منذ بدء تعرُّض المدن الأوكرانية يوم الخميس الفائت للهجوم والقصف الروسي وفرار مدنيين من القتال إلى دول مجاورة ومقتل مئات منهم، سافر مراسلون من جميع أنحاء العالم إلى تلك الدولة الواقعة في شرق أوروبا لينقلوا تطورات الأحداث أولاً بأول على مدار الساعة.
وعلى الرغم من أنه لم يمر على بدء تلك الحرب سوى بضعة أيام، لوحظ أن مفردات تفوح منها رائحة العنصرية قد بدأت تطفو على سطح التغطيات الإعلامية الغربية لمجريات تلك الحرب، وهي المفردات التي قوبلت في الوقت ذاته باستهجان وانتقادات على مستوى العالم.
نضع بين أيديكم في التالي أبرز التصريحات والتعليقات التي عكست تلك «النزعة العنصرية» واستقطبت استنكارات من جانب منتقدين: ففي مطلع الأسبوع الجاري، تحدث ديفيد ساكفاريليدزي – نائب المدعي العام الأوكراني السابق – إلى شبكة «بي بي سي» البريطانية قائلاً: «من الصعب عليّ أن أشاهد أناساً ذوي بشرة بيضاء وهم يفرون من حرب في بلادهم. إنه لأمر مؤسف ومؤثر للغاية بالنسبة لي أن أرى أوروبيين ذوي عيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون».
كما أن الصحافي والسياسي البريطاني السابق دانيال هانان كتب في صحيفة تليغراف قبل يومين معلقاً على ما يتعرض له الأوكرانيون: «إن ملامحهم تبدو مثل ملامحنا جداً، وهذا ما يجعل الأمر صادماً للغاية.
الأوكرانيون مثلنا، فهم شعب أوروبي ويشاهدون قنوات نيتفليكس ولديهم حسابات على «إنستغرام» ويصوتون في انتخابات حرة ويقرأون صحفاً غير خاضعة للرقابة. لم تعد الحرب شيئاً يتعرض له الفقراء والبعيدون، بل بات من الممكن أن تحدث لأي شعب».
ومن العاصمة الأوكرانية كييف، قال تشارلي داغاتا - كبير مراسلي شبكة «سي بي إس» - مخاطبا مشاهديه خلال تقرير متلفز: «إن هذه المدينة (كييف) ليست مكاناً مثل العراق وأفغانستان... حيث شهدا تناحراً مستعراً على مدار عقود. بل هذه مدينة متحضرة نسبياً وأوروبية نسبياً. ولا بد لي من اختيار هذه الكلمات بعناية أيضاً، فهي مدينة لم يكن يمكنك أن تتوقع أن يحدث فيها ذلك (ويلات الحرب)».
وفي تغريدة، تساءل أحد مستخدمي «تويتر» ساخراً من داغاتا وغامزاً إلى ما يحصل عادة عندما يحصل اقتتال في دول شرق أوسطية: «هل قام أحد بطباعة قمصان مكتوب عليها عبارة (غير متحضرين)؟ أريد واحداً لأرتديه».
وتحت وطأة مثل هذه الانتقادات الساخرة، اضطر داغاتا إلى الاعتذار في وقت لاحق عن تصريحاته تلك.
وتعرَّضت كيلي كوبيلا، مراسلة شبكة «إن بي سي نيوز»، لانتقادات مماثلة من زملائها الصحافيين بعد أن صرحت على الهواء بنبرة عنصرية واضحة قائلة: «هؤلاء ليسوا لاجئين من سورية، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا... إنهم مسيحيون، إنهم بيض، إنهم يشبهوننا جداً».
وبالنبرة ذاتها، قال أحد المحللين السياسيين الغربيين على شاشة قناة BFMTV الفرنسية: «نحن لا نتحدث هنا عن فرار سوريين من قصف النظام السوري المدعوم من بوتين، نحن نتحدث عن مواطنين أوروبيين مثلنا يغادرون مدنهم في سيارات تشبه سياراتنا فراراً بحياتهم».
وقال معلق سياسي آخر على القناة ذاتها: «نحن في القرن الحادي والعشرين، ولدينا مدينة أوروبية (كييف) يتم إطلاق صواريخ كروز عليها كما لو كنا في العراق أو أفغانستان، هل يمكنكم أن تتخيلوا ذلك؟».
وبغضب لم يستطع إخفاء روح العنصرية، عبّر أحد علماء الاجتماع الفرنسيين عن استيائه من أن الأوكرانيين الفارين حالياً من الحرب يوصفون بأنهم «لاجئون» في حين أن الأفغان الذين فروا من بلادهم العام الماضي بالتزامن مع الانسحاب الأميركي وُصفوا في الغالب بأنهم «مهاجرون»، مستنكراً أن يوصف مواطنون أوروبيون بأنهم «لاجئون».
أما جان لويس بورلانج، عضو البرلمان الفرنسي، فانطبقت عليه مقولة «أراد تكحيلها فأعماها»، حيث قال خلال بث تلفزيوني: «إن النازحين الأوكرانيين سيكونون مهاجرين ذوي نوعية راقية... لأنهم مثقفون ومتحضرون».
وعلى شاشة النسخة الإنكليزية من قناة «الجزيرة» الإخبارية، قال أحد مقدمي البرامج معلقاً على الأوكرانيين الفارين من القتال: «الأمر المؤثر في النفس حقاً هو أنه بمجرد النظر إليهم وإلى هندامهم، فإنه يتضح أن هؤلاء أناس متحضرون وينتمون إلى الطبقة الوسطى. من الواضح أن هؤلاء لا يبدون مثل اللاجئين الذين يحاولون الهروب من المناطق الشرق أوسطية التي ما زالت في حال تناحر واقتتال. وهؤلاء (الأوكرانيون) ليسوا كالأشخاص الذين يحاولون الفرار إلى أوروبا من مناطق في شمال أفريقيا. إنهم يبدون مثل أي عائلة أوروبية تعيش بجوارنا».
وفي وقت لاحق يوم الأحد الفائت، بادرت القناة إلى الاعتذار عبر تغريدة تويترية، حيث أقرت بأن أحد مذيعيها «أجرى مقارنات غير نزيهة بين الأوكرانيين الفارين من الحرب واللاجئين الفارين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وتابعت القناة اعتذارها قائلة: «تعليقات المذيع كانت غير مسؤولة وافتقرت إلى روح الحساسية. نعتذر لجمهورنا في جميع أنحاء العالم ونعمل على ضمان عدم تكرار مثل هذا الخرق المهني».
وفي غضون ذلك، قال مراسل تلفزيوني في بولندا على قناة «آي تي في» البريطانية: «هذه (أوكرانيا) ليست دولة نامية من دول العالم الثالث. بل هذه دول أوروبية».
وعلى خلفية كل هذه التعليقات والتصريحات ذات النزعة العنصرية، يواصل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي حالياً إجراء مقارنات انتقادية بين شيطنة الإعلام الغربي في الماضي لمقاومة الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي بالحجارة وبين جنوح الإعلام ذاته حالياً إلى التعاطف مع الأوكرانيين وتأييد جهودهم في اتجاه التصدي للغزو الروسي بما في ذلك الجهد الشعبي الذي يعتمد على تجهيز مئات الآلاف من قنابل المولوتوف لرشق القوات الروسية الغازية بها.