يشهد البرلمان اللبناني اليوم، أولَ «تَماسٍ» مباشر بين أطراف مواجهات مثلث الطيونة - الشياح - عين الرمانة الدموية، وبين جناحيْ النزاع الذي انفجر في مجلس الوزراء وعلّق جلساته ورسم «خط تماس» واضحاً بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وكلٍّ من «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري على خلفية إطلاقهما «نفيرَ» معركةِ إقصاء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، والتي شكّلت أحداث «الخميس الأسود» أحد مَحاورها اللاهبة الذي «تواجَه» عليه الثنائي الشيعي مع حزب «القوات اللبنانية».
ورغم أن جلستيْ تدشين البرلمان دورته العادية مخصصتان لانتخاب اللجان النيابية وأعضاء في هيئة مكتب المجلس، ثم لمناقشة قانون الانتخاب وعدد من التعديلات المطروحة عليه كما على المهل لزوم إجراء الاستحقاق في 27 مارس المقبل (إضافة لموضوع الكوتا النسائية)، فإنّ رصْداً كبيراً يجري لِما إذا كانت سـ «تنجو» من عصْف «المكاسرة» المتعددة الطرف: أولاً بين فريق عون (التيار الوطني الحر) والثنائي الشيعي بخلفية إصدارهما «أمر عمليات» بإقصاء بيطار لاتهامه «بالتسييس والاستنسابية» والتمهيد لاستهداف «المقاومة» ودعوتهما مجلس الوزراء لوضْع يده على هذا الملف و«إلا لا حكومة»، في مقابل رفْض التيار أي معالجة لملاحظات واعتراضات «حزب الله» و«أمل» من خارج الآليات الدستورية والقضائية وبما لا ينسف مبدأ فصل السلطات، ومع إبلاغ «مَن يعنيهم الأمر» بأن المحقق العدلي «ما منمون عليه» وهو «خارج السيطرة»، وهذا ما يتيح للتيار مراكمة نقاط في الشارع المسيحي، كما جعْل خصومه (مثل الرئيس نبيه بري وتيار المردة) في وضعية دفاعية مُرْبكة في الطريق للانتخابات النيابية كما الرئاسية، أقله في قراءة بعض «حلفائه».
وثانياً بين «حزب الله» و«القوات اللبنانية» التي تستشعر محاولات لـ «الانقضاض» عليها لتطويعها عبر توظيف أحداث الطيونة في غير سياقاتها الميدانية بوصْفها «عملية غدر عبر القنّاصين بمتظاهرين سلميين» وفق توصيف الحزب، في حين أنها كانت بحسب «القوات» ميني 7 مايو لوضْع المسيحيين والبلاد أمام معادلة إما بيطار وإما الحرب الأهلية، وتطويع «حال الرفْض» لوضعية «حزب الله» ولاسترهانه «الواقع اللبناني»، وتالياً فإن ما شهدته هذه الأحداث كان (غزوة مسلّحة) قوبلت بـ«دفاع عن النفس من الأهالي».
وثالثاً بين«التيار الحر» و«القوات» وفق ما عبّرت عنه «الحرب الشعواء» الكلامية التي بدت جولةً جديدة من«حرب إلغاء»سياسية على تخوم موْقعة الطيونة خصوصاً بعد تَقاطُع المعطيات عند أن رئيس «القوات» سمير جعجع خرج بنقاط ثمينة مسيحياً من هذه الأحداث وحاول رئيس التيار الحر جبران باسيل «تنفيسها» عبر نبْش الملفات والدفاتر السود ولغة تقليب اللبنانيين على بعضهم، تهشيماً لصورة جعجع.
وفي حين تشكّل تفاصيل تتصل بقانون الانتخاب وموعد الانتخابات في ذاتها مادة خلاف بين مختلف مكونات الاشتباك السياسي و«الميداني»، وتحديداً حول موعد الاستحقاق النيابي الذي يصر عليه الثنائي الشيعي في 27 مارس مقابل رفْض التيار الحر ذلك، كما حول اقتراع المغتربين حيث يتمسك التيار بأن ينتخبوا 6 نواب استُحدثوا لهم مقابل تحبيذ «القوات» وآخرين أن ينتخبوا الـ 128 نائباً كلٌّ وفق دائرته، فإن ملفاً جديداً ينذر بأن يتحوّل صاعقاً تفجيرياً ويتصل بما جرى تداوله عن اتجاه لتقديم اقتراح قانون معجل مكرر لإنشاء هيئة اتهامية عدلية استثنائية يكون من ضمن اختصاصها النظر في قرارات المحقق العدلي.
وفيما جرى التعاطي مع هذا الطرح، الذي يدعمه وزير العدل هنري خوري (من حصة عون)، على أنه مدخلٌ لمعالجة قضية المحقق العدلي ضمن البيت القضائي، فإن ما نُقل، أمس، عن مصادر بري من أنه سيطرح قانون الانتخاب في جلسة اليوم، وأن «أي شيء آخر لا يزال غير ناضج لمناقشته»يعكس أن لا تفاهُم على هذه الخطوة التي سبق أن وصفها النائب قاسم هاشم (من كتلة بري) بأنها تحتاج لتعديل دستوري، وسط تقديراتٍ بأن الثنائي لن يسير بهذه «التسوية»ما لم تكن ضامنةً سلفاً لسحْب ملاحقةِ رؤساء الحكومة والوزراء من يد بيطار وتكريسها من اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وفي ظلّ علامات استفهام حول اعتبار هذه الصيغة «إضاعة للوقت»بما يعكس إصراراً على إقصاء المحقق العدلي أولاً أو دفعه للتنحي عبر إحراجه لإخراجه.
وإذ توّجتْ إطلالةُ الأمين العام لـ«حزب الله»السيد حسن نصر الله، مساء أمس، المسار التصعيدي التصاعُدي ضدّ بيطار كما«القوات اللبنانية» على خلفية أحداث الطيونة والذي استخدم فيها قادة ونواب في الحزب «السلاح الثقيل» السياسي، يسود انطباع لدى أوساط «القوات» بأن المناخ البالغ السلبية من البيئة القريبة من «حزب الله»تجاه الجيش اللبناني والذي ارتفعت وتيرته في اليومين الماضييْن ووضْع المؤسسة العسكرية في دائرة «المساءلة» حيال أدائها يرمي إلى محاولة الضغط على الجيش لتأتي خلاصةُ التقارير الأمنية حول وقائع الخميس الأسود و«شرارته الأولى» منسجمةً مع الاستهدافات السياسية لـ«القوات» التي لا تبدو في وارد التراجع أمام «الحرب المعلَنة عليها».
وفي حين تشير كل هذه الأجواء إلى أن مجلس الوزراء سيبقى معلَّقاً حتى إشعار آخر بانتظار إيجاد مَخْرج لمسألتي بيطار وأحداث الطيونة التي ترتفع مؤشرات الرغبة بإحالتها على المجلس العدلي، برز كلام لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكد فيه (لموقع المدن)«أن الوضع الأمني مستتبّ ولا تخوّف، لكن سياسياً لن أدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء، قبل إيجاد حلّ للمشكلة.
ولا أريد استفزاز أي طرف»، مشدداً على «انني أبلغت الجميع أنني لن أتدخل في عمل القضاء، ولا في عمل المحقق العدلي ولا يمكن لمجلس القضاء الأعلى الطلب من بيطار التنحي، وليس له الحق بذلك. المسألة تحتاج إلى وقت لإيجاد الحلّ»، وموضحاً في ما خص اشتباك الطيونة «ما حدث قد حدث ولابد من العمل على معالجته. والمعالجة سياسية. وطالما أنا موجود لن أسمح بظلم أي طرف».
وفي موازاة ذلك، كان وزير الدفاع موريس سليم يؤكد «أن ما حصل الخميس في الطيونة ليس كمينا بل حادث مشؤوم»، لافتاً إلى أن «ظروف حصول الحادثة يبقى تحديدها للتحقيق الذي يعتمد على الوقائع والإثباتات التي تحدد المسؤوليات (...) بناء للكاميرات والشهود والمشاركين»، كاشفاً أن «إطلاق النار قد يكون حصل من أي مكان ولا يمكن أن أجزم ولا أنفي وجود قناصين، وهذا سيتبين في إطار التحقيق»، وموضحاً أن «تحرك الخميس، واجه انحرافاً مفاجئاً إلى بعض الشوارع الفرعية ما أدى لحصول الاشتباكات».