في أميركا اللاتينية، وجه الناخبون رسالة واضحة إلى النخب القيادية التقليدية السياسية والاقتصادية تتلخص بكلمة «ارحلوا!» بعدما سئموا من الوضع القائم وباتوا يميلون إلى شخصيات حديثة العهد بالسياسة.
وفي الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في تشيلي، لم يكن أي من الأحزاب الوسطية التقليدية التي تحكم منذ انتهاء الديكتاتورية قبل 31 عاما مؤهلا لخوضها، وفاز فيها الزعيم الطلابي السابق غابريال بوريك البالغ من العمر 35 عاما على رأس ائتلاف اليسار في مواجهة اليمين المتطرف.
وفي ابريل انتخبت الإكوادور أول رئيس يميني لها منذ 14 عاما بينما اختارت البيرو في يونيو تعيين مدرس من اليسار الراديكالي لم يكن معروفا من قبل من بين 18 مرشحا في الدورة الأولى.
وأنهت هندوراس 12 عاما من حكم الحزب الوطني المحافظ في نوفمبر بانتخاب أول رئيسة للبلاد.
في الأرجنتين وفي الانتخابات التشريعية في نوفمبر، تبرأ الناخبون من البيرونية الوسطية التي هيمنت على البرلمان لعقود لكنها فقدت السيطرة على مجلس الشيوخ لأول مرة.
وقال المحلل باتريسيو نافيا من جامعة نيويورك لوكالة فرانس برس «منذ بدء الوباء خسرت جميع الحكومات والاحزاب والائتلافات المنتهية ولايتها الانتخابات في اميركا اللاتينية». وأضاف أن هذه «ليست مسألة أيديولوجية».
وقال المحلل مايكل شيفتر من مؤسسة الحوار الأميركي لفرانس برس إن «الناس سئموا من الوضع الراهن والنخب الاقتصادية والسياسية التقليدية». وأضاف «لذلك هناك نزعة للرفض في كثير من البلدان». وتابع «إذا أخفقت الحكومات، فإننا نبحث عن بدائل».
متعبون
ومن تشتت الأصوات إلى ظهور أحزاب سياسية جديدة، اقتحم الساحة السياسية غرباء يُنظر إليهم على أنهم أقرب إلى الشعب.
وتكررت الدورات الثانية للاقتراع بين مرشحين على طرفي نقيض في المشهد السياسي. ولم تعد الأحزاب التقليدية تظهر بينما تتراجع أصوات الناخبين المعتدلين وتترك المجال مفتوحا للتطرف كما حدث في تشيلي والبيرو والإكوادور.
وأصبح التصويت سلاح احتجاج، لأسباب عديدة. السبب الأول اقتصادي وتفاقم بسبب الوباء في أميركا اللاتينية التي تعاني من عد تكافؤ في الثروات. وقال نافيا «عندما كانت الأوضاع الاقتصادية أفضل كان جميع رؤساء أميركا اللاتينية يتمتعون بالشعبية، سواء كانوا من اليسار أم اليمين».
وقالت ماريا خاراكويمادا من معهد الديموقراطية والانتخابات لفرانس برس «سئم الناس من الاحزاب السياسية التقليدية لان لديهم انطباعا بأنها لا تحترم الوعود الانتخابية وانها كلها متشابهة».
واضافت أن الناخبين أصبحوا الآن يتأثرون بالخطاب الشعبوي المناهض للنخبة. ورأى شيفتر أنه «في السياسة الحديثة وفي جميع البلدان، الخطب الأكثر تطرفا هي التي تحرك النقاش وهذه الخطب تضخمها وسائل التواصل الاجتماعي». وتابع «كانت هناك مرحلة يصوت فيها الناس لأنهم يؤمنون بشخص ما»، موضحا أن فكرة «أهون الشرين» هي التي تطغى اليوم.
واضاف «نصوت مع عدم توافر خيارات وهذا تغيير كبير». ويرى المحللون أن هذا المزيج من الاستقطاب وسخط الناخبين يبشر بمستقبل غير مستقر. ومع نفيه أن «يتدهور الوضع الاقتصادي على الأرجح في السنوات المقبلة» يتوقع أن «يستمر السخط». ويرى مايكل شيفتر أن سنوات من «الفوضى» تلوح في الأفق.
في 2022، سيتم انتخاب رؤساء جدد في كولومبيا والبرازيل حيث قد يستمر التوجه الرافض. وأصبح الكولومبي المحافظ إيفان دوكي أكثر رئيس لا يتمتع بشعبية في تاريخ بلاده في عام اتسم بالاضطرابات الاجتماعية والقمع الذي قوبل بإدانة دولية.
ويتصدر المتمرد اليساري السابق غوستافو بيترو استطلاعات الرأي.
في البرازيل، تراجعت شعبية الرئيس اليميني المتطرف جاير بولسونارو إلى مستويات قياسية.
وتكشف استطلاعات الرأي أن الرئيس اليساري السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا يستعد للعودة. وقال شيفتر إن «هذا لا يعني مع ذلك حماسا للولا بل يعني رفضا لبولسونارو»، وبالتالي ميلا إلى جعله «يرحل».