التوظيف المُدمّر للمال السياسي لصالح النوّاب، له موارد عدّة، والعديد من الأوجه.
وقد يكون عبر استئجار وتوجيه بعض الاعلام التقليدي خصوصاً الصحف الصفراء وبعض وسائل التواصل بأسماء واقعية او وهمية لتسخير تلك الادوات لتضليل وتوجيه الناخبين لصالح مرشحين على حساب آخرين، كالدعم الذي حصل عليه العديد من مرشحي انتخابات مجلس 2020، الذين منحوا منزلة ووسام «مناضل من أجل الحرّيات»، بالرغم من دورهم المحوري في تشريع قوانين قمع الحريّات النافذة إلى اليوم، التي بموجبها صدرت الكثير من أحكام الحبس بحق المغرّدين المدانين بجرائم رأي.
القدر المتفق عليه دولياً، وخصوصاً في الدول العريقة في ممارسة الديموقراطية، هو أن توظيف المال السياسي في التضليل الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي هي الأشد فتكاً بالعمليّة الديموقراطية.
فهي في الجانب القانوني، ذات شبكة تمويل متشعّبة يصعب التدقيق في تدفقاتها المالية وإثبات ارتباط تلك التدفقات بالأنشطة والآراء المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي. وهي في جانب الأثر، قادرة على تزوير إرادة الأمّة في صناديق الانتخابات، لأن ضحاياها في الغالب من أصحاب الذمم الحيّة والنوايا الإصلاحية الصادقة.
كما أن ديناميكية التغيّر والتحوّل في مسارات الحملات التضليلية متناغمة مع مصالح زمرة من قوى الفساد، المجموعة التي تموّل هذه الحملات، وغالباً ما تكون مصالحهم متعارضة مع الصالح العام.
بالنسبة لتزوير إرادة الأمّة في صناديق الانتخابات، هناك من ذُهل من كم المعلومات «المغايرة لتصوّراته» التي حصل عليها من تقارير اللجان البرلمانية ومضابط الجلسات التي نوقشت وشرّعت فيها قوانين قمع الحريات.
وهناك من صُعق عندما اكتشف أن النائب الذي انتخبه كان من بين الذين أقرّوا عقوبة حبس في قضايا رأي بالرغم من اعتراض الحكومة عليها.
وهناك من أحبط بعد أن أدرك حقيقة النائب الذي انتخبه، بعدما شاهد أداءه البرلماني خلال دور الانعقاد الأوّل، وتلمّس حرص النائب ورفاقه على تحقيق أولويّات أقطاب ونوّاب سابقين على حساب أولويات الشعب.
وهناك من تبين له زيف شعارات النائب الذي انتخبه بعد اجتماعات الحوار الوطني، بعد أن تبدّلت، بل انقلبت مواقفه تجاه العديد من المسائل والقضايا الأساسية، وبعد تخلّيه عن مشروع العهد البرلماني الجديد قبل أن يبدأ.
وبالنسبة للإضرار بالصالح العام، الأمثلة على الإضرار بالمنظومة الديموقراطية متعدّدة، ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى واحد منها، وهو ترسيخ عرف دستوري أضاف شرطاً جديداً لصحة انعقاد جلسات مجلس الأمة، مخالفاً لقاعدة مكتوبة في الدستور، وهو شرط حضور الحكومة.
فالمعارضة التي قبلت على مدى سنوات طويلة، وتحديداً نوّابها المخضرمين، بعدم عقد الجلسات التي غابت عنها الحكومة، التي وصل عددها إلى 28 جلسة وفق تصريح أحدهم في لقاء متلفز؛ هذه المعارضة التفتت فجأة إلى أن حضور الحكومة ليس شرطاً دستورياً لصحة انعقاد الجلسات، وطالبت رئاسة المجلس بعقد الجلسات التي غابت عنها الحكومة، وسعت في إحدى تلك الجلسات إلى عقد جلسة إعلامية في قاعة عبدالله السالم بعد خروج الرئيس وخلو القاعة من نائبه؛ هذه المعارضة انقلبت مرة أخرى وقبلت تطبيق الشرط العرفي بوجوب حضور الحكومة، وذلك بعد الحوار الوطني.
الشاهد أن المنظومة الإعلامية في وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت تدعم المعارضة في مطالبتها بإلغاء الشرط العرفي، تجاهلت في مجملها تخلّي المعارضة عن المطالبة بإلغاء الشرط العرفي.
وعوضاً عن محاسبتها على هذا الانقلاب في موقفها من مسألة مفصلية، واصلت هذه المنظومة نفي تحصين المعارضة الحكومة، رغم علمها أن مفاتيح قاعة الجلسات، قاعة عبدالله السالم، سلّمت للحكومة... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com