يمثل البحث العلمي ركناً أساسياً في عمل الجهات الأكاديمية، من جامعات ومعاهد عليا، حتى أصبحت الأبحاث والدراسات التي تنتجها الجامعات مقياساً لتصنيفها على مستوى العالم، لا سيما أن البحث يعتبر سلوكاً إنسانياً منتظماً يهدف إلى استقصاء صحة معلومة أو فرضية أو توضيح لموقف أو ظاهرة، وفهم أسبابها وآليات معالجتها، أو إيجاد حل ناجح لمشكلة محددة أو سلوكية اجتماعية تهم الفرد والمجتمع، أو اختبار مدى نجاح تقنيات جديدة لتطوير الانتاج.
ولكن في الكويت يعيش البحث العلمي مأزقاً حقيقياً بغيابه، أو ندرته، حتى على مستوى جامعة الكويت التي تأثر تصنيفها الأكاديمي سلباً بغيابه، وقد نشرت الجامعة من قبل أسباب انخفاض تقييمها عالمياً، وكان منها قلة الأبحاث العلمية التي تقدم من أساتذة الجامعة وتسجل لها.
وأدى ذلك إلى إطلاق صرخة أكاديمية من أساتذة الجامعة بضرورة تقديم الدعم المادي المطلوب للقيام بالأبحاث التي تعود بالنفع على الكويت.
ويشتكي أساتذة جامعة الكويت، من أن رغباتهم في تقديم البحوث العلمية التي ترتقي بتصنيف الجامعة الأكاديمي، تصطدم بغياب الدعم المالي، ولاسيما أن المخصصات المرصودة لهذا الجانب من النشاط الأكاديمي ضئيلة جداً، إضافة إلى غياب الاستراتيجية الجامعية لتطوير البحث العلمي كونه مكوناً رئيسياً في التطور الحضاري، وفق آراء أكاديميين.
قال رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم الحمود لـ«الراي» إن «أهم المراكز البحثية في الكويت، هي جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب ومعهد الأبحاث، ولا شك أن الأساتذة لديهم أنشطة بحثية ورغبة في البحث العلمي، ولكن هذا البحث يحتاج إلى مصروفات كبيرة وأجهزة ومواد، ولكن للأسف أن المخصص المالي للبحث العلمي ضئيل جداً».
وأضاف الحمود أن «كثيراً من الأساتذة الطموحين يعتمدون على أنفسهم في تمويل أبحاثهم العلمية، كون الاشتراطات التي تطبقها جامعة الكويت في تمويل الأبحاث تؤدي إلى تكبيل الباحث والبحث، وإدارات الدولة كافة ليس لديها مخصصات لدعم البحث العلمي المتعلق بصميم عملها من الناحية الاقتصاديه والاجتماعية والسياسية وغيرها».
ولفت إلى «أهمية تخصيص موارد للبحث العلمي لتطوير متطلبات المجتمع، وهذا معمول به في كثير من دول العالم المتقدم، وهذا كان سبيل تطورهم.
فلدينا في جامعة الكويت أساتذة كبار وخريجون من أكبر الجامعات في العالم، ولديهم القدرة على البحث العلمي المتميز، وأبرز الحلول التي نطرحها لمعالجة قضية غياب البحث العلمي عن واقع المجتمع والسوق، أن تقوم الدولة بتخصيص جزء من ميزانيتها للبحث العلمي، وأن يتم إنشاء وزارة للبحث العلمي وتدعم وتشرف على الأبحاث العلمية العملية والتي لها تأثير إيجابي على المجتمع وتساهم في تنميته وتقدمه».
بدورها، قالت العميدة السابقة لكلية الدراسات العليا في جامعة الكويت الدكتورة فريدة العوضي لـ«الراي» إنه «لا يوجد لدينا في الكويت اهتمام حكومي وشعبي بالبحث العلمي، وكل ما هنالك هي اجتهادات شخصية من قِبل الباحثين والمهتمين، ولا توجد لدينا استراتيجية عامة لتطوير البحث العلمي والاهتمام الفاعل به كمكون رئيسي للتطور الحضاري».
وأضافت العوضي «كنت عميدة لكلية الدراسات العليا في جامعة الكويت خلال الفترة من 2013 الى 2017، وكان أحد أهدافي نشر الأبحاث العلمية واطروحات الماجستير والدكتوراه إلكترونياً في سجل عالمي، لتحقيق لبنة في خلق استراتيجية لتطوير البحث العلمي، فنحن إن لم نكن نعرف ما تم من أبحاث وإلى أي درجة وصلت بالنسبة للمشاريع الوطنية، فلا يمكننا أن نخطو إلى الأمام بشكل منتظم ومتسارع.
فهناك أبحاث كثيرة يقوم بها الباحثون في الجامعة، وهناك أبحاث في معهد الكويت للأبحاث، وكنت مستشاراً أول للمعهد، وعملت التقرير العلمي لجميع الأبحاث للعاملين والتي بلغت 350 مشروع بحث علمي خلال عامين، وكلها تصب في مجال خدمة الأهداف العلمية للمجتمع».
وأشارت العوضي إلى أن «سوق العمل يجب أن يهتم بنشر الأبحاث العلمية ودعمها للوصول إلى استراتيجية للتقدم العلمي في الكويت، ويجب أن تكون هناك جهة تنشر هذه الأبحاث وتفرزها حسب اتجاهات المجتمع وسوق العمل وتبرز نقاط القوة والضعف، والمجالات المتاحة وليس عليها ضغط وإلى أين يتجه المجتمع في كل المجالات».
«الخاص» غائب عن «البحث»
قال الدكتور إبراهيم الحمود إن «القطاع الخاص لا يساهم البتة في أعمال البحث العلمي، فلا بد من تخصيص رواد القطاع الخاص في الكويت جزءاً من ميزانياتهم للبحث العلمي، لربط سوق العمل بأعمال الأبحاث التي تؤدي بدورها لتطوره وتنميته»، موضحاً أن «دول العالم المتقدم تخصص ضرائب الوقود للبحث العلمي ولكن القطاع الخاص في الكويت لا يتحمل أي أعباء ضريبية فعليه أن يساهم في البحث العلمي».
التحرك الجاد... من الجامعة
أشارت الدكتورة فريدة العوضي إلى أن «الجميع يشجع تطوير البحث العلمي وربطه بصورة مباشرة باهتمامات المجتمع، والكل يعمل لذلك.
ولكن باعتقادي إذا لم تطرح أطروحات الدراسات العليا والتي تزخر بها الكلية والتي تمتد لأكثر من 40 سنة فمن الصعب أن نتحرك بشكل جاد»، موضحة أن كلية الدراسات العليا لديها 84 برنامجاً للماجستير والدكتوراه و6 برامج جديدة تحت الإجراء النهائي لاعتمادها.