دخل المأزقُ الحكومي مرحلةً أكثر قتامة يُخْشى أن تكون لها ارتداداتٌ كبرى متعدّدة البُعد على مجمل المسار اللبناني المحكوم بالانهيار الشامل الذي تتزايد سرعته كلما تباطأت المعالجاتُ الإصلاحية والسياسية، بشقّيْها الداخلي والخارجي، بما يُنْذر بترك البلاد في قبضةِ أزمةٍ متوحّشة يرجّح أن تزداد توغلاً بحال لم يتم تفكيك «صواعقها» قبل رمي الانتخابات التشريعية (مايو 2022) بـ «شباكها» على كل المشهد اللبناني في الأسابيع القليلة المقبلة، هذا إذا لم تضع «الارتجاجات» السياسية الاستحقاق النيابي في مهب الريح.
فمع الـ «لا قرار» الذي خلص إليه المجلس الدستوري أمس في الطعن المقدم من «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) في التعديلات على قانون الانتخاب وذلك بعد تَعَذُّر تأمين أكثرية 7 أعضاء الضرورية للبت به ما جعل القانون المطعون به نافذاً، سادت بيروت مناخاتٌ مشحونةٌ شكّلت مؤشراً لِما ينتظر لبنان الغارق في تعطيل متمادٍ لمجلس الوزراء منذ 12 أكتوبر الماضي، وذلك بعدما كشفت الساعات الماضية الحدود «المسموحة أو الممكنة» لأي حلولٍ – مقايضات تتّصل بمعالجة «الحرب» التي أعلنها الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري على المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار في محاولةٍ لجعْله «أعزل» وتجريده من صلاحية ملاحقة المسؤولين السياسيين وحصْرها بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء (الحكومة) والوزراء.
وجاء القرار غير المفاجئ لـ «الدستوري» والذي اعتُبر هزيمةً لرئيس «التيار الحر» جبران باسيل (صهر عون) وتحديداً لجهة الإبقاء على اقتراع المغتربين للنواب الـ 128 الذين يتألف منهم البرلمان (كل منهم في دائرته) عوض استحداث 6 مقاعد إضافية لهم (الدائرة 16)، ليكرّس الإطاحةَ بما بدا «الصفقة - الشبح» التي شغلت المقرات الرسمية أول من أمس بين فريقيْ عون وبري على قاعدة متكاملة ومتوازية: أولها قبول طعن «التيار» وتالياً «إراحة» باسيل من «عبء» أصوات المغتربين التي تشير أكثر من «محاكاة» انتخابية إلى أن غالبيتها لن تصبّ لمصلحة حزبه.
وثانيها أن يسهّل فريق عون تجزئة مهمة بيطار عبر البرلمان أو إقصائه وفق آليات قضائية تبدأ بتعيين رئيس مجلس جديد للقضاء الأعلى عوض القاضي الحالي سهيل عبود وذلك من ضمن سلّة تعيينات أخرى تشمل مدعي عام التمييز والمدعي العام المالي وحاكم مصرف لبنان.
ولم يكن ممكناً التعاطي مع «لا قرار» المجلس الدستوري إلا على أنه أتى انعكاساً لتداعي هذه الصفقة، التي رغم أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بدا أنه تصدَّر جبهة «إحباطها»، إلا أن مختلف أركانها لم يتوافقوا على سلّتها الشاملة بعدما ظَهَرَ أن كلاً منهم يريد «جزءاً منها» ويرفض الآخر، قبل أن يتسابقوا على «نفض اليد» منها والتنصّل من «أصل وجودها» وصولاً لمحاولة انتزاع «بطولاتٍ سياسية» في هذا السياق، وذلك وفق الآتي:
• استباق مصادر عون الإطاحة بالصفقة بتأكيد «أن لا مقايضة على العدالة» ولا على المحقق العدلي بانفجار المرفأ والحقيقة في هذا الملف.
• إعلان بري «أن لا صفقة ولا مَن يصفّقون»، معتبراً الكلام عنها «لعبة خبيثة وكريهة»، اتّهم بها «غرفاً سوداء لبث الاشاعات ورمي الاساءات».
• في المقابل، حَمَلَ بيان ميقاتي الذي أعقب المناخات التي ارتسمت بعيد لقائه مع بري عصر الاثنين إشارات لا لبس فيها حول أن صفقة كانت تُطبخ ونَسَفَها، إذ أوضح أنه كرر أمام رئيس البرلمان «موقفه المبدئي برفض التدخل في عمل القضاء بأي شكل أو اعتبار مجلس الوزراء ساحة لتسويات تتناول مباشرة أو بالمواربة التدخل في الشؤون القضائية بالمطلق»، مجدداً تأكيد «وجوب أن تكون الحلول المطروحة للاشكالية المتعلقة بموضوع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء منوطة بأحكام الدستور دون سواه»، وموضحاً أنه أبلغ هذا الموقف إلى كل من عون وبري.
وبحسب أوساط سياسية، فإن الأجواء التي سادت بعد خطوة «الدستوري» وانتكاسة باسيل، بدءاً مما نُقل عن مصادر عون من أن «اللاقرار» في الطعن المقدَّم هو «سقطة للمجلس الدستوري، وثمة قوى تعطل القضاء وهذا المجلس والسلطة الاجرائية والتدقيق الجنائي»، وصولاً لمواقف السقف العالي لرئيس «التيار الحر» عصر أمس بعد اجتماع تكتله والتي صوّبت على قرار سياسي وراء ما خلص إليه «الدستوري» (مؤلف من 10 أعضاء وفق كوتا طائفية وسياسية)، أعطت إشاراتٍ قوية إلى أن «الاشتباك الرئاسي» مرشّح ليتمدّد، ليس فقط بين عون وبري بل قد تتطاير شظاياه أيضاً في اتجاه ميقاتي، ما يشي بـ«عطلة» مديدة لجلسات مجلس الوزراء يُخشى أن تطول حتى موعد الانتخابات النيابية التي قد يصبح حصولها في دائرة الخطر الكبير.
وصرح باسيل بعد اجتماع تكتل لبنان القوي «اليوم (امس) تم اسقاط المجلس الدستوري وتعطيله لأن الطعن لم يسقط بل لم يصدر قرار في شأنه».
واعتبر ان «ما حصل هو ضرب للميثاقية وصلاحية رئيس الجمهورية في المادة 57 وسقوط اضافي للدستور الذي نحاول ان نحافظ عليه».
وتابع باسيل من ناحية ثانية، «نقول للثنائي الشيعي الا مبرر لعدم انعقاد مجلس الوزراء، وكذلك لرئيس الحكومة، اذ لا يبدو ان هناك استعجالا لهذا الامر».
وأكد «ما جرى هو نكسة للحق وليس للتيار وهو ايضاً نكسة للمنتشرين. وما حصل تم بقرار سياسي واضح من قبل منظومة متحالفة مع بعضها في عهد الرئيس عون وعلى رأسها في المجلس الدستوري... اليوم كان الثنائي الشيعي وهذا ما ستكون له مترتبات سياسية».
وفي رأي هذه الأوساط، أنه مع قفْل الباب على الركيزة الأولى من الصفقة عبر عدم قبول الطعن بتعديلات قانون الانتخاب، وهو ما رُبط حصوله بعدم رغبة بري في تسليف باسيل «هدية مجانية» ما دام ميقاتي سدّ المنافذ أمام أي إشراكٍ للحكومة في «الملحق التنفيذي» للمقايضة المتصل بالتعيينات (لم يسِر بري باستبدال المدعي العام المالي) لاعتباراتٍ عدة، فإن أي تغطية من رئيس «التيار الحر» لجلسة نيابية تفضي إلى «قص أجنحة» بيطار باتت من دون جدوى باعتبار أنها صارت «بلا ثمن» مُقابِل، وهو ما سيجعل الدوران يستمر في الدائرة المقفلة.
ولم تُسقِط الأوساط في قراءتها خلفيات رفْض ميقاتي مندرجات الصفقة أنها نُسجت بمعزل عنه، وبين فريقيْن باتت كيفية التعاطي معهما ومع مطالبهما أحد مقاييس مقاربة الخارج لسلوك رئيس الوزراء ومدى تَفَلُّته من الوقائع التي تُفرض على حكومته كما على مجمل الواقع اللبناني، ناهيك عن الحَرج السني الذي كان سيسببه ذلك لميقاتي، وسط اعتبار الأوساط نفسها أيضاً أن أكثر من طرف ليس مستعداً لـ «بيع» عهدٍ يقترب من نهايته تعييناتٍ «يربط» بها مَن سيخلفه أو تعزّز موقع باسيل في السباق الى قصر بعبدا.
وفي رأي الأوساط عيْنها أن هذه المناخات الشديدة السواد جاءت في أسوأ توقيتٍ على مرأى ومسامع الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس الذي لم ينفكّ يكرر أمام المسؤولين اللبنانيين ضرورة أن «يوحدوا أنفسهم ويجتمعوا» لوضع البلاد على المسار الصحيح ووقف شلّ المؤسسات، طارحاً معادلة فحواها «تضامنوا مع بعضكم من أجل شعبكم كي يتضامن المجتمع الدولي معكم».
ولم يكن عابراً كلام غوتيريس، الذي زار أمس المقر العام لقوات «اليونيفيل» في الناقورة قبل أن يجول على «الخط الأزرق» الحدودي مع اسرائيل «ان الحال في لبنان يفطر القلب ويجب القيام بإصلاحات جوهرية».
وأكد غوتيريس في ختام زيارته إلى لبنان، انه «يجب تحقيق العدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت عبر تحقيق شفاف ونحن نتضامن مع عائلات الضحايا».
وقال «لا بدّ من عقد انتخابات نيابيّة حرّة ونزيهة لتكون فرصة للشعب لنقل أصواته».
وشدد على ان «قوات اليونيفيل تحتاج للوصول إلى كل النقاط ضمن نطاق عملها والدعم الدولي للبنان أمر مهم لاستقراره».
واشنطن تحض على تجنّب السفر إلى 8 دول بينها لبنان
حضت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ووزارة الخارجية، الأميركيين، على تجنب السفر إلى ثماني دول، منها لبنان.
وفي حين أعلن الرئيس جو بايدن، «تدابير» جديدة تهدف إلى «تتبع أفضل» للفيروس، ستقدم الولايات المتحدة أكثر من نصف مليار دولار كمساعدات إضافية لمنظمات دولية.
وأضافت مراكز مكافحة الأمراض، الإثنين، مناطق أخرى منها، بونير (إحدى جزر المجموعة الكاريبية الهولندية) وموناكو وسان مارينو وجبل طارق إلى تصنيف المخاطر «المستوى الرابع: مرتفع للغاية».
وأصدرت الخارجية بياناً موازياً ورفعت مستوى التحذير إلى «المستوى 4: لا تسافر» للوجهات التي لم يتم تصنيفها من قبل على أعلى مستوياتها بالنسبة للمخاطر، منها إسبانيا وفنلندا وتشاد ولبنان.