والدبابات.

- عدم التعامل الروسي مع حرب المدن كما ينبغي من خلال دفع قوات مشاة، كما فعلت في ماريوبل لاحقاً.

فتكتيكات حرب المدن تختلف عن تلك المعتمدة في المسارح المفتوحة المنبسطة، وهي مكلفة وتتطلب جهداً كبيراً.

فالتوغل العسكري الروسي في عمق الجبهة أظهر خطأً فادحاً مع عدم وجود قوات لتنظيف المناطق الخلفية، وهو الأمر الذي سمح بترك قوات معادية استطاعت الخروج وضرب الجبهة الخلفية، مما أظهر، تالياً ضعفاً في الدفاع وأدى إلى مصادرة مدافع ميدان وآليات كانت متمركزة في مناطق متعددة اعتبرت آمنة.

- تبيّن ان روسيا لم تسيطر على الأجواء، كما أعلنت في الأيام الأولى من الحرب، إذ استخدمت أوكرانيا سلاح المسيرات المسلحة بكثافة وقد اشترطت تركيا على أوكرانيا عدم بث إنجازات مسيّرات «بيرقدار -2» التي دمّرت عدداً كبيراً من الدبابات الروسية، تفادياً لإحراج أنقرة مع حليفها الروسي.

وما يؤكد ذلك ليس فقط تمكن المسيّرات من ضرب الدبابات في شكل متواصل، بل حفاظ أوكرانيا و«الناتو» على خط إمداد متواصل عبر الحدود وإلى ساحات المعركة من دون أن تستطيع روسيا السيطرة الجوية لمنع تدفق السلاح.

فعدم التفوق الجوي الكامل سمح لأوكرانيا بالمحافظة على خطوط الإمداد من دون توقف، ومكّن جيشها من مواصلة تغذية ساحات المعركة بالذخائر. وهذا ما كبّد الجيش الروسي خسائر إضافية كبيرة، وتالياً لم تستطع موسكو حماية «رأس الحربة» وتأمين مظلة جوية له، خصوصاً بعد أن أظهرت الصور الفضائية وجود أرتال من الدبابات المتوقفة خارج مدينة كييف، الأمر الذي عرّضها لضربات قاسية من المسيرات التركية التي تمتلكها أوكرانيا.

وفي منحى آخر، استطاعت ثلاث مروحيات أوكرانية ضرب مخازن الوقود الروسية داخل حدود روسيا.

وهذا يدل على إخفاق في الدفاع الجوي الروسي في حال الحرب، تجلى في نجاح القوات الجوية الأوكرانية بالتسلل، وهي التي مازالت تعمل وتختار الأهداف الموجعة بعد تنسيق لصيق مع غرف العمليات الأطلسية المقتدرة التي تدعم أوكرانيا بطلب من رئيسها.

- لم تستخدم روسيا القصف التمهيدي المكثف قبل الدخول إلى المدن، بالإضافة إلى تشتت الجهد العسكري على جبهات عدة في آن واحد.

-إن قرار بوتين زج قوات تقدر ما بين 150000 و200000 رجل، يعني أنه لم يستخدم المعادلة التي تقضي بزج قوات مهاجمة كناية عن ثلاثة أو أربعة أضعاف القوات المدافعة.

لقد بدأ استخلاص العِبر قبل انتهاء الحرب، لأن أداء الجيش الروسي في الأسابيع الأولى تغير عبر استخدام إستراتيجية جديدة لو استخدمت سابقاً لكانت حققت أهداف المعركة في شكل أسرع وأقوى وأكثر حزماً.

تعتبر روسيا أن قرار الحرب كان لا بد منه، إلا ان التحضير للمعركة وأسلوب القتال، كان، بحسب الخبراء، خاطئاً لأن الهدف لم يكن تدمير أوكرانيا أو تغيير الحكم فيها.

ولذلك لم يصب الجهد العسكري، حيث يجب منذ اليوم الأول، كما يحصل اليوم بعد تواضع الأهداف، أو لم يستخدم المطرقة القاسية بقصف المدن قبل دخولها لإرهاب المدافعين.

لم تهدأ المعركة ولن تنتهي... فالكرملين يريد تحقيق الأهداف التي أعلنها بوتين، والتي قال إنه لا بد منها لازاحة «الخطر الوجودي»، وتالياً فإن الجيش الروسي لم يخرج من المعركة، بل خرج من مواقع شمالية ومن المدن، ومن حول العاصمة ليركز الهجوم على أهدافه الشرقية في دونباس والجنوب.