رأى عدد من السياسيين والاقتصاديين المشاركين في ندوة «الإصلاح الاقتصادي والسياسي المفقود» التي نظمتها الجمعية الاقتصادية الكويتية بمقرها مساء أول من أمس، ضرورة الشروع في تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية من خلال المكاشفة والاعتراف بوجود مكامن الخلل والعمل على سرعة علاجها، مؤكدين أنه لا يزال في الوقت متسع لتحقيق ذلك، مطالبين بعقد مؤتمر لحوار وطني شامل لتحقيق الإصلاحات في مختلف المجالات، وضرورة القضاء على الفساد.
وأكد النائب السابق صالح الملا أهمية المصارحة والمكاشفة والاعتراف بوجود مشكلة وثم الترتيب لمؤتمر حوار وطني شامل وعام ولا يستثني أحداً من خلال اشراك مؤسسات المجتمع المدني واستدعاء الخبراء في الاقتصاد والقطاعين التعليمي والصحي.
وقال الملا «لا يمكن أن يرتجى أي إصلاح في أي قطاع ما لم يكن هناك إصلاح سياسي، لأن جميع القطاعات مرتبطة بالسياسة»، معتبراً أن أصل المشكلة هي أن البيئة السياسية في الكويت فاسدة.
بدوره، رأى رئيس قسم الاقتصاد في جامعة الكويت الدكتور أنورالشريعان، ضرورة إصلاح منظومة الاقتصاد بالكامل إلى جانب تحديد دور الدولة في الاقتصاد وعلى أساسه يمكن الحديث عن طريقة للاصلاح.
وبيّن أن «المشكلة التي يستحيل معها الاصلاح أننا مازلنا نطالب أن تقوم الدولة ممثلة في الحكومة بدورها كما كانت في الخمسينيات حيث كانت وقتئذ أقرب إلى الشيوعية المسيطر والمحرك والمالك للاقتصاد هي الدولة، أما اليوم 20 في المئة للقطاع الخاص والأفراد لكن 80 للدولة مازالت هي المالك والمدير للاقتصاد».
واستعرض الشريعان بدايات دورالدولة في المجتمع، قائلاً «بداية حقبة الأربعينيات واجهت الكويت مشكلة كبيرة وهي انتهاء مرحلة اللؤلؤ بعدما انقطعت التجارة ومعها دور الكويت كوسيط تجاري إلى أن ظهر النفط في نهاية هذه الحقبة، حيث احتاجت الدولة إلى تقديم خدمات للمجتمع، وذلك كان يتطلب أن تقوم الحكومة بدور كبير جداً في التعليم وتعزيز القدرة الاستهلاكية للمواطنين».
وتابع: «قامت الحكومة بالتوظيف وخلق طبقة تجارية جديدة ووكالات تجارية، وكانت الحكومة أكبر مستهلك وما زالت هي أكبر من يقدم خدمات وهي المحرك لكل قطاعات الكويت»، مردفاً أنه «عندما تقل ايرادات الحكومة عند انخفاض النفط، فإن الانفاق الحكومي يقل، ولذلك تضرر القطاع الخاص».
من جانبه، أكد عضو مجلس ادارة الجمعية الاقتصادية محمد الجوعان، أن حالة الاحتقان السياسي التي نشهدها أخيراً بسبب بعض النواب وبعض أعضاء الحكومة هم ادوات لأشخاص أكبر، يقودون مشهداً تأزيمياً في البلاد ويحاولون بطريقة أو بأخرى زرع عدم الاستقرار السياسي والامني في البلاد، مضيفاً «رغم أنه لا يوجد أمل و( السكة مسدودة) والظروف سيئة، لكن لايزال في الوقت متسع».
وقال الجوعان: «الحكومة تعشق إبر البنج، فمنذ 30 عاماً وهي تمارس اللعبة السياسية بأبر البنج ووصلنا إلى مرحلة لم يعد هذا الحل كافياً»، مبيناً أن «الحكومة ترفع سقف التوقعات دائماً، والشعب من جهته يصطدم بالواقع مثل ادارة أزمة كورونا من الوعود الكبيرة إلى التخبط الأخير كأكثر دولة أغلقت والتخبط على الصعيدين الاداري والتعليمي».
الكلفة عالية جداً
تطرق النائب السابق صالح الملا إلى الحوار الوطني، وقال: كنت من أوائل من دعا إلى الحوار الوطني وقلت بالحرف الواحد «لا تعتقد أن مشكلة الكويت في النظام الانتخابي بل في الفساد، وهذا عمل متعمد من فئة متضررة من أجواء الإصلاح وسيادة القانون والالتزام بالدستور».
وبيّن أن أهمية الحوار تكمن في التأخير في عملية المكاشفة والمصارحة، لذلك فإن الكلفة على الكويت عالية جداً خصوصاً على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، وإذا لم يحصل الاصلاح الآن فإن الكويت ينتظرها مستقبل مجهول، مؤكداً أنه «مازال هناك وقت لذلك».
واعتبر أن ما حصل في الحوار الوطني هو «جلسة تفاهم بين السلطتين، وستبيّن الأيام المقبلة من هو الرابح من الخاسر»، منتقداً أن «صاحب الحق هو من يتنازل، وهذا عكس المعادلة المنطقية بأن صاحب الحق لا يتنازل، بل المخطئ من يفعل ذلك، والمخطئ الآن هو من يفرض شروطه، هذا وضع معكوس لكن لا يحدث إلا في الكويت».
العودة للمربع الأول
رأى الشريعان «أن أسعار النفط سترتفع لأكثر من 95 دولاراً أميركياً، وأراها قريبة»، متوقعاً «أن يستمر الارتفاع لمدة عام، حينئذ كل الحديث عن الاصلاح الاقتصادي سينتهي، لأن الدولة أصبح لديها إيرادات وسنعود لنفس السياسة القديمة والعودة للمربع الأول».
وأضاف أن «المشكلة الاقتصادية في الكويت هي أمر قديم، وفي كل مرة تنخفض فيها أسعار النفط، نكررهذه النقاشات نفسها، فمثلاً في الثمانينات عندما انهارت أسعار النفط وفي أواخر التسعينيات وفي عامي 2008 و2015 وحالياً، والذي حل جميع المشاكل هو ارتفاع أسعار النفط، لكن لم نقدم حلولاً، وهذه أكبر جريمة وقعت على الاقتصاد الكويتي، إذ إنه عند بروز أزمة نخرج بالحلول»، مبيناً أن «الحلول الاقتصادية لا يمكن أن تكون منفصلة عن بعضها البعض».
هدر كامل للميزانية
تطرق الجوعان إلى الشق الاقتصادي، وقال «إن مجلس الأمة السابق أمضى 4 سنوات في تعريف كلمة (العجز) وخلال هذه السنوات تم هدر كامل الميزانية»، مشيراً إلى أنه «منذ عام 2013 حتى الوقت الحالي يبلغ فائض الميزانية في الاحتياطي العام 63 مليار دينار، تم حرقها في الهبات وسد عجوزات وامور أخرى».
وأشار إلى أن «المادة 24 من الدستور تنص على ان العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة، ونحن مقبلون على ضريبة القيمة المضافة وهي 5 في المئة على جميع الكويتيين، فيها مساواة لكن لا توجد عدالة، إذ سيتضرر أصحاب الرواتب المنخفضة مقابل أصحاب الرواتب العالية وفي ذلك مخالفة دستورية».