تطلق إسرائيل هذه الايّام تهديدات علنية تتحدّث فيها عن خطورة المشروع النووي الإيراني واقتراب «الجمهوريّة الاسلاميّة» من الحصول على القنبلة الذرّية.
تتحدّث إسرائيل أيضاً عن احتمال توجيه ضربة عسكريّة الى ايران لمنعها من الحصول على القنبلة.
هل تستطيع إسرائيل شنّ أي هجوم مباشر على ايران وتدمير قدراتها النوويّة؟ مثل هذا السؤال موضع اخذ وردّ طويلين.
ما ليس موضع اخذ وردّ الحاجة الى غطاء أميركي لايّ عمل عسكري تقدم عليه إسرائيل، علماً انّ مثل هذا العمل العسكري سيكون من دون شك اقرب الى مغامرة لاسباب عدّة.
من بين هذه الأسباب أن إيران تهدّد اسرائيل من جهات عدّة وهي مستعدّة للرد عليها من مواقع مختلفة.
أبرز هذه المواقع لبنان حيث لا يخفي «حزب الله»، وهو لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، امتلاك آلاف الصواريخ الدقيقة الموجّهة الى إسرائيل.
هناك جنوب سورية حيث لا يزال لإيران وجود قويّ على الرغم من كل الجهود الإسرائيلية لإزالة هذا الوجود في ظلّ موقف روسي متذبذب.
تتعاون روسيا مع إسرائيل، لكنّها لا تريد الذهاب بعيداً في تقليص الوجود العسكري الإيراني في الجنوب السوري.
لا تستطيع روسيا في نهاية المطاف تجاهل العلاقة التاريخيّة التي اقامتها مع النظام العلوي في سورية الذي يزيد عمره على نصف قرن والذي يلقى دعماً إيرانيا لا حدود له.
من يحتاج الى دليل على عمق العلاقة بين موسكو ونظام الأسد، بنسختي الاب والابن، يستطيع العودة الى موقف الاتحاد السوفياتي عندما اغتال النظام السوري كمال جنبلاط في العام 1977.
كان كمال جنبلاط، الزعيم الدرزي اللبناني، بين أقرب الناس الى موسكو وكان حائزاً على وسام لينين.
في الخيار بين النظام السوري وكمال جنبلاط، لم يتردّد الكرملين.
وقف الكرملين مع النظام السوري وتجاوز سريعاً موضوع اغتيال كمال جنبلاط الذي تمّ بموجب قرار مباشر اتخذه حافظ الأسد. تولّى الضابط السوري إبراهيم حويجي تنفيذ القرار.
فوق ذلك كلّه، لا يمكن تجاهل صواريخ «حماس» في غزّة، وهي صواريخ ايرانيّة في نهاية المطاف. اثبتت هذه الصواريخ فعاليتها في حرب مايو الماضي وذلك عندما أجبرت إسرائيل على اغلاق مطار بن غوريون في اللد لبعض الوقت.
يصعب ان تغلّب «حماس» مصلحة فلسطين وأهل غزّة على مصلحة إيران وذلك على الرغم من وجود جناح وطني داخلها.
عبّر هذا الجناح عن أولوياته الفلسطينية في أثناء الحرب الأخيرة عندما اعترف، أخيراً، بالدور الكبير لياسر عرفات على صعيد وضع فلسطين على الخريطة السياسيّة للمنطقة والعالم.
لكنّ هذا الموقف المستجدّ لـ«حماس» لم يدم طويلاً للأسف الشديد.
يبدو واضحاً أن الهدف من التهديدات الاسرائيليّة لايران الضغط على الإدارة الأميركية من أجل الحؤول دون التوصل معها إلى اتفاق جديد يحيي بطريقة أو بأخرى اتفاق العام 2015 الذي مزقه الرئيس دونالد ترامب في مايو من العام 2018.
اعتبر ترامب وقتذاك اتفاق 2015 بين مجموعة الخمسة زائداً واحداً وإيران «أسوأ اتفاق من نوعه».
القى كلّ اللوم على إدارة باراك أوباما التي لم يكن لديها من همّ سوى استرضاء «الجمهوريّة الإسلاميّة» والتوصل الى اتفاق في شأن ملفّها النووي.
هناك منذ 11 شهراً إدارة أميركيّة مختلفة كلّيا عن إدارة ترامب. واضح أن إدارة جو بايدن، تعتبر أن تمزيق الرئيس السابق الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني كان خطأً كبيراً.
ترغب إدارة بايدن بكلّ بساطة في العودة الى اتفاق 2015 مع بعض التعديلات الطفيفة التي تأخذ في الاعتبار المستجدات التي طرأت بين 2015 و 2021 والتي من أبرزها ظهور الصواريخ البالستية الإيرانيّة والطائرات المسيّرة والزيادة التي طرأت على العدوانيّة الإيرانيّة في كلّ أنحاء المنطقة أكان ذلك في العراق أو سورية أو لبنان أو اليمن، على وجه التحديد.
سيكون أيّ هجوم إسرائيلي على إيران بمثابة مغامرة.
يقول المنطق إن إسرائيل لا يمكن أن تقدم على مغامرة هذا النوع من دون غطاء أميركي على الرغم من أنّها دولة نوويّة من جهة ومن امتلاكها لأسلحة متطورة مثل طائرات «اف - 35» وغواصات وقنابل ضخمة من جهة أخرى.
ثمة حاجة الى دعم أميركي لمثل هذه المغامرة المكلفة التي ستكون لها انعكاساتها على دول المنطقة كلّها وعلى التوازن الإقليمي خصوصاً.
سيتوقف الكثير على ما ستسفر عنه المفاوضات غير المباشرة الدائرة في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران.
ثمّة جولة أخرى قريباً بعد الجولة الأخيرة التي كانت نتائجها مخيّبة، خصوصاً في ضوء الموقف الإيراني المتشدّد.
يعبّر هذا الموقف عن وجود سيطرة كاملة لـ«الحرس الثوري» على مفاصل السلطة في إيران في ضوء انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهوريّة وتولي أمير حسين عبداللهيان موقع وزير الخارجيّة.
سيتوقف الكثير أيضاً على ما اذا كان الرهان الإيراني في محلّه.
تراهن إيران على الإدارة الأميركية في حال ضياع وتعاني من تجاذبات داخليّة.
لا يمكن لادارة من هذا النوع ان ترفض شروطها، خصوصاً انّ لا هدف لدى هذه الإدارة سوى العودة الى اتفاق 2015، حتّى لو كان ذلك بشروط تناسب «الجمهوريّة الاسلاميّة» في إيران.
يبقى سؤال في غاية الأهمّية.
يتعلّق هذا السؤال بما إذا كانت الإدارة الأميركية قادرة على التملّص من الضغوط الداخليّة التي تمارس عليها من أجل رفض الاستسلام أمام إيران.
ليس اللوبي الإسرائيلي وحده الذي يمارس هذه الضغوط.
هناك أيضاً الكونغرس الأميركي بمجلسيه.
يوجد في مجلسي الكونغرس عدد لا باس به من النواب والشيوخ المنحازين الى الموقف الإسرائيلي وإلى ضرورة التعاطي الجدّي مع البرنامج النووي الإيراني.
لم يعد سرّاً أنّ عودة الإدارة الأميركية الى الحديث عن المواطنين الاميركيين الذين خطفوا في لبنان، في ثمانينات القرن الماضي على يد «حزب الله» وعن جائزة ماليّة لمن يدلّ على الخاطفين، لم يأت من فراغ.
يتبيّن يومياً ان الإدارة الاميركيّة تواجه صعوبات في الرضوخ لإيران وشروطها.
الأمر ليس مرتبطاً بإسرائيل وحدها، خصوصاً مع ظهور تغيير في الموقف الأوروبي من البرنامج النووي الإيراني.