باريس - أ ف ب - بعد ستين عاماً على انتهاء حرب الاستقلال، تبقى العلاقة بين الجزائر وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، متقلبة، على وقع صخب الذاكرة والكلمات، وتملي فصولها أحياناً رهانات سياسية داخلية.
ويقول الباحث في شؤون دول المغرب لوي مارتينيز من معهد الدراسات السياسية (Sciences Po) في باريس، «بشكل عام، وعلى الرغم من المظاهر والانتقادات، كانت العلاقة ثابتة ومتوازنة، بالنظر الى الوضع الاستعماري وما بعد الاستعمار».
في 18 مارس 1962، تم التوقيع في إيفيان في فرنسا على اتفاق وقف إطلاق النار الذي مهّد لاستقلال الجزائر.
وقامت علاقة جيدة بين القادة الجزائريين الجدد آنذاك والجنرال شارل ديغول الذي كان يحظى باحترام لديهم لأنه فتح الطريق أمام وضع حد لاستعمار بلاده للجزائر.
واستمرت كذلك مع خلفه جورج بومبيدو، ثم مع فرنسوا ميتران، رغم أن هذا الأخير كان وزير داخلية في بداية الانتفاضة الجزائرية في 1954.
ويقول أستاذ التاريخ في جامعة السوربون بيار فيرمران «كان ميتران محاطاً بأشخاص من الحزب الاشتراكي مؤيدين كلهم لجبهة التحرير الوطني»، رأس الحربة في معركة تحرير الجزائر، و«عرف كيف يقدّم نفسه على أنه رجل العلاقات المميزة مع هذا البلد».
مع استقلال الجزائر، سُمح لفرنسا بأن تواصل تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية حتى العام 1967. ونفّذ الجيش الفرنسي تجارب كيميائية سرّا حتى العام 1978.
في 1992، ندّد ميتران بتعليق العملية الانتخابية في الجزائر بعد فوز الإسلاميين في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، فردّت الجزائر باستدعاء سفيرها للتشاور.
بعد انتهاء «العشرية السوداء» للحرب الأهلية في الجزائر في العام 2000، اختار الرئيس الجزائري الجديد آنذاك عبدالعزيز بوتفليقة، رغم أنه كان قريباً من فرنسا، اعتماد خطاب مناهض لها علناً.
ويقول فيرمران «تناسوا مساعدة فرنسا لهم في محاربة الإسلاميين، بهدف استعادة الميدان العقائدي والسياسي بعد الحرب الأهلية، وعادوا إلى عدوهم التقليدي».
- «سرية»
وطوّرت المنظمة الوطنية للمجاهدين ( محاربو حرب التحرير) ومنظرو النظام خطاباً أكثر حدة حول «الإبادة» الفرنسية خلال الاستعمار.
بعد عشرين عاما، ورغم «الحراك» الشعبي غير المسبوق الذي ساهم في إسقاط بوتفليقة، لا تزال السلطة تستمد شرعيتها من حرب التحرير.
ولكن، بعيداً عن الخطاب الرسمي وبعيداً عن الأضواء، يتواصل التعاون بين البلدين.
في 2013، أعطت الجزائر موافقتها سرّاً على تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية التي كانت تخوض حرباً ضد الجهاديين في مالي، فوق أراضيها.
ويقول نوفل ابراهيمي الميلي، واضع كتاب «فرنسا والجزائر خمسون عاما من القصص السرية» الذي ستصدر نسخة محدثة منه قريباً («ستون عاما»)، «العلاقات الفرنسية - الجزائرية جيدة عندما تكون سرية. وتصبح صدامية في العلن».
وبدأت العلاقات بشكل جيد مع إيمانويل ماكرون، أول رئيس فرنسي ولد بعد حرب الجزائر. في فبراير 2017، وبينما كان مرشحا الى الانتخابات الرئاسية، أثار تصريحه من الجزائر الذي قال فيه إن الاستعمار «جريمة ضد الإنسانية»، ضجة كبرى.
بعد انتخابه، قام ماكرون بسلسلة مبادرات من أجل تنقية الذاكرة بين البلدين، سعياً لمصالحة بين الشعبين.
لكنه لم يذهب الى حدّ تقديم اعتذار عن الاستعمار، وهو موضوع حساس للغاية في فرنسا حيث يجد الخطاب القومي المتطرف، مزيداً من الأذان الصاغية.
في سبتمبر 2021، تقلّصت الآمال بحصول تقارب بعد تصريح لماكرون انتقد فيه «النظام السياسي العسكري» الذي يقوم على «ريع الذاكرة»، مشيراً الى أن «الأمة الجزائرية» لم تكن موجودة قبل الاستعمار في 1830. وردّت الجزائر باستدعاء سفيرها.
- «اثنان»
وتبدو العلاقة وكأنها تهدأ اليوم مجدداً قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل التي سيشارك فيها سبعة ملايين من الفرنسيين الذين غادروا الجزائر بعد الاستقلال والمهاجرين الجزائريين الى فرنسا والحركيين (المقاتلين الجزائريين الذين حاربوا الى جانب الجيش الفرنسي) والمحاربين الفرنسيين القدامى الذين قاتلوا في الجزائر، أو المتحدرين منهم...
ويقول الميلي «الجزائر ستصوّت لماكرون. الجزائريون مقتنعون بأن ماكرون في ولاية ثانية سيكون أكثر إقداماً».
ويؤكد السفير الفرنسي سابقا في الجزائر كزافييه درينكور، واضع كتاب «المعضلة الجزائرية» (بالفرنسية)، «لا يريدون فاليري بيكريس وخطابها اليميني، ولا يريدون بالتأكيد (إريك) زمور أو مارين لوبن»، مرشحَي اليمين المتطرف.
رغم ذلك، لا يزال العمل المطلوب كبيرا. فاليد الممدودة من جانب ماكرون على صعيد العمل على «تنقية الذاكرة»، لم يقابل بالمثل من الجانب الجزائري.
وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للجزائر التي اقتربت أيضا من تركيا وطوّرت شراكتها العسكرية مع روسيا.
ويقول مارتينيز «العلاقة الفرنسية - الجزائرية تعود الى الانطلاق من نقطة الصفر. كل شيء يعود الى الطاولة، وهناك محاولة لتحديد الأمور التي يمكن الاتفاق عليها».
ويبدو درينكور أكثر تشكيكاً «لا بدّ من أن نكون اثنين لبناء علاقة». هل ستوافق الجزائر على ذلك بعد الانتخابات؟ يجيب «لست متفائلاً كثيراً».
ويرى فاييس أنه «لا يمكن الحديث عن خيانة»، مضيفاً «كان يبحث عن مصلحة فرنسا. نقطة على السطر، وعن بقائها في الجزائر. كيف؟ لم يكن يعرف يومها الطريقة».
وسمح له هذا الغموض بكسب الوقت. لا بل بدأ يسير على خطى القادة الفرنسيين الذين سبقوه، «معتبراً أن إصلاح الجزائر سيسمح بإنقاذها. فأنشأ الهيئة الانتخابية الواحدة وأطلق برنامجاً صناعياً مع خطة كونستانتين»، وفق ما تشرح المؤرخة سيلفي تينو المتخصصة في حرب الاستقلال الجزائرية.
وتقول إنه حاول أيضا أن يخوض «سلام الشجعان»، لكن جيش التحرير الوطني (الجناح العسكري لجبهة التحرير) رفض عرضه. اعتبارا من 1959، شهدت سياسته منعطفات عدة، إذ قال في مارس 1960 أمام العسكريين في الجزائر، إن الاستقلال «خدعة»، لكنه عاد واختار السير نحو القبول بجزائر جزائرية.
- إقرار بوفاة الجزائر الفرنسية
حصل المنعطف الحاسم في 16 سبتمبر 1959.
يومها، أعلن ديغول أن للجزائريين الحق بتقرير المصير، ما اعتبر وثيقة وفاة حقيقية لفرنساً الجزائرية.
أخذ بالاعتبار واقع الأرض في الجزائر، وتشويه صورة فرنسا في العالم، واتهامات ضدها في الأمم المتحدة، والتغيير في صفوف الرأي العام الفرنسي، إذ انتشرت على كل الجدران في كل الأراضي الفرنسية عبارة «السلام في الجزائر».
وحسم ديغول الذي لطالما قال إن «لا قيمة لسياسة خارج الواقع»، القرار، معتبراً أن الأمر لا يستحق كل هذه التضحيات.
ويقول فاييس «كان براغماتياً، ووصل الى نتيجة مفادها بأن مصلحة فرنسا تكمن في وقف الاستعمار»، وطوى صفحة في تاريخ فرنسا، ولو أن تداعياتها لا تزال تتردد حتى اليوم.
توتر وسوء فهم في «كواليس إيفيان»
تونس - أ ف ب - شابت المفاوضات بين الفرنسيين والجزائريين في إيفيان (وسط شرقي فرنسا) التي أفضت الى التوقيع على اتفاقيات أنهت الحرب في الجزائر قبل 60 عاماً، توترات وسوء فهم، وفق شهادات جمعتها «فرانس برس».
في ختام هذه المفاوضات، وقّع الفرنسيون والحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية، في 18 مارس 1962، على اتفاقيات إيفيان التي كرّست هزيمة فرنسا وفتحت الطريق أمام استقلال الجزائر بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب و132 عاماً من الاستعمار.
وكانت جبهة التحرير الوطني الجزائرية أعلنت، منذ إطلاقها «حرب التحرير» في بيان في الأول من نوفمبر 1954، أنها مستعدة للتفاوض مع السلطات الفرنسية، ولكن المفاوضات المباشرة بين فرنسا والحكومة الموقتة لم تبدأ حتى يناير 1961. ودامت 18 شهراً، معظمها في السرّ.
وبدأت الاتصالات بشكل خاص بفضل ممثل الحكومة الجزائرية الموقتة في إيطاليا الطيب بولحروف، الذي طلب من الرئيس الإيطالي وقتئذ جيوفاني غرونشي ومن رئيس الوزراء جورجيو لابيرا ومن المدير التنفيذي لمجموعة النفط «إيني» إنريكو ماتيي، جس نبض الرئيس الفرنسي لمعرفة نواياه.
وبفضل الإيطاليين، تأكد بولحروف من «أن الجنرال (شارل) ديغول بات مستعداً للتفاوض مع المتمردين»، وفق ما يروي نجله جليل بلحروف لـ «فرانس برس».
- سيجارة
وبدأ التوتر الذي ساد أجواء المفاوضات في بدايتها، يتراجع مع مرور الوقت وتعرُّف المفاوضين على بعضهم البعض.
وروى الطيب بولحروف لابنه، أنه خلال المحادثات في لوسيرن في سويسرا التي سبقت تلك التي جرت في إيفيان عام 1961، دخل جورج بومبيدو المقرّب من ديغول والحائز ثقته، مع «سيجارة في فمه» خلال شهر رمضان، الى الاجتماع.
ويقول جليل بولحروف «أطفأ سيجارته احتراماً، لكن والدي قال له إنه يستطيع التدخين براحته، لأن الإسلام دين متسامح للغاية، فلا مشكلة».
ويشير المؤرخ الجزائري عمار محند عمر، من معهد الدراسات في نانت (فرنسا) الى أن «الأشهر الاخيرة من المفاوضات بين الحكومة الموقتة والحكومة الفرنسية، سلكت منحى إيجابياً تمثّل بالوصول بأسرع وقت إلى تفاهم»، ولو أن الأمور كانت لا تزال تحتاج أحياناً الى تجاوز الكثير من سوء الفهم.
ويروي عمر أن خضر بن طوبال، أحد المفاوضين الجزائريين، ردّ مرة على رئيس الوفد الفرنسي الذي كان يخاطب الحكومة الموقتة للجزائر، بالقول «أنتم، على الجانب الآخر من الطاولة»، على أساس أن فرنسا لا تعترف بهذه الحكومة ولا بجبهة التحرير الوطني.
فأجرى مقارنة بين المتكلم و«بعض الرجال الجزائريين الذين لا يذكرون أبداً زوجاتهم بالاسم، حتى عندما يخاطبونهن مباشرة».
خلال المرحلة التحضيرية والمفاوضات، تلقى الوفد الجزائري دعماً من سويسرا.
- «ارتياح»
جرى جزء من المفاوضات في المرحلة الأولى بالقرب من جنيف، وكان الوفد الجزائري يقيم في فيلا في منطقة بوا دافو على الجانب السويسري من الحدود.
وتمكّن المصوّر الفرنسي أندريه غازو من التقاط بعض الصور، بفضل الدكتور جيلالي بن تامي، ممثل الهلال الأحمر الجزائري في سويسرا الذي عرّفه برضا مالك، عضو الوفد الجزائري المفاوض.
ويقول المصوّر لـ«فرانس برس»، إن المفاوضين «جاؤوا الى سويسرا من تونس في رحلة خاصة لشركة الطيران السويسرية التي تلقت تعليمات بعدم التحليق فوق الأجواء الفرنسية».
ويضيف أن مراقبة المناطق المحيطة بالفيلا كانت من مهمة الجيش السويسري «خوفاً من عملية هجومية ضد المفاوضين من منظمة الجيش السري (منظمة فرنسية كانت تعارض استقلال الجزائر)».
ويتابع «كانت هناك أيضاً مدافع مضادة للطيران للتصدّي لاحتمال ظهور طائرات بالقرب من المكان».
وروى المصوّر الشهير ريمون ديباردون لصحيفة «ليبرتي» اليومية الجزائرية في ديسمبر، أن الوفد الجزائري «كان مرتاحاً ويرتدي أزياء أنيقة»، وكان أفراده «شباباً تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عاماً».
وقال «كان ذلك مناقضاً للصورة التي كانت لدينا عن جبهة التحرير الوطني في الجبال وبالزي العسكر.
من الاستعمار الفرنسي للجزائر إلى استقلالها
باريس - أ ف ب - بين استعمار الجزائر واستقلالها في 1962، 132 عاماً من نضال دام تتصادم في شأنه أيضاً الذاكرة في هذه الجهة وتلك.
- الغزو والاستعمار: في 14 يونيو 1830، قام الفرنسيون بإنزال في الجزائر بعد حادث ديبلوماسي مع داي الجزائر مرتبط بديون فرنسية رفض القنصل الفرنسي إيفاءها.
وشكّلت هزيمة عبدالقادر الجزائري في 14 أغسطس 1843 منعطفاً لمصلحة فرنسا وأصبحت الجزائر دستورياً أرضاً فرنسية في 1848.
وكرّس قانون صدر في 1873 مصادرة الأراضي المملوكة جماعياً من القبائل، وحقّ الفرنسيين بالتملك.
وكان مرسوم كريميو في 1870 منح اليهود فقط الجنسية الفرنسية. بعد أحد عشر عاماً، أُقرّ «قانون وضع السكان الأصليين» الذي اعترف بحق المواطنة للمسلمين. في 1944، تم إقرار المساواة في الحقوق بين المسلمين وغير المسلمين، لكن منح المواطنة بقي يسير بسرعات متفاوتة حتى 1958.
بعد تظاهرات وطنية في جميع أنحاء الجزائر، قمع الجيش الفرنسي بعنف أعمال الشغب في سطيف وقسنطينة في مايو 1945. وقتل آلافا من المسلمين ومئات الأوروبيين.
- حرب الاستقلال: في نوفمبر 1954، أعلنت جبهة التحرير الوطني التي كان أسسها للتو في القاهرة أحمد بن بلة، مسؤوليتها عن اعتداءات في الجزائر أسفرت عن سقوط عشرة قتلى.
ورفضت حكومة بيار منديس فرانس الفرنسية التفاوض مع الجبهة. في 20 أغسطس 1955، وقعت مجازر في قسنطينة بعد هجمات استهدفت المستعمرين الفرنسيين، وتلاها قمع شديد. وتمّ توسيع نطاق حال الطوارئ لتشمل كل الجزائر.
في بداية 1957، انفجرت قنابل زرعتها جبهة التحرير الوطني في مقاه وملاعب في الجزائر العاصمة، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً وجرح عشرات.
بدأت «معركة الجزائر» بقيادة الجنرال جاك ماسو في السابع من يناير، واتسمت بمطاردة أعضاء جبهة التحرير الوطني واللجوء الى التعذيب بكثافة.
- «فهمتكم»: في 13 مايو 1958 وعلى أثر تظاهرات تخللتها أعمال شغب في الجزائر العاصمة للمطالبة ببقاء الجزائر، فرنسية، لجأ ماسو إلى الجنرال شارل ديغول الذي اختاره النواب رئيساً في الأول من يونيو.
وقال ديغول لـ «الأقدام السوداء» (الفرنسيون الذين ولدوا في الجزائر) في الجزائر العاصمة في الرابع من يونيو «فهمتكم».
في 23 أكتوبر، عرض على جبهة التحرير الوطني «سلام الشجعان».
في 19 سبتمبر 1958، شكّلت جبهة التحرير الوطني، الحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية.
- 1961: انقلاب الجنرالات: في 16 سبتمبر 1959، أعلن ديغول حق الجزائريين في تقرير المصير.
أدى «أسبوع من المتاريس» بمبادرة من المطالبين ببقاء الجزائر تحت حكم فرنسا في نهاية يناير 1960، إلى مقتل نحو 20 شخصاً في العاصمة.
في الثامن من يناير 1961، فاز مؤيدو حق تقرير المصير للجزائر بنسبة 75 في المئة في استفتاء. وتم على الأثر إنشاء «منظمة الجيش السري»، الذراع السرية للمطالبين بـ «جزائر فرنسية».
ليلة 21 - 22 أبريل، وقع انقلاب في الجزائر ضد ديغول بقيادة الجنرالات سالان وشال وزيلر وجوهو.
استسلم شال في 25 أبريل، وزيلر في بداية مايو، وبقي سالان وجوهو يعملان سراً في «الجيش السري».
في 17 أكتوبر، أدى قمع تظاهرة نظمها جزائريون مؤيدون لجبهة التحرير الوطني في باريس إلى مقتل العشرات.
- 1962: اتفاقيات إيفيان: كثّفت «منظمة الجيش السري» التفجيرات.
في 8 فبراير 1962، أدى قمع تظاهرة مناهضة للمنظمة إلى مقتل تسعة أشخاص في مترو شارون في باريس. تفاوض ديغول مع جبهة التحرير الوطني، وفي 18 مارس 1962، أعلنت اتفاقيات إيفيان وقف إطلاق النار. في الثامن من أبريل، أقرت الاتفاقيات بنسبة 90 في المئة في فرنسا.
في الأول من يوليو، كرس استفتاء بنسبة 99،72 في المئة في الجزائر، الاستقلال. عندها بدأت مغادرة ما يقرب من مليون من «الأقدام السوداء» (الفرنسيون المولودون في الجزائر) البلاد، بينما قتل 55 ألفاً من الحركيين (الذين قاتلوا مع الجيش الفرنسي) في البلاد.
في الخامس من يوليو، أعلنت الجزائر التي أصبح أحمد بن بلة (جبهة التحرير الوطني) أول رئيس لها، استقلالها. تسبب النزاع في مقتل نحو 500 ألف مدني وعسكري بينهم 400 ألف جزائري، بحسب المؤرخين الفرنسيين.
حرب الجزائر... جرح لم يندمل
باريس - أ ف ب - بعد ستين عاماً على انتهاء حرب الجزائر (1954 - 1962)، لم تندمل جراحها بعد.
وقامت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، بمبادرات رمزية عدة لتنقية الذاكرة بين البلدين، من دون أن يصل ذلك الى حد الاعتذار.
- ثمانية أعوام من نزاع دام: كانت الجزائر تخضع للاستعمار الفرنسي منذ 1830.
في 1945، قُمعت احتجاجات مطالبة باستقلالها بعنف. في 1954، شنّت جبهة التحرير الوطني التي لم تكن معروفة بعد حينها ستين هجوماً متزامناً في عيد جميع القديسين ضد المستعمرين.
وبدأ إثر ذلك نزاع أوقع أكثر من 500 ألف قتيل مدني وعسكري، نحو 400 ألف منهم جزائريون، وفق تقديرات المؤرخين.
بداية 1957، انفجرت قنابل وضعتها جبهة التحرير الوطني في مقاه وملاعب في الجزائر العاصمة، مخلفة 15 قتيلاً وعشرات المصابين. حينها أطلق الجنرال الفرنسي جاك ماسو معركة ضارية ضد الجبهة.
بحلول أكتوبر 1957، أوقف آلاف المشتبه بهم وعذبوا، وقتل الكثير منهم. عام 2001، أقر الجنرال بول أوساريس بممارسة التعذيب في الجزائر.
- الاستقلال والعائدون والحركيون: في مايو 1958، وبضغط من العسكريين ومستعمرين فرنسيين في الجزائر، عاد الجنرال شارل ديغول إلى السلطة، وبدأت الجمهورية الخامسة.
بعد إحباطه محاولة انقلاب من جنرالات فرنسيين في الجزائر عام 1961، أطلق ديغول مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني.
في 19 مارس 1962، نصت اتفاقيات إيفيان على وقف فوري لإطلاق النار ومهدت لاستقلال الجزائر التي صار القيادي في جبهة التحرير الوطني أحمد بن بلة أول رئيس لها. تلت ذلك أشهر من الفوضى نفذ فيها عناصر «منظمة الجيش السري» الداعية إلى إبقاء تبعية الجزائر لفرنسا، هجمات، كما شهدت هروب فرنسيين من الجزائر.
وعاد في الإجمال نحو مليون فرنسي إلى فرنسا. ورافق الفرنسيين نحو 60 ألف من الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي. لكن عددا كبيرا منهم يراوح بين 55 ألفاً و75 ألفاً بقوا في الجزائر حيث قتلوا بغالبيتهم.
- «صدمات لم تعالج بعد»: لم تصف فرنسا رسميا ما حدث بالحرب إلاّ عام 1999. وعلى غرار فاليري جيسكار ديستان، الذي كان أول رئيس فرنسي يقوم بزيارة رسمية الى الجزائر المستقلة عام 1975، امتنع الرئيسان فرنسوا ميتران وجاك شيراك عن إدانة الاستعمار.
عام 2007، أعلن الرئيس نيكولا ساركوزي أن «النظام الاستعماري كان غير عادل بشكل عميق»، لكنه قال «داخل ذلك النظام، كان هناك الكثير من الرجال والنساء الذين أحبوا الجزائر قبل أن يضطروا إلى مغادرتها».
وتحدث عن «عدد لا يحصى من الضحايا من الجانبين». عام 2012، تحدث الرئيس فرنسوا هولاند من الجزائر عن الاستعمار قائلاً «طوال 132 عاما، خضعت الجزائر لنظام غير عادل بشكل عميق ووحشي».
وكان في 19 مارس 2016 أول رئيس يحيي ذكرى انتهاء حرب الجزائر، ما أثار اعتراضات في صفوف الطبقة السياسية.
في فبراير 2017، قال إيمانويل ماكرون، وكان حينها مرشحاً الى الانتخابات الرئاسية، إن الاستعمار «جريمة ضد الإنسانية»، و«وحشية حقيقية»، مضيفاً «انه جزء من ماضٍ يجب أن نواجهه عبر تقديم اعتذاراتنا الى كل الذين ارتكبنا في حقهم هذه الأعمال».
- «مبادرات ذات دلالة» وتوتر: في سبتمبر 2018، أقر ماكرون أن عالم الرياضيات الشيوعي الشاب موريس أودان الذي أوقفه الجيش الفرنسي في الجزائر عام 1957 قتل تحت التعذيب، وطلب باسم الجمهورية «الصفح» من أرملته.
في أكتوبر 2020، اعتبر ماكرون في خطاب ألقاه في مورو في منطقة باريس، أن «الانعزالية» الإسلامية «تتغذى» جزئياً من تلك الحقبة التاريخية. وقال «نحن بلد له ماضٍ استعماري» و«صدمات لم تعالج بعد»، معتبراً أن «حرب الجزائر جزء منها».
بعد نشر تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا حول قضايا الذاكرة العالقة بين البلدين في يناير 2021، تعهد ماكرون القيام بـ«أعمال ذات دلالة» رمزية لمحاولة مصالحة البلدين، لكنه استبعد تقديم الاعتذار.
في الثالث من مارس 2021، أقر بأن المحامي القومي علي بومنجل «تعرض للتعذيب والقتل» في 23 مارس 1957 على يد الجيش الفرنسي، مناقضا الرواية الرسمية بإقدامه على الانتحار.
في 20 سبتمبر 2021، طلب الرئيس الفرنسي «الصفح» من الحركيين الجزائريين الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر، والذين «تخلت عنهم» فرنسا.
وترجمة لهذا الطلب، أقرّ البرلمان الفرنسي في 15 فبراير قانونا يطلب الصفح من الحركيين وينص على تعويضات.
في الثاني من أكتوبر، استدعت الجزائر لمدة ثلاثة أشهر، سفيرها في باريس، بعد تصريحات للرئيس الفرنسي ماكرون قال فيها إن «النظام العسكري السياسي» في الجزائر بني على «ريع الذاكرة» مع فرنسا.
في وقت لاحق، استنكر ماكرون «جرائم ارتكبتها الجمهورية لا يمكن تبريرها» في الذكرى الستين للمذبحة التي نفذتها الشرطة الفرنسية في حق متظاهرين جزائريين في 17 أكتوبر 1961 في باريس.
وبعدما أعلنت تسهيلاً للوصول الى الأرشيف المشمول بالسرية، أعلنت باريس في العاشر من ديسمبر أنها ستفتح ايضاً الأرشيف المتعلق بـ «التحقيقات القضائية» في حرب الجزائر.
في 26 يناير 2022، عبّر ماكرون عن «عرفان» فرنسا إزاء الفرنسيين الذي عادوا من الجزائر الى فرنسا، ودعا الى الاعتراف بـ «مجزرتي» إطلاق النار الذي حصل في شارع إيسلي في الجزائر في 26 مارس 1962، وفي وهران في الخامس من يوليو 1962، بعد توقيع اتفاقيات إيفيان.
في الثامن من فبراير، كرّم ماكرون المتظاهرين الذين قتلوا في باريس في محطة مترو شارون في الثامن من فبراير 1962 خلال تجمع سلمي قمعته الشرطة بالقوة.