في خطوة فائقة الأهمية، نجح باحثون في جامعة بريستول البريطانية وجامعة أوكلاند النيوزيلندية أخيراً في اكتشاف مفتاح اللغز الذي يكمن وراء أن معظم المصابين بارتفاع ضغط الدم يكونون أيضاً مصابين بداء السكري، وهما المرضان اللذان يعتبران من العوامل الرئيسية التي تقف وراء مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وإذ نُشرت الدراسة في موقع Circulation Research الأكاديمي المتخصص، فإنها اشتملت أيضاً على إسهامات بحثية إضافية من جانب علماء من البرازيل وألمانيا وليتوانيا وصربيا، بالإضافة إلى بريطانيا ونيوزيلندا.
نُسلِّط مزيداً من الضوء في التالي على تفاصيل هذا الاكتشاف: وأسفر الاكتشاف الجديد عن أن جزيءً بروتينياً صغيراً ينتمي إلى فئة الببتيدات الشبيهة بالغلوكاغون- 1، ويشار إليه بالرمزGLP- 1، هو المسؤول الحقيقي عن العلاقة الارتباطية المزدوجة بين سيطرة الجسم على ضغط الدم وعلى نسبة السكر في الدم، لذا فإن إخفاقه في وظيفته يؤدي عادة إلى الإصابة بالمرضين معاً.
وتعليقاً على هذا الفتح البحثي، قال البروفيسور جوليان باتون، الذي شارك في الإشراف على الدراسة كما أنه يشغل منصب مدير مركز «ماناكي ماناوا» للأبحاث القلب في جامعة أوكلاند: «منذ عشرات السنوات، لاحظ الأطباء والباحثون أن ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري مرتبطان ارتباطاً وثيقاً.
وقد نجحنا أخيراً في اكتشاف سبب تلك العلاقة الارتباطية، وهو الأمر الذي من المتوقع له أن يوجه دفة استراتيجيات معالجة هذين المرضين المزمنين في اتجاه جديد تماماً».
وفي الأحوال الطبيعية، يتم إطلاق الجزيء البروتيني GLP- 1 من بطانة الأمعاء الدقيقة بعد تناول الطعام، ويعمل على تحفيز إفراز الإنسولين من البنكرياس للتحكم في مستويات السكر في الدم.
وقد كان هذا الأمر معروفاً في السابق، ولكن ما تم اكتشافه الآن هو أن ذلك الجزيء البروتيني هو المسؤول أيضاً عن تحفيز عضو حسي صغير يسمى «الجسم السباتي» ويوجد على جانبي الرقبة لدى جميع الثدييات.
وفي تجاربهم، استخدم باحثو جامعة بريستول تقنية فائقة التطور في مجال علم الجينوم - تُسمى «تسلسل الحمض النووي الريبوزي» - لقراءة جميع رسائل الجينات المُعبر عنها في جسم الشريان السباتي لدى فئران تجارب مصابة بارتفاع ضغط الدم ومن دونه. وأسفر هذا عن اكتشاف أن المستقبل الذي يستشعر الجزيء البروتيني GLP- 1 يوجد بمستويات معينة في «الجسم السباتي»، ولكنه يوجد بمستويات منخفضة لدى الفئران المصابة بارتفاع ضغط الدم وبمرض السكري.
وأضاف البروفيسور باتون موضحاً: «الجسم السباتي هو نقطة الالتقاء التي يعمل الجزيء GLP- 1 انطلاقاً منها للتنظيم والتحكم في نسبة السكر في الدم وفي مستوى ضغط الدم؛ ويتم تنسيق هذا التحكم بواسطة الجهاز العصبي الذي يتلقى التعليمات من الجسم السباتي».
ومن جانبه، قال البروفيسور ديفيد مورفي، أستاذ الطب التجريبي في كلية بريستول للطب: «عملية التحديد والتحقق من العلاقة الارتباطية استدعت أن نقوم بإجراء تنميط وتسلسل جيني إلى جانب خطوات أخرى. لكننا لم نتوقع مطلقاً ظهور الجزيء GLP- 1 على شاشة رادار الرصد البحثي.
إنه اكتشاف مثير للغاية ويفتح أفقاً غير مسبوق لابتكار جيل من العلاجات الجديدة الناجعة لكلا المرضين».
وقال البروفيسور رود جاكسون، أستاذ علم الأوبئة من جامعة أوكلاند: «حتى الآن، مازال من الصعب السيطرة على ضغط الدم المرتفع لدى المرضى الذين يعانون من ارتفاع نسبة السكر في الدم.
لذا، فإن نتائج دراستنا هذه مهمة جداً لأنها كشفت للمرة الأولى عن آلية عمل الجزيء GLP- 1 كما أثبتت أنه من الممكن خفض كل من السكر والضغط معاً من خلال إعطاء المريض جرعة يومية أو أسبوعية معينة من جزيء GLP- 1».
يُشار في هذا السياق إلى أن الأشخاص المصابون بارتفاع ضغط الدم و/أو مرض السكري يكونون معرضين بدرجة عالية لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وحتى مع تلقي الأدوية، يظل عدد كبير من المرضى معرضا للخطر. ويرجع ذلك إلى أن معظم أدوية مرضيّ السكري والضغط تعالج أعراضهما فقط وليس أسبابهما الجذرية.